في التاسع من أيلول الماضي، اجتمع أعضاء هيئة كبار العلماء السعوديين لإبداء رأيهم في مشروع فرض رسوم على "الأراضي البيضاء" داخل النطاق العمراني لمناطق المملكة. أتت هذه الخطوة في إطار جهود ترمي إلى حل مشكلة السكن التي أصبحت الهاجس الأول للمواطن السعودي في السنوات القليلة الماضية.
ظهرت بوادر أزمة السكن السعودية منذ عام 2007، حيث بدأت أسعار العقارات ترتفع لتصل قيمة الأرض مؤخراً إلى حوالي سبعين في المئة من القيمة المدفوعة لشراء الوحدة السكنية. فبحسب تقرير للبنك السعودي الفرنسي، يستطيع المواطن أن يشتري بيتاً "بالأقساط" إذا كان معدل دخله الشهري حوالي 24000 ريال (6400 دولار)، في حين أن معدل الدخل الشهري في القطاع الخاص اقل من 4500 ريال (1200 دولار). أما في القطاع الحكومي فـهو 7200 ريال (2000 دولار). تعني هذه الأرقام أن اقل من عشرة في المئة من الشعب السعودي يستطيع أن يمتلك مسكنه الخاص.
سجلت الصحف السعودية حالات قاسية يعيشها المواطنون جراء عدم امتلاك مساكنهم الخاصة. جريدة "الاقتصادية" السعودية نشرت تقريراً عن عائلة مكونة من 11 فرداً يعيشون في إحدى المقابر جنوب العاصمة الرياض. فيما رُصدت حالات من مصادر مختلفة لعائلات تعيش في صناديق مصنوعة من الخشب. وبحسب تقرير صادر عن شركه "المزايا القابضة"، فإن ما يقرب من 37 في المئة من السعوديين يعيشون في عشوائيات.
يعزو الكاتب الاقتصادي، وعضو جمعية "الاقتصاد السعودي"، عبد الحميد العمري، أسباب زيادة أسعار العقارات إلى عاملين رئيسيين. الأول هو غياب الفرص الاستثمارية، مما يدفع أصحاب رؤوس الأموال الى تخزين أموالهم في العقار. أما العامل الثاني فهو احتكار الأراضي.
الحلول الاقتصادية قد تتوفر فيما يتعلق بالفرص الاستثمارية، بحسب العمري، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في احتكار الأراضي، حيث أن عدداً قليلاً من الأمراء يملكون مساحات شاسعة داخل النطاق العمراني للمدن، حصلوا عليها عن طريق استخلاص صكوك ملكية من دون دفع أي مقابل.
بعد امتلاك الأراضي، يقوم الأمراء بتجميدها وعدم عرضها للبيع، مما يؤدي إلى انحسار كبير في عدد الأراضي المتوفرة ويتسبب في ارتفاع أسعارها.
تلك هي الأراضي البيضاء التي بلغت مساحتها داخل مدينة الرياض وحدها حوالي 65 في المئة من مساحة النطاق العمراني. كما بلغ مقدار ما يمتلكه شخص واحد فقط، 500 مليون متر مربع، بحسب ما ذكره الأمير طلال بن عبد العزيز على حسابه الشخصي على "تويتر".
لم يجد الاقتصاديون السعوديون والناشطون في الشأن العام طريقة لاسترجاع الأراضي البيضاء إلا بفرض رسوم على تلك الأراضي، مما سيجبر المحتكرين على دفع مئات الملايين من الريالات سنوياً وقد يضطرهم إلى عرض الأراضي للبيع وإعادة آليات العرض والطلب إلى حالتها الطبيعية، ومعها الأسعار.
لكن الحكومة لم تفرض الرسوم حتى الآن وأخذت تتلكأ منذ عدة سنوات بحجة عدم جواز الرسوم من الناحية الشرعية، مع أن الحكومة ذاتها تضرب بعرض الحائط كل الآراء الفقهية لأعضاء هيئه كبار العلماء عندما تريد فرض أي مشروع أو قانون كما حصل مع التأمين الإجباري والبرنامج الحكومي "ساند"، اللذين تم الاعتراض عليهما بشدة من قبل أعضاء هيئة كبار العلماء.
السبب الرئيسي في تأخير الحكومة قانون فرض الرسوم لا يقتصر فقط على الذريعة "الشرعية" بل يتعلق بهوية الأشخاص المحتكرين للأراضي. فحتى لو فرضت الحكومة رسوماً على الأراضي البيضاء، لن يلتزم اصحابها بتسديدها، كما يؤكد الكاتب السياسي السعودي عقل الباهلي، موضحاً أن من لا يدفع آلاف الريالات من فواتير الكهرباء والماء، لن يدفع الملايين كرسوم على الأراضي، في إشارة إلى الأمراء الكبار الذين يملكون لقب "السمو الملكي"، أو أبناء الملك عبد العزيز من أمثال عبد الرحمن بن عبد العزيز، ومشعل بن عبد العزيز الذي أصبح رمزاً للاستيلاء على أراضي الدولة.
فهؤلاء لا يمسهم الجزاء أو العقاب داخل المملكة، ولا تسري عليهم القوانين والأنظمة، ولا تعرف السياط جلودهم، حتى وإن وصل الأمر إلى تهديد "السلم الأهلي". فعدد المستفيدين من احتكار الأراضي لا يتجاوز العشرة آلاف من الأمراء وأعوانهم وكبار العقاريين، أما المتضررون فيقارب عددهم العشرين مليون مواطن.
الحل الحقيقي لمشكلة السكن لا يكون بوضع رسوم على الأراضي البيضاء، لأن ذلك لا يقتلع أسباب المشكلة الرئيسية، ولا يكون الحل بالنظر إلى المشكلة كأزمة معزولة عن باقي الأزمات، بل بمعالجة الطريقة التي تدار بها البلاد.