لم يعلم الطفل جمال أبو لوز ذو الثلاثة عشر عاماً أن مشاركته بمسيرة تندد بمقتل الشهيد المقدسي محمد ابو خضير ستجعله أصغر إرهابي في الأردن. المسيرة التي انطلقت بداية شهر تموز/يوليو في مخيم مادبا (35 كيلو جنوب العاصمة عمان) انتهت بمواجهات مع قوات الدرك التي فضتها واعتقلت 13 شخصاً منهم ثلاثة أحداث أحدهم جمال. أطفال المخيم الذين نهضوا وصرخوا بالتزامن مع شهقات القدس في شعفاط، وجدوا أنفسهم رهائن قانون منع الإرهاب ومحكمة أمن الدولة. وعلى الرغم من أن المعتقلين الثلاثة عشر أفرج عنهم بكفالات مالية، إلا أن قانون الإرهاب لا يزال يؤرق الناشطين والحقوقيين في الأردن.
الطفل جمال يؤكد أنه تلقى عدّة صفعات من المحقق الذي استقبله في المركز الأمني، وهو يسأله عن اسمه وعمره وبقية تفاصيل الحادثة، الأمر الذي يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها الاردن عام 1991، وحاله كان أفضل من بقية المعتقلين البالغين الذين تلقوا ضربات أقسى، فيما تنفي الأجهزة الأمنية ذلك.
تحديد أم توسيع
لم يتفق العالم على تعريف محدد للإرهاب، إلا أن الأردن عرّفه وفقاً للاتفاقية العربية لمنع الإرهاب ليشمل الفعل أو الامتناع عن فعل مقصود أو التهديد به أيا كانت بواعثه وإغراضه أو وسائله، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، بالإضافة لأي فعل من شأنه إحداث فتنة والإخلال بالنظام العام أو يخل بالنظام الداخلي أو يلقي الرعب بين الناس ويعرض حياتهم للخطر.
وهكذا فقد يؤدي قطع زهرة من أحدى الحدائق العامة الى تعرض فاعلها للمثول أمام محكمة أمن الدولة وفقاً لقانون منع الإرهاب، مما يوضح مدى عدم قيام التعريف بما هو مطلوب منه وهو تحديد الأفعال التي تعتبر إرهاباً بشكل فعلي. كما شمل القانون أي فعل يؤدي إلى تعكير صفو علاقة الأردن ببلد أجنبي، مما يمنح الحكومة ضوءاً أخضر لمعاقبة الانتقاد السلمي لحكام أجانب على أنه إرهاب، حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، ويقلّص مساحة النقد والنقاش بحجة المخاوف الأمنية.
ملاحقة الكترونية ومحاسبة على النية !!
ويحتوي القانون على بنود تعاقب على استخدام الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة نشر أو إعلام أو إنشاء موقع إلكتروني "لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم لجماعة أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج لأفكارها أو تمويلها"، مما يجعل أي مستخدم للإنترنت عرضة للاشتباه بكونه إرهابياً. وبهذه المواد في القانون قد يصبح التعبير عن الرأي على الانترنت إرهاباً، حتى لو كان دعماً للمقاومة الفلسطينية أو انتقاداً لاسرائيل.
وتساوي مواد القانون بين الشروع التام والناقص، وبين النية والتفكير والمحاوله والتدخل والتحريض.
مسوغات لم تقنع أحداً
قانون منع الإرهاب جاء بعد تفجيرات شهدتها ثلاثة فنادق في العاصمة عمان عام 2005، لحفظ الأمن الداخلي والحدود من أي أعمال قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في البلاد. ولاقت الدعوات لحفظ الأمن آذاناً صاغية لدى السلطة التشريعية خلال إقرار القانون خوفاً من التطورات الإقليمية وتعاظم قوة التنظيمات الإسلامية المتطرفة شمال وشرقي الحدود الأردنية، وتصاعد الأصوات الداعمة لهذه التنظيمات من قبل أبناء التيار السلفي في الأردن. ويرفع بعض داعمي القانون من أهميته بسبب الخوف من العائدين من المقاتلين الأردنيين أصحاب العقيدة السلفية الجهادية الذين انخرطوا في صفوف التنظيمات الإسلامية في سورية والعراق، وهم نارٌ اكتوى بها الأردن سابقاً سواءً من العائدين من أفغانستان والشيشان أو العراق وغيرها من الدول التي قاتلوا بها. بينما يعتبر الناشطون أن القانون جاء لتكميم الأفواه والحد من الحريات ويستطيع تجريم من يشاء على أمور يضمنها الدستور كالتضامن أو الدفاع عن أي قضية، أو التعبير عن الرأي عن طريق التظاهر السلمي، كما يراه الحقوقيون خارجاً عن قواعد السياسة التشريعية، ويؤدي إلى الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة. وتنشط صفحة "مكنتش اعرف" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لمناهضة القانون كونه مهدِّداً للحريات العامة وحرية التعبير في الأردن، وترفع شعار "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، لا للقوانين الحجرية، الحرية للبروشور والهتاف واليافطة، الحرية للإنسان"، وتُعنى بزيادة الوعي حول القانون ومخاطره على الحقوق الممنوحة دستورياً للمواطنين.
أنهى الأردن عهد الأحكام العرفية مع بداية تسعينات القرن الماضي. إلا أنه وحسب عضو مجلس النواب سمير عويس، عاد لقوننة هذه الأحكام لملاحقة كل من لا يناسب مزاج الحكومة أو يؤرقها، كما يرى أن مجلس النواب "قصّر في الحفاظ على حرية المواطنين عندما أقر القانون".