أكدت المواجهات التي وقعت مع بداية العام الدراسي الجديد في العديد من الجامعات المصرية بين الطلاب وبين عناصر شركة الأمن الخاصة المكلفة بمهمة "تأمين الجامعات" استمرار تأزُم وتعقُّد العلاقة بين الطلاب والنظام السياسي، التي إن لم يستطع النظام احتواءها بغير المنظور الأمني، فقد تكون شرارة تتناثر شظاياها على مستوى الشارع المصري.
تراكم قرارات عشوائية
هجوم الطلاب على عناصر شركة "فالكون" التي تعاقدت معها السلطات المصرية مقابل 4 ملايين جنيه في الشهر لم يكن وليد لحظته بل هو نِتاج تراكمات وسياسات وقرارات غلب عليها الطابع الأمني الإقصائي على حساب السياسي الاحتوائي، بما ساهم بشكل مباشر في تأجيج الوضع ووصوله إلى مرحلة التصادم. فبعدما أُثيرت التكهنات بأنه سيتم تأجيل بدء العام الدراسي، بدأت القرارات تتوالى تِباعا، فصدر قرار بإلغاء انتخاب القيادات الجامعية كالمديرين والعمداء ورؤساء الأقسام، ثم بعدها تم تعديل قانون تنظيم الجامعات، بحيث أعطى لرئيس الجامعة سلطة فصل أي أستاذ دون عرض الأمر على مجلس تأديبي، بما يخالف الدستور والقانون. وهو القرار الذي، برغم المعارضة الكبيرة التي واجهته، تم إقراره من جانب مجلس الوزراء مطلع الشهر الفائت. وقد دفع هذا القرار الأخير إلى زيادة حدة الغضب بين الأساتذة والطلبة على حدٍ سواء، بالتزامن مع قرار إلغاء "الأسر الطلابية" (نوع من النوادي بحسب الاهتمامات) بدعوى اشتغالها بالسياسة، بل ومنع أعداد منها من الالتحاق بالمدن الجامعية، ناهيك عن التضييق المستمر على تلك الأخيرة من قبل أن يبدأ العام الدراسي، ومطالبة بعض الأصوات بضرورة غلقها لأنها تمثل "منبعا للشغب"، وأن الطلاب (وخصوصا التابعين لجماعة الإخوان المسلمين) يستغلونها لتأجيج الصدام بين الطلبة وبين النظام السياسي.
واستمراراً للنهج ذاته، تم الإعلان عن تجنيد العديد من الشباب "الوطنيين" للإبلاغ عن زملائهم "المشاغبين" لاتخاذ الإجراءات اللازمة تجاههم (في واقعة تعيد إلى الأذهان أساليب القمع التي جسَّدها نجيب محفوظ في روايته "الكرنك") الأمر الذي يؤكد أن العقلية السائدة في اروقة السلطة لم تدرك طبيعة ونوعية التغير الذي حدث بعد ثورة 25 يناير.
وقد سبق كل هذه القرارات وتداخل معها، بل ولحق بها أيضا اعتقال مئات من الطلاب سواء في المظاهرات أو من البيوت، والذين بلغ عددهم حوالي 2525 طالبا وطالبة طبقاً لبيانات مرصد "طلاب حرية"، بجانب المئات من الطلاب المفصولين، هذا عدا هؤلاء الذين قتلوا أثناء التظاهرات. ومع الأخذ تلك الخلفية في العلاقة بين السلطة والطلاب بالاعتبار، كان من المتوقع أن تشتعل الأوضاع بسهولة، خصوصا حينما يتجه الطلاب إلى جامعاتهم صباحا فيضطرون للوقوف، في مشهد مُهين، في طابور طويل للتفتيش وصلت مدته إلى 3 ساعات في بعض الأحيان، بما ينذر بأن قيام طالب واحد بالاعتراض والتعبير عن الغضب سيدفع بالضرورة إلى انفجار الموقف، وهو ما انتهى إلى تدمير أجهزة شركة الأن تلك وضرب أفرادها بعنف.
ماذا بعد؟
لم يعد يُجدي استمرار التعامل الإعلامي مع الأزمة باعتبارها من صنيعة الإخوان المسلمين وطلابها، لأن الأمر يتجاوز الجماعة هذه المرة، والمحاولات المستمرة لتسويق فكرة أنها مواجهة بين النظام السياسي وبين طلاب الإخوان سيدفع إلى تزايد حدة الصدام وتشعبه.
تتعامل السلطة الحالية وفق تصور يرى بأن مصدر تهديد بقائها يكمن في الجامعات وطلابها، لأن الحراك الثوري ينطلق منها، وذلك على الرغم من وجود خطر حقيقي يتهدد المجتمع ويتمثل بانتشار الأعمال الإرهابية. لكن هذا الإرهاب، من وجهة نظر السلطة، يصلح كمبرر قوي لأي فشل في إدارة ملفات الدولة. ويفترض أن تعي السلطة أن تحويل الجامعة لثكنة عسكرية من شأنه أن يحوِّل المكان إلى ساحة حرب، وهذا فيه خراب كبير، ولاسيما انه لن يتوقف عند النطاق المكاني للجامعة فقط، بل سيمتد ليشمل بقية البقاع المتوترة.