يوم 7 جوان 2021، اقتحمت ليلى العجيمي السباعي مديرة جمعية أصدقاء قرطاج المتحف المسيحي المبكر بقرطاج حاملة بيدها رسالة. وأمام المسؤولين والمسؤولات الحاضرين·ـات، توجهت قائلة لمديرة اليونسكو التي كانت تقوم بجولة رسمية بالمتحف : "سيدة آزولاي، إن قرطاج تحتضر !".
حملت الرسالة التي مدتها ليلى العجيمي السباعي لأودري آزولاي في ذلك اليوم تحذيرا من الخطر الأكبر الذي يهدد الموقع الأثري بقرطاج : المباني غير القانونية.
ما زالت هذه الآفة التي شاركت حاشية بن علي فيها في عهد الديكتاتورية متواصلة إلى يوم الناس هذا، على حساب التراث الأثري. عدد كبير من هذه البناءات لم يقع هدمها، في حين تـ·يفلت أصحابها وصاحباتها من العقاب.
السيرك الروماني بصدد الاندثار
تكفي جولة بسيطة في المدينة لملاحظة ذلك : منازل عصرية تقف جنباً إلى جنب مع آثار قرطاجية عتيقة في مشهد يثير الدوار. دخول الموقع في لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 1979 وتصنيفه في سنة 1985 لم يكفيا لكبح جماح التفشي العمراني في هذا الموقع الأثري.
من جهتهما، تؤكد حياة بيوض رئيسة بلدية قرطاج ومعز عاشور محافظ الموقع الأثري أن هذه المساكن "الشعبية" قد تضاعف عددها منذ الثورة، مثلما أكده تقرير عن اليونسكو بتاريخ 2012.
شبح حاشية بن علي-الطرابلسي
في عهد الديكتاتورية وقعت العديد من التجاوزات التي كانت من عمل حاشية الطرابلسي- بن علي نفسها. ولم يُكشف عن المعلومة إلا بعد الثورة : بين 2006 و 2007 قام الرئيس الأسبق، من خلال مرسوم، بإخراج مساحة جملية تقدر بـ12.5 هكتار* من المنطقة الاثرية لغاية إنجاز مشاريع ذات صبغة سكنية.
و لم يلبث "تقسيم حنبعل" أن رأى النور وهو مشروع عقاري أعده أفراد من عائلة بن علي-الطرابلسي. ولكن، رغم سقوط الدكتاتور، لم تسقط البيوت الفاخرة التي تملأ إلى حد الآن أرجاء حي بير فتوحة.
في مارس 2011 وبعد تعبئة مكثفة دعت لها "أصدقاء قرطاج"، أُلغيت كل مراسيم الإخراج الصادرة في عهد بن علي وأُنشئت لجنة مكلفة بتسوية الوضعية العقارية للأراضي المعنية.
ولكن، كان من الصعب الوصول إلى تفاهم. اجتمعت اللجنة عدة مرات بين 2011 و 2014، وكان من بين أعضائها آنذاك عبد المجيد النابلي محافظ الموقع الأثري حتى 2001 وجلال عبد الكافي وهو مختص في العمران مكلف بإعداد مثال للحماية والإحياء بقرطاج.
يستحضر جلال عبد الكافي : "كانت هنالك مقاربتان : تمثلت الأولى في اعتبار ذلك غير قانوني ودعت لهدم كل شيء. أما الثانية فاعتبرت أن ما كان مبنيا يظل مبنيا، بينما يُمنع البناء على الأراضي المتبقية".
من جهته، كان عبد المجيد النابلي مناصرا للحل الجذري، وأضاف قائلا : "أرادت اللجنة التمييز بين الشارين عن حسن نية وأصحاب النية السيئة." أي المشترين·ـيات المشاكرين·ـات في هذه التجاوزات من جهة، والضحايا الذين واللواتي بيعت لهم·ـن هذه الأراضي بأثمان خيالية من جهة ثانية.
يروي الرجلان أن مختلف أعضاء اللجنة لم يتوصلوا ويتوصلن لاتفاق. فتمت إحالة قائمة من الاقتراحات لرئيس الحكومة الذي كان من المفترض أن يحسم في الموضوع. ولكن منذ تقديم التقرير في 2014، لم يتم اتخاذ أي قرار حسب قولهما.
وتبعا لقضية بئر فتوحة، أوصى تقرير اليونسكو لسنة 2019 بـ"وضع مثال للتقاسيم اتابعة لخواص بهدف الحصول على لمحة عامة للأراضي التي سيكون من الضروري شراؤها على المدى المتوسط أو البعيد". وكون جزء كبير من الموقع الأثري يعود لخواص يغذي التجاوزات بما أن البناء ممنوع عليها ولكن البيع مسموح به.
من هذا المنظور وقع إحراز عدة تطورات حسب معز عاشور : " تخصص الدولة التونسية بواسطة وزارة الشؤون الثقافية والمعهد الوطني للتراث ( INP ) ميزانية سنوية لشراء أراضي أثرية". ووفق اليونسكو فقد وقع شراء ستة تقاسيم بين 2018 و 2019 واحد منها في السيرك الروماني.
الريبورتاج كاملا على موقع "انكفاضة"