لنضغط الآن زر التشغيل play: دِيْن وسام وينشستر، محاربا الأشباح، وبطلا مسلسل «فوق طبيعي» (Supernatural) الشهير، الذي يتابعه الملايين، ورشِّح لنيل العديد من الجوائز الفنية القيّمة كجائزة «ساترن (Saturn Award)، وفاز بجائزة «اختيار الجمهور» ( People’s Award Choice) كأفضل مسلسل خيال علمي عام 2010.
شابان يحاربان الجريمة في عالم الماورائيات والملائكة والشياطين، بوصف ذلك «عمل العائلة». ومن خلال نشرات الأخبار ومواقع الانترنت أو التنصت على مذياع الشرطة، يتعقبان الجرائم الغريبة في أي ولاية أميركية، كتلك الروح الغاضبة التي تنتقم من قاتلها، أو اللوحة الفنية المسكونة بشبح، أو الإله الوثني الذي يتقمّص المشاهير، أو الكائن الشيطاني المتلبس إنساناً، أو العُملة النقدية التي تدفع من يمسكها إلى القتل... وهكذا، عالم غرائبي مع توظيف بارع وذكي للميثولوجيا الدينية، المسيحية والإسلامية، والأساطير القديمة الوثنية واليونانية.
لنضغط زر التوقف.تنتهي الحلقة السابعة من الموسم الثاني بمشهد صادم لي كيمني أحبّ المسلسل وتابعت مواسمه التسعة بشغف. كاد «دِيْن» يقتله كائنٌ ما ورائي ذُكر في الكتاب المقدس للمسلمين: جِنّي. وبعدئذ تمكّن الأخوان من قتله بصعوبةٍ بالغة. يلتفت دِين (المُمثّل جنسن أكلز) لشقيقه سام (المُمثّل جاريد بادالكي) التفاتة المتعجّب لنجاتهما من الموت، ويقول:
- «أرغب في الذهاب لمكان خارج العالم».يجيب سام بثقة من يعرف أنسب مكان خارج العالم:
-»أنا سأذهب إلى اليمن»!
قبل أن أحرّك الجهاز لتشغيل الحلقة التالية، مسحتُ وجهي بكمّ القميص وكأن جاريد بادالكي بَصَق لتوه عليّ!
***
لعلّي بالغت في شعوري بالإهانة من وصف مجازي بمسلسل خيالي أصلاً! أكان عليّ الشعور بالامتنان من المؤلف (اريك كريبك) لوصمه كل يمني بالانتماء إلى بلد يقع خارج العالم؟على أية حال هذه ليست المرة الأولى. فبعض صانعي برامج خدمة التحقيقات الجنائية البحرية يتعمّدون اختيار اليمن كمكان مثالي للهجمات الإرهابية. وإذا كانت اليمن بلداً يقع خارج العالم في مسلسل Supernatural المذكور، فإنها في بعض ألعاب الترفيه وتدريبات «بلاي ستيشن» هي النقيض: في قلب العالم لا خارجه، إنما بوصفها البلد الأكثر تهديداً للسلام العالمي.عندما أجرت الصحافية سما الهمداني مقابلات عشوائية مع مواطنين أميركيين طلبتْ «أخبرونا شيئاً واحداً عن اليمن» (*)، فقالت إحدى المستطلعات آراؤهن: «كل ما أعرفه عن اليمن أنها موقع تفجير المدمرة كُول». قالت أخرى «دولة مجاورة للسعودية يقترن ذكرها عادةً بتنظيم القاعدة». إجابة واحد فقط كانت مختلفة: «من المؤسف أن البرامج التلفزيونية تُستخدم كسياط لضرب اليمن، خاصة برامج التحقيقات الجنائية».
تذكرتُ أنني شاهدت تلك البرامج للمرة الأولى في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بصفحة ناشط ينتمي إلى جماعة الحوثيين التي ترفع شعاراً معادياً لأميركا، وقد أوردها في سياق تحريضي ودعائي لاستفزاز مشاعر اليمنيين تجاه واشنطن، واجتذاب المزيد من المؤيدين لشعار جماعته: «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل». وأحسبه وُفِّق في مسعاه بفضل منتجات هوليوود والبنتاغون المشجعة على كراهية أميركا... وكأن الطائرات بدون طيار لم تقم بالواجب وزيادة!
***
لنشغّل قرصاً آخر:في مسلسل «نيكيتا» (Nikita) الشهير (الموسم الأول) تُقتل عائلة العميل مايكل (المُمثّل شين ويست) بعبوة ناسفة وضعت داخل سيارته الواقفة بمجمع السفارة الأميركية بصنعاء منتصف 2001. في الحقيقة، لم يشهد اليمن عملاً إرهابياً عامذاك، لكن ما علاقة الحقيقة؟ إنه عمل سينمائي وليس بحثاً تاريخياً. ومسلسلات «الأكشن» تتطلب إثارة ووجود عدو دائم. والأرجح أن أنسب مكان لنشاط ذلك العدو في مخيلة منتجي هوليوود هو اليمن.ليكن!لماذا تكرّس هوليوود فكرة أن ضحايا الإرهاب أميركيون فقط، وهم في الغالب يمنيون؟ من حيث المبدأ، أليسوا ضحايا؟ أليس معظم ضحايا القاعدة يمنيون عدا 17 ضابطاً قتلوا بتفجير المدمرة يو إس إس كول بعدن في كانون الاول/ ديسمبر 2000؟ حتى ضحايا الهجوم على مقر السفارة في أيلول/ سبتمبر 2008 كانوا جنوداً يمنيين وليسوا من المارينز.إذن لا يفرق الإرهابيون بين الضحايا، لكن منتجي هوليوود يفرّقون بحسب جنسية الضحية، وربما دينه، وكأنها عملية «خَصْخصة» للإرهاب يُراد استثمارها سياسياً.المزعج أن منتج «نيكيتا» لم يستخدم محرك البحث غوغل لمعرفة معلومات عامة عن اليمن. وإلا لما كان أولاً ليصوّر المشهد أمام وداخل مقر السفارة في طريق ترابي وكأن اليمن بالقرن التاسع عشر قبل ظهور الإسفلت! ثانياً: كان سيستبدل النخيل الذي لا ينبت بصنعاء بأشجار الأثل والسدْر. وكان ليغيّر، ثالثاً، نص الحوار بين الضابط وزوجته المتضايقة من درجة الحرارة المرتفعة! لكون صنعاء معتدلة صيفاً وباردة (تحت الصفر) شتاء.هذه الملاحظات الفنية تؤكد صحة ما قالته السفيرة الأميركية السابقة (باربرا بدوين) بصنعاء قبل سنوات حول فيلم «قواعد الاشتباك» الذي وصفته بـ«الغبي والمهين لإهانته الشعب اليمني وتقديمه القوات المسلحة الأميركية في صورة غير لائقة». يومها جزمتْ السفيرة أن «الذين أنتجوا الفيلم لا يعرفون أين تقع اليمن بالتحديد. فقط التقطوا الاسم هكذا» (*). ترى كم من منتجي البرامج الأميركية يلتقطون اسم اليمن بالخفة التي وصفتها بدوين. وإذا كان منتجو أفلام «لا يعرفون أين تقع اليمن»، فإن مدير جهاز المخابرات الأول عالمياً CIA (جورج تينيت) لا يعرف أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح تولى الحكم عام 1978 وليس 1990، كما أورد بمذكراته «في قلب العاصفة» (*).ربما هو أيضاً التقط المعلومة على الطريقة الأميركية التي وصفتها بدوين: «.. هكذا!».
***
كلما شاهدت أعضاء جماعة الحوثي، بعد الربيع العربي، يهتفون بحماسة «الموت لأميركا الموت لإسرائيل»، أذكّر نفسي أنه سبق لي أن رأيت حشوداً مشابهة تهتف «أميركا.. أميركا.. اخرجوا من اليمن» ليس في شوارع صنعاء، وإنما في فيلم «قواعد الاشتباك» الذي أنتج وعُرض في العام 2000، قبل ظهور حركة الحوثيين بأربع سنوات، بل وقبل «11 سبتمبر».لنضغط زر play:ثلاث مروحيات تقلّ فرقة عسكرية بطريقها إلى صنعاء لإنقاذ السفير الأميركي وأسرته. أحاط المحتجون بالسفارة وشرعوا بإطلاق النار. لاحقاً، وأنا أرى مشاهد اقتحام السفارة الأميركية في صنعاء وبنغازي في ليبيا (ايلول / سبتمبر 2012) انتابني شعور أنها مشاهد مُسربةً من فيلم «قواعد الاشتباك»! وأن سلوك المتظاهرين قد يحوّل مؤلفه جيمس ويب، وزير البحرية السابق، من كاتب أفلام عنصري لدى الرأي العام الأميركي إلى رجل تنبأ بهمجية اليمنيين والعرب إجمالاً.الفيلم اختبار لئيم لفكرة قتل المدنيين: فرقة تتعرض لهجوم في بلد عربي من مسلحين مختلِطين بمدنيين غاضبين. يخرج الوضع عن السيطرة. يسقط جنود جرحى وقتلى. وفي ما يبدو دفاعاً عن النفس، يصرخ قائد الفرقة (الممثّل صامويل جاكسون): «اقضوا على هؤلاء الأوغاد»، فيُقتل 83 مدنياً نصفهم أطفال ونساء.أمن الممكن أن تُستلهم جريمة من فيلم؟ ربما.في أيلول/ سبتمبر 2008، استلهم تنظيم القاعدة فكرة فيلم وزير البحرية على طريقته، فهاجم افراده السفارة الأميركية بصنعاء مضيفين عنصراً جديداً للمشهد السينمائي: سيارة مفخخة. لعلهم قالوا لحظة الاشتباك مع جنود الحراسة اليمنيين جملةً مشابهة لجملة صاموئيل جاكسون: «اقضوا على هؤلاء الأوغاد»!
***
قبل أسابيع، طلب مني صديق إرسال سيرتي الذاتية لإدراجي ضمن برنامج الزائر الدولي إلى أميركا، فاعتذرت. ادّعيتُ أني لا أرغب بالسفر قبل تعلم اللغة الإنكليزية، ولم أقل له إنني أخشى، ولا أطيق، نظرة موظف الجوازات إليّ باعتباري قادماً من بلد يقع خارج العالم!