اعتاد المصريون الصحو على أنباء تفجيرات إرهابية، لكن في صبيحة يوم الأحد 6 تموز/يوليو استيقظوا على انفجار من نوع آخر: قرار برفع الدعم عن أسعار الوقود بنسب مختلفة، وذلك كخطوة أولى لسلسلة من الإجراءات التقشفية التي تعتزم الحكومة المصرية اتّخاذها لتخفيض العجز في الموازنة. أثار القرار ردود فعل غاضبة لا سيّما لدى البسطاء من المصريين الذين اعتبروه يحابي الأغنياء. فمثلاً زيادة سعر البنزين من عيار ثمانين وهو الادنى مرتبة والاوفر سعراً جاء بنسبة أعلى من زيادة سعر البنزين الفخم من عيار 92 و95.
تداعيات سلبية وتخبّط حكومي
زيادة أسعار البنزين والسولار (خلطة الديزل) سترفع أسعار جميع السلع التي يعتمد عليها الناس في حياتهم اليومية. ارتفعت أسعار الأسماك والخضروات والفواكه، ناهيك عن الزيادة المباشرة في تعرفة المواصلات. تصريحات الحكومة بدت متخبطة وغير مُدركة لحقيقة ما يجري. فقد علّق المتحدث باسم مجلس الوزراء السفير حسام قاويش بأنّ "الفقراء في مصر لا يملكون سيارات لذلك لن يتأثروا بزيادة أسعار البنزين والسولار" (!).
وعلى الموجة نفسها جاءت تصريحات رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب، بل أكثر لفتًا للنظر وإثارةً لعلامات الاستفهام حول مدى تمكن الدولة من مراقبة الأسواق وضبطها. فهو أشار في مؤتمر صحافي عقده لتوضيح ملابسات القرار إلى أنّ "من خزّن سولار في آخر يومين معروف وربّنا مش هيباركله"، واستدرك قائلا: "أنا أثق في هذا الشعب وبالضمير الوطني، ومن سيحيد عن الخطّ، الحكومة قادرة على إرجاعه مرة أخرى إليه".
وتثور العديد من الأسئلة، من قبيل لماذا لم يتمّ فرض التسعيرة الجبرية على التجار حتى الآن؟ ماذا ستفعل الحكومة تحديدا مع مَن "خزَّن سولارا"، طالما هم معروفون ولماذا لم تتم معاقبتهم؟
الحكومة منفِّذ مهام لا أكثر
يسعى كثيرون لتحميل الحكومة المسؤولية الكبرى لهذا القرار، متناسين كليّاً انها جزء من سياسة عامة سبق وتحدّث عنها صراحةً الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ أكّد عندما كان مرشحّاً رئاسيّاً، أنه لا بدّ من اتّخاذ إجراءات تقشفية من أجل تخفيض عجز الموازنة الكبير والنهوض بالاقتصاد المصري من كبوته. لكنّه في الوقت نفسه أكّد، في حواره الشهير مع الإعلامييَن إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، أنّه "لا يمكن رفع الدعم إلاّ بعد زيادة الأجور والمرتبات بنسبة 50 في المئة أو 100 في المئة ابتداءً". وعلى الرغم من أن هذه الخطوات كانت واقعة عاجلاً أو آجلاً، إلاّ أن الارتفاع جاء حادّاً، وهذا ما يرجّح وقوف المتضررين من المواطنين أو بالأحرى "الجياع" في وجهها خصوصاً في ظلّ الشعور العام بأن الحاكم يختار البديل الأيسر وهو "التحميل على الفقراء"، من دون التفكير في حلولٍ تخدمهم من دون إثقال كاهلهم، كأن تقوم الحكومة بزيادة الأسعار على الشركات الخاصة التي تعدّ المستفيد الأكبر من دعم الوقود وتستهلكه بشكل كبير في مصانعها، أو رفع أسعار البنزين "الفخم"، وكذلك إعادة النظر في موازنات جميع قطاعات الدولة بما فيها الجيش والشرطة والقضاء، أو أن تقيل كل المستشارين الذين تمتلئ بهم المؤسسات الحكومية ويستنزفون موارد الدولة دون تقديم إضافة ذات معنى.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، على الرغم من تمتّعه بشعبية عريضة ورصيد كبير في قلوب المصريين، إلا أن هذا هشٌ مع استمرار تراجع أحوال الفقراء. ولا تكفي دواعي محاربة "الإرهاب" و"حالة الحرب التي تعيشها مصر" والتي أكّد عليها مراراً في خطابه الأخير، أن تعوض المواطنين عن كسب أي تحسُّن في أوضاعهم. هذه دواع قد تؤخر تحركهم، لكنها لن تتمكّن من منعه.