هؤلاء بعض تلامذة مدرسة شملان على تخوم العاصمة صنعاء مع أستاذهم. لدى كل واحد قصة غير محكية. خلف هذا السور كانوا يؤدّون، كل يوم، طابور الصباح والنشيد الوطني ويمرحون ويلعبون، أو يُضرَبون ويعاقبون، ومنه وإليه يسيرون في صفوف منظمة أو عشوائية إلى فصولهم. بدلاً عن كل ذلك يوجد الآن خلف هذا السور رتل دبابات ومدرعات ومضادات طيران، في المساحة التي يتناولون فيها وجبة الإفطار، أما فصولهم الدراسية فقد تحول بعضها إلى أماكن اعتقال واحتجاز.
أول شيء انجذبت إليه عيناي هو أقدامهم: جميعهم يرتدون صنادل بلاستيكية، بأقدام مكشوفة ومُغبّرة بعض الشيء، باستثناء طالب واحد فقط يرتدي جوارب. هل يمكن تقييم أوضاعهم الأسرية، من حيث الرعاية والدخل، من خلال ذلك؟ ليس في اليمن.
لم يخطر في بال أي منهم أنه سيقضي أول أيام الدراسة، بعد إجازة عيد الفطر، في الشارع أمام السور الخارجي للمدرسة. ذلك أن جماعة الحوثي (أنصار الله) حوّلت مدرستهم وأربع مدارس أخرى، إلى مخزن للأسلحة الثقيلة التي نهبتها من معسكرات الفرقة الأولى وقيادة القوات المسلحة. لقد توجب عليهم الانتظار لمدة أسبوع وتنظيم عدد من وقفات الاحتجاج أمام المدرسة، حتى سمعت بخبرهم القنوات العربية فامتلأ المكان بمراسلي وكالات الأنباء وممثلي المنظمات الدولية، والخصوم الحزبيين والأيديولوجيين للحوثيين، الأمر الذي أجبر الجماعة على إخلاء المدرسة والسماح للطلبة بالدخول إلى فصولهم.
احتجاج تلامذة مدرسة شملان (موقع منظمة مواطنة لحقوق الانسان)
عدد من المدارس العامة على طول المسافة من ريف صنعاء حتى محافظة عمران تحولت إلى ثكنات أسلحة، من دون أن تصل إليها عدسات الكاميرا أو تقارير منظمات الإغاثة كي يضطر الحوثيون إلى إخلائها تحت ضغط المجتمع. يحدث هذا في بلد تقول تقارير الأمم المتحدة إن مليوني طفل فيه لا يتمكنون من الالتحاق بالتعليم الأساسي.
إلى ذلك، كان منسق الشؤون الإنسانية في اليمن يوهانس فان دير كلاو قد عبّر عن صدمته لتحويل الإستاد الرياضي في مدينة عمران إلى معتقل وسجن من قبل مليشيا الحوثي، في بيان أصدره إثر زيارته للمحافظة.
من يدري فلعل مصائب سكان العاصمة وبقية المدن تُشعر سكان الأرياف المظلومين منذ عقود ببعض التحسّن. ففي المناطق الواقعة على طول الشريط الساحلي بين محافظتي الحديدة وحجة، التي تعدّ من أكثر المناطق فقراً في الشرق الأوسط، لن تثير رؤية الطلاب يتعلمون في حقل فلّ، أو تحت عبّارة مياه تصريف الأمطار استغراب أي من السكان المحليين. ذلك أن العديد من أبناء ريف تلك المناطق الشاسعة ليس لديهم مدارس كتلك في صنعاء: بباب وحارس وسور خارجي وفصول وكراسٍ وطباشير وسبورة.
في إب والبيضاء تدور معارك عنيفة بين الحوثيين وبين سكان محليين مقاومين ورافضين، وبينهم وبين القاعدة في المحافظة الأخيرة. الدولة مثلها مثل أي قارئ للصحف أو مشاهد للقنوات الإخبارية: تشاهد وحسب. في أحسن الأحوال تشكل لجنة وساطة وترضي هذا وتتخلى لذاك عن بعض (أو كل) صلاحياتها وواجباتها.
الشيء الوحيد الذي يبعث نوعاً من التفاؤل لدى أبناء تهامة، أو ربما يشكل عزاءً، أن القليل من مدارسهم معمور، وأن عدداً ليس بقليل من أبنائهم يتلقون أصلاً التعليم في الحقول والسهول، وبالتالي فهم ليسوا قلقين أن يحوّلها الحوثيون مع دخولهم الحديدة مؤخراً، إلى مخازن للأسلحة الثقيلة والدبابات.
خمس دبابات في نزهة داخل حارة شعبية
كانت هذه الصورة، مجهولة المصور، أكثر الصور انتشاراً في وسائل الإعلام التواصلي لعدة أيام، وكان التعليق الأكثر تداولاً هو: "خمسة حوثيين مخزنين (يتناولون القات) عند واحد صاحبهم". السؤال الذي أرَّقني: ما شعور سكان الحي وأطفالهم يستيقظون كل صباح على هذه المنظر "الرومانسي"؟
بعض أطفال منطقة شملان مكثوا مع أسرهم في منازلهم خشية نهبها. بعضهم نزح مع أسرته مؤقتاً إلى وسط البلد، بعيداً عن الاشتباكات المسلحة، ثم عاد بعد توقف القتال. التقى الطفل الأول بالثاني وذهبا إلى المدرسة فوجدا أن الحرب التي هربا منها كلٌ بطريقته - الأول بالمكوث في بيته في مناطق الاشتباك والثاني بالنزوح - ما زالت تلاحقهم، وأن دباباتها وغنائمها قد احتلت المكان الذي يجمعهما وينقلهما نحو المستقبل والوجود الحضاري.