تفجير أنبوب النفط هو العنوان

    يستخفّ اليمنيون أفراداً وجماعات بالهجمات المنظمة التي تستهدف البنية التحتية للاقتصاد، حتى بات ضرب أبراج وخطوط نقل الكهرباء أو تفجير أنبوب النفط الرئيسي خبراً عاديّاً لا يثير استغراب وقلق المواطن العادي ولا يُسْخط الحكومة، على الرغم من أنه السبب الأول في ارتفاع عجز موازنة الدولة وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اليمن. يتكرر هذا بشكل شبه أسبوعي منذ
2014-09-24

محمد العبسي

كاتب صحفي من اليمن


شارك
(من الانترنت)

 

 

يستخفّ اليمنيون أفراداً وجماعات بالهجمات المنظمة التي تستهدف البنية التحتية للاقتصاد، حتى بات ضرب أبراج وخطوط نقل الكهرباء أو تفجير أنبوب النفط الرئيسي خبراً عاديّاً لا يثير استغراب وقلق المواطن العادي ولا يُسْخط الحكومة، على الرغم من أنه السبب الأول في ارتفاع عجز موازنة الدولة وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اليمن.
يتكرر هذا بشكل شبه أسبوعي منذ ثلاثة أعوام: يتمّ إصلاح الأنبوب في منطقة صافر، فيتمّ تفجيره بعد أسابيع أو أيّام في منطقة صرواح. تعود لجنة الوساطة إلى صنعاء بعد نجاحها في إقناع قبائل عبيدة بالسماح للفريق الفني بإصلاح الأنبوب، فيتوجب على الحكومة إرسال لجنة وساطة أخرى للنظر في مطالب قبائل جهم من أجل استئناف ضخ الأنبوب الذي ينقل إنتاج شركة صافر الحكومية من النفط الخام وأربع شركات أجنبية أخرى.
أخيراً، لم تمض 48 ساعة على عودة ضخ أنبوب تصدير النفط الرئيس في اليمن بعد توقف دام عشرة أيام وكلّف خزينة الدولة نحو 100 مليون دولار، حتى أقدم مسلحون (في 7 أيلول/ سبتمبر) على تفجير الأنبوب في محافظة مأرب وسط البلاد. يحدث ذلك على مقربة من قيادة المنطقة العسكرية الوسطى، وأربعة ألوية عسكرية أخرى تبعُد كيلومترات قليلة عن منطقة تفجير الأنبوب.

بين إنتاج النفط وتكريره سفر طويل

يوجد في اليمن 13 حوضاً رسوبياً، ويقتصر إنتاج النفط على حوضين رسوبيين أساسيين هما: حضرموت ومأرب/شبوة. بمعنى أن إنتاج النفط ينحصر حتى الآن على مساحة 21.957 كم مربع، أي ما يُمثّل 4 في المئة فقط من إجمالي المساحة الكلية للخارطة النفطية.
وينتج النفط الخام من ثلاث مجموعات، تم تصنيفها بحسب التقارب في مواصفات النفط وموانئ التصدير، وهي كالتالي:
- مأرب، خفيف (إنتاج خمس شركات عبر أنبوب شركة صافر).
- المسيلة، مزيج (إنتاج خمس شركات عبر أنبوب المسيلة في حضرموت جنوباً).
- غرب عياد (إنتاج شركة واحدة وقليل جداً عبر أنبوب إلى بلحاف في محافظة شبوة).
يتم تصدير خام المجموعة الثانية (المسيلة) إلى الخارج من ميناء الشحر عبر مناقصات دولية تعلن عنها شهرياً اللجنة العليا لتسويق النفط المنشأة في العام 2009. في حين تكتفي الحكومة بإعلان الكمية المنتجة من المجموعة الثالثة (غرب عياد) من دون الإفصاح عن وجهتها. ونفط المجموعة الأولى (صافر) فغالبية الكمية تكرر في مصافي عدن وتباع في السوق المحلي، مع تصدير كميات محدودة. أمّا حرب الاستنزاف التي يتعرض لها أنبوب النفط فتخص أنبوب المجموعة الأولى.
أمام نفط المجموعة الأولى سفر طويل: براً وبحراً. يمشي أنبوب صافر مسافة 403 كيلومترات بدءاً من حقول إنتاج القطاع 18 صافر في محافظة مأرب وصولاً إلى ميناء رأس عيسى الملاحي في محافظة الحديدة. ومن هناك ينقل بحراً إلى مصافي عدن مجتازاً مسافة بحرية مماثلة، في عملية تستغرق 21 يوماً بين إنتاج النفط الخام من حقوله ثم تكريره في مصافي عدن ولاحقاً توزيعه للاستهلاك من الحديدة إلى محافظات الجمهورية. في حين أن المسافة بين حقول الإنتاج ومنشآت التكرير في أرامكو السعودية لا تزيد عن كيلومتر واحد!
يبدو جلياً إذن غياب التخطيط الاستراتيجي لدى الحكومات المتعاقبة المتمثل في بُعد المصافي عن حقول الإنتاج الرئيسية، وعدم تطوير وزيادة سعة مصافي مأرب (تكرّر 10 آلاف برميل في اليوم مقابل 150 ألف برميل في مصافي عدن). ويترتب على ذلك أعباء كثيرة، كانعدام الوقود لأيام في المدن في حال قرّر شيخ ما قطع الطريق واحتجاز القاطرات في طريق صنعاء ـ الحديدة بعد تكرير النفط الخام وعودته من عدن. فضلاً عن ارتفاع التكلفة بسبب أجور النقل. والأهم تهريب المشتقات النفطية الذي تشتكي الحكومة منه وتتذرع به عادة إثر كل جُرعة سعرية، والمكان الأنسب لهذا هي المسافة البحرية بين مصافي عدن وميناء رأس عيسى الملاحي في الحديدة ذهاباً وإياباً.

أنبوب الغاز وأنبوب النفط

لكن المشكلة ليست في المساحات الشاسعة التي يجتازها أنبوب صافر، ذلك أنّ أنبوب تصدير الغاز المسال للخارج يمتدّ من حقول الشركة نفسها، ويجتاز مسافة مماثلة (420 كيلومتراً) من محافظة مأرب إلى شبوة. وهو مؤمّن من قبل الجيش ويحظى باهتمام الدولة، والمرّات التي تعرض لها أنبوب الغاز (بلحاف) للتفجير قليلة جداً مقابل نحو 100 تفجير تعرض له أنبوب النفط.
ويثير هذا الواقع أسئلة كثيرة، خاصة أن عائدات الدولة من تصدير الغاز المسال بالكاد وصلت إلى نصف مليار دولار بعد موافقة «توتال» على تحسين أسعار البيع في العام 2013، و239 مليون دولار في العام 2012. في حين بلغت خسائر شركة صافر الحكومية، أكبر قطاع نفطي (بمساحة إمارة قطر مرتين) وأكبر منتج للنفط والنفط المكافئ في البلد والمنتج الوحيد للغاز المنزلي LPG وغاز المحطة الكهربائية والغاز المسال LNG ، 4,72 مليار دولار جراء الاعتداءات المتكررة على أنبوب النفط.
ووفق بيانات حكومية، تراجعت عائدات اليمن من النفط الخام نحو 661 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2014 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك بسبب تراجع حصة الحكومة من إجمالي الإنتاج من 24 مليون برميل في العام 2013 إلى 19 مليون برميل في العام 2014، نتيجة الاعتداءات المنتظمة على أنبوب النفط. وحسب آخر تقرير لوزارة المالية، تراجعت إيرادات الدولة في العام 2012 بنسبة 409 في المئة عن إيرادات 2011 و2010. أمّا السبب فهو عجز وتقاعس الدولة عن حماية أنبوب النفط.

ضغط على الحكومة أم سوق سوداء؟

في السابق، كان رجال القبائل الساخطون من الحكومة يقدّمون بشكل متقطّع ومحدود، على تفجير أنبوب النفط، للضغط من أجل الإفراج عن معتقلين أو رفع مظالم أو دفع تعويض مالي عن خسائر مزعومة. في السنتين الأخيرتين، بات تفجير الأنبوب أشبه بالسوق السوداء والطريقة الأسرع والأسهل للحصول على امتيازات، مشروعة وغير مشروعة، من الحكومة. وتعزّزت خلال السنتين الماضيتين جملة شواهد على وجود تواطؤ واتفاقات ضمنية بين قادة ألوية حماية أنبوب النفط وبين زعماء وشيوخ القبائل. إلقاء نظرة سريعة على التقارير الرسمية يعزز هذا الانطباع.
خلال 17 عاماً، بين 1992 و2009، تعرّض الأنبوب لخمس هجمات فقط، بينما وصل عدد الهجمات التي توقف بسببها إنتاج النفط إلى 40 هجوماً خلال العام 2012، و36 هجوماً خلال العام 2013، مما تسبّب في توقف إنتاج النفط والغاز لفترات طويلة وتراجع إيرادات النفط الخام.
ومن المهم الإشارة إلى أن المجاميع المسلحة التي باتت «تمتهن» تفجير أنبوب النفط وأبراج الكهرباء لا تتألف من رجال كهوف ومغارات يعيشون في أقاصي الجبال، وإنما من أعيان ووجهاء مناطق معرّفين، يعلنون عن اعتزامهم تفجير الأنبوب ويشعرون الحكومة قبل أيام في مرات عديدة (أحياناً عبر وسائل الإعلام المحلية) ما لم تستجب لمطالبهم.

وزارات أم وكالة أنباء

بدلاً من ضبط الحكومة للمتورطين في أعمال التفجيرات المنظمة، تحوّلت وظيفة وزارتي الداخلية والدفاع خلال السنتين الماضيتين إلى وظيفة إخبارية، تكتفي بإعلان أسماء المتورطين في تفجير أنبوب النفط، كأنها مؤسسة إعلامية أو وكالة الأنباء اليمنية سبأ. وأسهمت سياسة إرسال لجان الوساطة التي يفضلها الرئيس عبد ربه منصور هادي وتحبذها الحكومة التوافقية، في زيادة الهجمات المنظمة، بسبب تلبية مطالب المهاجمين ودفع الأموال لهم. وأما الاعتقاد الشائع لدى الحكومة والنخب السياسية بأنّ التفجير يتمّ بإيعاز سياسي وتحريض من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فيبدو كلاماً تبريرياً للفشل القائم.
وبصرف النظر عن الاتهامات السياسية، تؤكد الشواهد أن دوافع التخريب «اقتصادية» بحتة، وأن طبقة هجينة من المستفيدين المباشرين من ضرب الأنبوب تشكلت في الظلال من مشايخ وزعماء قبائل وقادة عسكريين.
ولم يعد اتهام القيادات العسكرية المكلفة بحماية الأنبوب أمراً خفياً أو مجرّد كلام يُقال في الغرفة المغلقة. فقد اتهم مدير شركة صافر علناً، في حوار مع مجلة الإعلام الاقتصادي، الأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية بعدم التعاون مع الشركة الأعلى إيراداً للخزينة العامة، وقال إنها «تتعمّد عرقلة أعمال الشركة عكس ما كانت تتعامل به مع شركة هنت في الماضي»، في إشارة إلى شركة «هنت» الأميركية التي أدارت لمدة عشرين عاماً القطاع 18، أكبر القطاعات النفطية في اليمن، وأجبرت على التخلي عنه في العام 2005 بموجب حكم المحكمة الدولية في أشهر قضية نزاع في المحاكم الدولية بين اليمن وشركة نفطية، في حين ما تزال هنت حاضرة بقوة في القطاع النفطي اليمني ومساهمة في شركة يمن LNG مصدر الغاز المسال اليمني.

 

 

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

محمد العبسي.. كيف كان يرى اليمن؟

"لو أن 99 في المئة من الشعب اليمني تطبعوا بأسوأ الصفات الطارئة التي حفّزتها الحرب، مثل المناطقية والعنصرية والكراهية والعنف اللفظي والمادي، سأظل مؤمناً بـ1 في المئة المتبقية من اليمنيين...

صحافي يمني.. مع الأسف الشديد

  بين الاختطاف والإخفاء القسري والتهديد بالقتل والشروع به، يبدو التوقف عن العمل وفقدان الوظيفة، أو الهجرة، أقل الخسائر وأكثرها شيوعاً! فما إن يتم الإفراج عن صحافي حتى يعتقل آخر،...

بين الوحش والإنسان

كان أحد الإعلاميين اليمنيين يصرخ، بانفعال متصنِّع، أثناء مداخلته في أحد البرامج اليومية في إذاعة تابعة لجماعة الحوثيين، مُديناً صمت الدول العربية تجاه ما تتعرض له اليمن وفلسطين! البرنامج كان...