حملة الانتخابات المغربية: تَعَدَّدت الملصقات والبرنامج واحد

ركزت معظم الأحزاب المغربية (31 حزباً مشاركاً) في برامجها الانتخابية على معالجة تداعيات جائحة كورونا، وما يترتب على ذلك من الحاجة لإنعاش الاقتصاد والضمان الصحي وتعزيز الخدمات الاجتماعية. وفي الوقت الذي تتبارى فيه الأحزاب لنيل أصوات ما يقارب 18 مليون مغربي مسجل في اللوائح الانتخابية، فإن الاستطلاعات تؤكد أن قطاعاً مهماً من المغاربة لا ينوي التصويت.
2021-09-07

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
ملصقات انتخابية، الحزب الاشتراكي، المغرب.

بوضعية شبك الذراعين، وبابتسامة خفيفة باردة، ووجه تغزوه اللطافة المدّعاة، يقف مرشحو الانتخابات المغربية في صور الملصقات الدعائية، في محاولة منهم لاستمالة الناخبين بغية نيل مقاعد المجالس المحلية، ومجلس النواب في التصويت المزمع إجراؤه يوم الثامن من أيلول/ سبتمبر الجاري.

حملة رقمية في ظل "الاحترازات"

في منتصف ليل 26 من آب/ أغسطس الماضي،غزت الملصقات الانتخابية للأحزاب المغربية وسائل التواصل الاجتماعي. بدا حضور هذه الحملة في العالم الافتراضي أقوى من الحملات الفائتة بسبب استمرار الأزمة الصحية (كورونا) التي تمر بها البلاد والعالم ، وهو ما أفضى إلى إلزام وزارة الداخلية (باعتبارها مشرفاً على الانتخابات) الأحزاب المشاركة بالتقيد بالإجراءات الاحترازية في الفضاءات العمومية، والمتمثلة في حصر التجمعات المخصصة لحملات الأحزاب في 25 شخصاً، وعدم تجاوز 10 أشخاص في الجولات الميدانية، و5 سيارات بالنسبة إلى القوافل، ومنع نصب الخيام في الفضاءات العمومية وتنظيم الولائم، مع إلزامية إخبار السلطات المحلية بتوقيت هذه الأنشطة... علاوةً على منع توزيع الملصقات للعموم، والاكتفاء بوضعها في أماكن مخصصة للاطلاع عليها من قبل المواطنين. لكن معظم الأحزاب لا تلتزم بهذه الإجراءات بشكل دقيق، فالتجاوزات حاضرةٌ على الرغم من حرص السلطات على مراقبتها بين الفينة والأخرى.

استهدفت الأحزاب الكبرى منصات السوشال ميديا للترويج لبرامجها. كان "فيسبوك" أبرزها، وأفادت إدارته بأن أحزاب "التجمع الوطني للأحرار" و"الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" أنفقت ما يزيد عن مليون درهم (حوالي 100 ألف دولار) على حملاتها الإعلانية على الموقع طيلة الأشهر الثلاثة الماضية.

تعددت الملصقات والغرابة واحدة

عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بملصقات مرشحين انتخابيين، أثارت غرابةً وسخرية، وأحياناً استهجان متابعي هذه المنصات. فمن مرشحين غيروا أيديولوجياتهم العابرة للأحزاب وفق الطلب، وآخرين صاروا مادة تنكيت وتنمّر من قبل فيسبوكيين بسبب أسمائهم الغريبة المحيلة على إيحاءات جنسية... وهناك فئةٌ أخرى وظفت لغةً خطابية شعبية وسطحية مثيرةً لضحك المتابعين. وازدادت الغرابة عندما لجأ بعض المرشحين المتدينين والمتشددين دينياً إلى توظيف خطاب ديني شعبوي في قوائم أحزاب تصنف نفسها بأنها "يساريةٌ تقدمية"، و الشاهد على ذلك، ما قام به مرشح لحزب يساري عريق، إذ وضع صورة ملصقه الانتخابي على صفحته الفيسبوكية، معّلقاً فوقها بجملة: "اشتراكية الثروات، إعادة توزيع الممتلكات، وجهاد الكفار ماضٍ إلى يوم القيامة".

ألزمت وزارة الداخلية الأحزاب المشاركة بالتقيد بالإجراءات الاحترازية في الفضاءات العمومية، والمتمثلة في حصر التجمعات المخصصة لحملات الأحزاب في 25 شخصاً، وعدم تجاوز 10 أشخاص في الجولات الميدانية، و5 سيارات بالنسبة إلى القوافل، ومنع نصب الخيام في الفضاءات العمومية وتنظيم الولائم، مع إلزامية إخبار السلطات المحلية بتوقيت هذه الأنشطة...

لا تنتهي حملات الأحزاب في الفضاء الرقمي، إذ ما زالت حاضرة في العالم الواقعي الميداني. ويُفضّل بعض المرشحين الباحثين عن فوز مضمون وجاهز الانضمامَ إلى قوائم "الأحزاب الإدارية" (المؤسسة من قبل الأعيان ورجال السلطة)، وترشيح أنفسهم في القرى. وترتكز استراتيجيتهم على الحضور الميداني أثناء الحملة الدعائية في هذه المناطق المنسية، بتوظيف واستغلال عناصر العصبية القبلية والقرابة الدموية، مع الكثير من الولائم وتوزيع الأوراق النقدية الزرقاء.

ماذا عن النساء؟

ثمة غرابة اضافية تمارسها بعض الأحزاب لجذب الناخبين من خلال استحضار شابات "مودرن"، على لوائحهم، يمتزن بأناقتهن وبحسن مظهرهن. وهو يبدو هنا استحضار موظف ل"تجميل" صورة هذه الكيانات السياسية المتهالكة،الباهتة والفاقدة لبريقها. بعض المتابعين على السوشال ميديا اختزلوا أولئك المرشحات بوصفهن بال"حسناوات" عوضاً عن تفحص برامجهن السياسية. وهذا الانحراف البغيض لا يلغي الحاجة لرؤية فعالية هذه البرامج ومدى قدرتها على التحقق في حال توليهن المسؤوليات المحلية والبرلمانية.

بالمقابل، فإن بعض المرشحات لجأن إلى إخفاء وجهوهنَّ في هذه المناشير.هذه الخطوة غير المسبوقة أثارت جدلاً واستغراباً، خاصةً وأن بعضهنَّ ترشحن في أحزاب تقدّم نفسها على أنها "يسارية" و"تقدمية" .

ازدادت الغرابة عندما لجأ بعض المرشحين المتدينين والمتشددين دينياً إلى توظيف خطاب ديني شعبوي بينما هم مترشحون في قوائم أحزاب تصنّف نفسها بأنها "يساريةٌ تقدمية". ولجأت بعض المرشحات إلى إخفاء وجهوهنَّ في الملصقات، ما أثار جدلاً واستغراباً، خاصةً وأن بعضهنَّ ترشحن في أحزاب تقدّم نفسها على أنها "يسارية" و"تقدمية".

تظل مسوغات هذه الظاهرة متعددةً، إذ بررت بعض المرشحات هذا الأمر كـ"اختيار شخصي"، وأخريات تحت ضغط مجتمعهنَّ المصغر الرافض لظهورهنَّ بسبب ما يترتب عن ذلك من مشاكل مرتبطة بالأعراف والحفاظ على "سمعة العائلة". لكن هذه المبررات "غير مقبولة وتقلل من قيمة النساء" وفقاً لآراء الفعاليات النسوية، التي ترى بأن المرأة المرشحة يفترض أن تكون جريئةً، وتقدم وجهها للناخبين إسوةً بالرجال.

يتسم إذاً حضور النساء في الملصقات الانتخابية بالازدواجية. فمن جهة، يتم عرضهنَّ كعنصر جاذب. ومن جهة أخرى، يوضعن بشكل مهمش وبدون صورة تحت مسوغات غير مفهومة.

تعددت البرامج و... البرنامج واحد؟!

ركزت معظم الأحزاب المغربية (31 حزباً مشاركاً) في برامجها الانتخابية على معالجة تداعيات جائحة كورونا، وما يترتب على ذلك من الحاجة لإنعاش الاقتصاد والضمان الصحي وتعزيز الخدمات الاجتماعية. وفي الوقت الذي تتبارى فيه الأحزاب لنيل أصوات ما يقارب 18 مليون مغربي مسجل في اللوائح الانتخابية، فإن الاستطلاعات تؤكد أن قطاعاً مهماً من المغاربة لا ينوي التصويت.

ما زالت حملات المرشحين حاضرة في العالم الواقعي الميداني. ويُفضّل بعضهم الباحثين عن فوز مضمون وجاهز الانضمامَ إلى قوائم "الأحزاب الإدارية" (المؤسسة من قبل الأعيان ورجال السلطة)، وترشيح أنفسهم في القرى. وترتكز استراتيجيتهم على الحضور الميداني أثناء الحملة الدعائية في هذه المناطق المنسية، بتوظيف واستغلال عناصر العصبية القبلية والقرابة الدموية، مع الكثير من الولائم وتوزيع الأوراق النقدية الزرقاء.

ينشد حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، والمترأس للحكومة الحالية في برنامجه ما يسميه بـ"إحداث جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعية"، و"تعزيز الموقع السياسي والاستراتيجي والإشعاعي للمغرب في محيطه الإقليمي والجهوي والدولي"، علاوةً على "تحسين المناخ الديمقراطي والسياسي والحقوقي، وتعزيز كرامة المواطن".

أما "التجمع الوطني للأحرار" المعروف بالحزب الإداري المقرب من السلطة السياسية الحاكمة، والمنافس الشرس لحزب الإسلاميين، فيتطلع منذ سنوات عبر حملاته الدعائية المكثفة (صرف في الحملة الرقمية حوالي 97 ألف دولار حتى 8 آب/ أغسطس الفائت)، إلى استمالة فئات معينة كالمدرسين والمتقاعدين من خلال تحسين أجورهم وظروفهم الاجتماعية، كما ركز على وعود مرتبطة بتحسين جودة التعليم والصحة والخدمات. ولم يختلف كثيراً برنامج حزب "الأصالة والمعاصرة" عن نظيره حزب"الأحرار"، إذ ركز في برنامجه الانتخابي على 9 أولويات للعمل خلال السنة الأولى للحكومة المقبلة، وتدور في فلك تحسين التعليم وتعميمه وضمان الرعاية الصحية والسكن لمحدودي الدخل. بالمقابل، أعطى برنامج "الاتحاد الاشتراكي" (الوريث التاريخي لليسار المغربي) أولويةً لـ"توسيع الطبقة الوسطى، واعتماد نظام ضريبي عادل، وتطوير الاستثمار الوطني بما يمكّن من رفع نسبة النمو، ويزيد فرص التشغيل، وضمان الحق في خدمة صحية عمومية ذات جودة عالية، وفي سكن مناسب، وتعزيز تكافؤ الفرص".

لكن برنامج "تحالف فيدرالية اليسار" (توجه يساري إصلاحي) اختلف نوعياً عن بقية الأحزاب، إذ اهتم بالجوانب المرتبطة بمحاربة السياسات النيوليبرالية التي اعتمدتها الحكومات السابقة أو التخفيف منها، عبر تعزيز أدوار الاقتصاد الاجتماعي والمقاولات الصغرى والنهوض بقطاعي التعليم والصحة العموميين وتوفيرهما بشكل واسع، ومحاربة الريع والفساد السياسي والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

يُلاحظ في برامج الأحزاب المغربية (باستثناء "تحالف فيدرالية اليسار") غياب المسحة السياسية والأيديولوجية وأدبياتها، إذ ترقص على نغمة واحدة على الرغم من اختلاف الصياغات الإنشائية والاصطلاحية لفحوى البرامج، وتصب كلها في خطة الدولة، والمتمثلة في تقرير "لجنة النموذج التنموي". فالأحزاب تُفَصِّلُ برامجها بناءً على هذا التقرير وليس وفقا لرؤيتها الحزبية والسياسية، وتتنافس فيما بينها لترضي صوت الدولة ليس إلا. وهي لا تقول أصلاً كيف سيمكن تطبيق مقترحاتها، التي تبقى والحال هذه أفكاراً عامة ووعوداً.

و كالعادة...

تبقى الحالة الحزبية والانتخابية في المغرب موسومةً بالتدجين والولاء لسلطة فعلية أعلى، إذ ما زالت صلاحيات المنتخبين أقل من صلاحيات جهاز الدولة المركزي (أو ما يعرف محلياً بـ"المخزن"). وسواء فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي، أو منافسه الشرس حزب التجمع الوطني للأحرار ، فلا شيء سيتغير بشكل جذري إلا وفق ما تمليه إرادة السلطة المركزية ومعها ما يمكن أن تكون عليه توازنات القوى المجتمعية والسياسية الفاعلة بشكل حقيقي.

يُلاحظ في برامج الأحزاب المغربية (باستثناء "تحالف فيدرالية اليسار") غياب المسحة السياسية والأيديولوجية وأدبياتها، إذ ترقص على نغمة واحدة على الرغم من اختلاف الصياغات الإنشائية والاصطلاحية لفحوى البرامج، وتصب كلها في خطة الدولة، والمتمثلة في تقرير "لجنة النموذج التنموي". 

صحيح أن دستور 2011 منح صلاحيات واسعة لتدبير الشأن المحلي والحكومي، بشكل أفضل من العقود السابقة، لكنها غير مضمونة لجعلها تكرس مبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة بصفة فعلية، ومرتبطة باشتراطات تنفيذ مبادئ فصل السلطات وتعزيز الحريات العامة، وغيرها الكثير من أبجديات الديمقراطية الفعلية، وليس الاكتفاء فقط بديمقراطية الصناديق بشكل استعراضي يعيد إنتاج الفساد ولا يحاسبه. 

______________

[1] ارتفع تمثيل النساء في المجالس المحلية (من 12 في المئة إلى 27 في المئة) ومجلس النواب (34.17 في المئة)
[2] بينت دراسة أعدها المعهد المغربي لتحليل السياسات خلال شباط/ فبراير2021 أن 64 في المئة من المغاربة لا ينوون المشاركة في هذه الانتخابات
[3] تتفق تقديرات وتوقعات المراقبين السياسيين على تربع "حزب التجمع الوطني للأحرار" على نتائج انتخابات 2021 

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه