في منتصف شهر أيار/مايو الفائت، وافقت الدولة على إدراج الأساتذة ممن يفوق سنهم الخمسین عاماً، أو ممن يعانون أمراضاً مزمنة، ضمن الفئات ذات الأولوية في عملية التلقيح ضد فيروس كورونا، وتقرر تخصيص مراكز تلقيح خاصة بهم في مقرات تتبع وزارة التربية. أثار القرار حفيظة الكثير من التونسيين، واعتبروه إخلالاً بمبدأ المساواة بين المواطنين. دخلت نقابات الصحة العمومية على الخط، ورفض بعضها تخصيص مراكز تلقيح خاصة بالأساتذة، وإن لم تعترض على مبدأ منحهم الأولوية في التلقيح.
بعدها بأيام، قررت السلطات الشروع في تلقيح العاملين في قطاع السياحة دون شروط تتعلق بالسن أو الحالة الصحية، وأن تتم العملية في مؤسسات سياحية. تنقّلَ الأطباء والممرضون لتأمين العملية، ولم تصدر بيانات، ولم يغضب الرأي العام، ولم يركز الإعلام على المسألة. لِمَ هذا التباين في ردود الفعل؟ ببساطة لأن الأمر يتعلق بالأساتذة الذين أصبحوا في السنوات الأخيرة أكثر موظفي القطاع العام عرضةً للانتقادات، وحتى للاعتداءات الجسدية واللفظية.
تعكر العلاقات بين الأساتذة، وجزء كبير من الأسر التونسية في السنوات الأخيرة، ليس إلا أحد أوجه أزمة التعليم في تونس، الثانوي بالأخص، والتي هي في حقيقة الأمر مرآة لأزمات أخرى.
بعض أوجه أزمة التعليم الثانوي
مع بداية الألفية الثالثة، تمّ إلغاء إجبارية الامتحانات الوطنية في السنة السادسة ابتدائي، والتاسعة أساسي، وأصبحت اختياريةً لمن يريد من التلاميذ المتفوقين الذهاب إلى "الإعداديات والمعاهد الثانوية النموذجية"، وفي الفترة نفسها، تبنت الوزارة سياسة تثبيت التلاميذ في المؤسسات التربوية بكل الوسائل: التمديد في السن الإجباري للتعلم حتى سن 16، والتساهل في انتقال التلاميذ من مستوى إلى آخر، واعتماد معايير نجاح فضفاضة. يعني أصبح التلميذ يدرس 12 سنةً متتالية دون إجراء امتحان وطني شامل يسمح بتقييم فعلي لمستواه. ومع ضغط الوزارة على المؤسسات التربوية لترفيع نسب النجاح بأي شكل، كان من العادي أن يصل إلى المرحلة الثانوية مئات آلاف التلاميذ من ذوي المستويات المتدنية.
أدت أزمة بطالة حاملي الشهادات الجامعية، التي بدأت في أواخر القرن الفائت، وتفاقمت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، إلى تنافس شديد على بعض الشِعب، ونفور أشد من شِعب أخرى. فخريجو الشعب الأدبية والاجتماعية والإنسانيات، وحتى الاقتصادية، يعانون بصفة عامة أكثر بكثير من خريجي الشعب العلمية والتقنية، عند السعي إلى ولوج سوق العمل.
المرحلة الثانوية من التعليم مهمة جداً إذ يختار خلالها التلميذ الشعبة (المسلك) التي سيدرسها لمدة ثلاث سنوات قبل امتحان البكالوريا. يجب على التلميذ الاختيار بين ست شعب أساسية: رياضيات، علوم تجريبية، علوم التقنية، الإعلامية (المعلوماتية)، اقتصاد وتصرف، الآداب. هذا الاختيار - الذي سيكون حاسماً في الاتجاه الى شعبة جامعية فيما بعد، وحتى في تحديد المستقبل المهني للتلميذ - ليس حراً، فهو من جهة يخضع لمعايير وضوابط تتعلق بمستوى كل تلميذ ودرجاته في المواد الأساسية لكل شعبة، ومن جهة أخرى يتأثر بشكل كبير جداً بضغط الأسر و.. بالسوق. فلقد أدت أزمة بطالة حاملي الشهادات الجامعية، التي بدأت في أواخر القرن الفائت، وتفاقمت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، إلى تنافس شديد على بعض الشعب، ونفور أشد من شعب أخرى. فخريجو الشعب الأدبية والاجتماعية والإنسانيات وحتى الاقتصادية، يعانون بصفة عامة أكثر بكثير من خريجي الشعب العلمية والتقنية، عند السعي إلى ولوج سوق العمل. وطبعاً يرزح التلاميذ تحت ضغوط العائلة وأصداء سوق الشغل المخيفة، وأحياناً يضحون، طوعاً أو جبراً، بأحلامهم ويخالفون ميولهم ليتجهوا نحو شعبة لا يحبونها.
الدروس الخصوصية: سوق صغير فرضه السوق الكبير
الدروس الخصوصية واحدة من أهم أسباب تعكر، وحتى تسمم العلاقة بين أولياء أمور التلاميذ والأساتذة، وواحدة من نقاط الضعف التي تستغلها الوزارة في خطابها الإعلامي لتأليب الرأي العام على الأساتذة والمعلمين كلما تحركوا مطالبين بتحسين أوضاعهم المادية وظروف العمل عموماً.
وظاهرة الدروس الخصوصية تمس مختلف المستويات، بدءاً من السنة الأولى ابتدائي، لكن حضورها وتكلفتها خلال المرحلة الثانوية، بالأخص السنتين الثالثة والرابعة، أقوى بكثير.
التعليم الخاص يتغوّل في تونس
23-12-2016
يقول قسم من الأولياء إنهم ينفقون على الدروس الخصوصية حتى يحسّنوا فرص أبنائهم وسط المنافسة الشديدة على الشِعب "المحظوظة" في المرحلة الثانوية وفي الجامعة فيما بعد. وبعضهم يقول إنهم يضطرون لها اضطراراً ل"اتقاء شر" بعض الأساتذة الذين يبتزون التلاميذ. ومهما كانت دوافع الأولياء، فإن أغلبهم يشتكي من تكلفة الدروس الخصوصية، وجشع بعض الأساتذة الذين تحولوا إلى "تجار".
الدروس الخصوصية واحدة من أهم أسباب تعكر، وحتى تسمم، العلاقة بين أولياء أمور التلاميذ والأساتذة، وواحدة من نقاط الضعف التي تستغلها الوزارة في خطابها الإعلامي لتأليب الرأي العام على الأساتذة والمعلمين كلما تحركوا مطالبين بتحسين أوضاعهم المادية وظروف العمل عموماً.
طبعاً، لا يعطي كل الأساتذة دروساً خصوصية. نحن نتحدث عن قطاع يعمل به قرابة الثمانین ألف شخص، وهناك عشرات الآلاف يقدمون على ذلك، كما هناك عشرات الألوف غيرهم لا يفعلون، إما تعففاً، أو لأن المواد التي يدرّسونها "ثانوية" جداً ونسبة علاماتها منخفضة، أو لا يتم اجتيازها في البكالوريا.
بترصد الفترة التي شهدت تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية، نجد أنها تطابق تقريباً تلك التي "ازدهر" فيها الفساد في تونس، وتعاظمت ظواهر التهريب والاقتصاد الموازي ولجوء بعض من أبناء الطبقة الوسطى إلى اقتطاع أجزاء من بيوتهم لتأجيرها وضمان دخل إضافي. فترة أواخر التسعينیات الفائتة التي ظهرت فيها نتائج السياسات النيوليبرالية التي انخرطت فيها تونس منذ ثمانينیات القرن الفائت.
أساتذة ساخطون
عندما تتحدث مع الأساتذة عن دوافع خوضهم احتجاجات متكررة منذ 2015، فإن أغلب الإجابات تتعلق بجوانب ثلاثة: المادي والنفسي والاجتماعي. ويقصد هنا بالجانب المادي ليس فقط الأجور والمنح، بل كذلك ظروف العمل من حيث حالة مباني المؤسسات التعليمية المتردية، والنقص الفادح في الأدوات والمعدات الضروریين للتدريس، واكتظاظ الأقسام. أما الجانب النفسي فيتعلق من جهة بعلاقتهم بالوزارة التي يعتبرون أنها صارت تعاديهم وتُٶلب عليهم الرأي العام، وكذلك الصعوبة المتزايدة في تدريس مراهقين يصعب التواصل والتعامل معهم، فضلاً عن التراجع الكبير في المستوى المعرفي. وبالنسبة للجانب الاجتماعي فيحس الأساتذة أنهم أصبحوا في السنوات الأخيرة "العدو" الأول للتونسيين، وأن الإعلام يتقصد "شيطنتهم"، ويشتكون من تكرر الاعتداء عليهم.
لا يعطي كل الأساتذة دروساً خصوصية. نحن نتحدث عن قطاع يعمل به قرابة الثمانین ألف شخص. وهناك عشرات الآلاف يقْدمون على ذلك، كما هناك عشرات الألوف غيرهم لا يفعلون، إما تعففاً، أو لأن المواد التي يدرّسونها "ثانوية" جداً ونسبة علاماتها منخفضة، أو لا يتم اجتيازها في البكالوريا.
حقق الأساتذة بعض المكاسب إثر التحركات الطويلة والمتنوعة التي امتدت على ما يقرب من خمس سنوات (2015-2019)، لعل اهمها الحصول على ترقيتين استثنائيتين معاً، بعدما كانت الترقية الواحدة تتطلب سنوات طويلة من العمل، ومنحةً خصوصية مع مضاعفة قيمة منحة "العودة المدرسية" (وهي منحة تصرف للأساتذة مع بداية السنة الدراسية الجديدة ليتجهزوا للعودة، فيشترون أدوات مدرسية/مكتبية أو يستغلونها لتحسين هندامهم) مرتين تقريباً. ما المشكلة إذاً؟ أغلب الاتفاقات مع الوزارة تتطلب ماراثون تحركات لتوقيعها، وماراثوناً آخر لتفعيلها وتطبيقها فعلاً. فضلاً عن كونها غير كافية كما يرى أغلب مهنيي القطاع.
شكوى الأساتذة لا تلقى آذاناً صاغية لدى وزارة التربية ولا تعاطفاً شعبياً، بل إن جزءاً كبيراً من الرأي العام يعتبر أن الأساتذة لديهم امتيازات أكثر من اللازم. فهل هذا صحيح؟
● الأجور والمنح
يتراوح أجر الأستاذ في التعليم الرسمي ما بين 1100 دينار، و1800 دينار (350 - 550 يورو) حسب الرتبة وسنوات العمل وطبيعة الشهادة التي نالها. وبعد أن كانت أجور الأساتذة إلى حدود التسعينیات من القرن الفائت من أرفع الأجور في القطاع العام، أصبحت بعد الثورة في 2011 من أضعفها.
منحة الإنتاج التي تبلغ آلاف الدينارات سنوياً في بعض القطاعات لا تتجاوز في التعليم الإعدادي والثانوي 40 ديناراً، أي ما يعادل 12 يورو كل ثلاثة أشهر، هذا إن لم يخصم منها بسبب المرض أو العطل، يعني الدولة تريد أن تحفز الأساتذة بمنحة مقدارها الشهري بالكاد يكفي لشراء ساندويتش وعلبة سجائر.
المنحة الوحيدة الاستثنائية التي يختص بها القطاع هي منحة "العودة المدرسية"، وكانت حتى 2019 في حدود 350 ديناراً (110 يورو)، وبعد إضراب طويل تمت مضاعفتها لتبلغ قرابة ألف دينار (300 يورو) توزع على كامل السنة.
● حجم ساعات العمل
ينتهي عمل الأستاذ في بداية شهر تموز/ يوليو ويستأنف منتصف أيلول/ سبتمبر، أي 10 أسابيع راحة في الصيف، تضاف إليها خمسة أسابيع ما بين عطلة الخريف (أسبوع) وعطلتي الربيع والشتاء (أسبوعين لكل واحدة) مما يعني أن الأستاذ ينال 15 أسبوعاً من الراحة مقابل أربعة أسابيع لقطاعات الوظيفة العمومية الأخرى. يعني هناك أكثر من شهرين راحة مقارنةً بقطاعات أخرى. لكن هنا لا يجب أن ننسى ان العطلة لا تمنح فقط للأستاذ، بل هي أساساً موجهة للتلميذ الذي لا يستطيع أن يدرس 11 شهراً في السنة.
لا يدرِّس الأستاذ إلا 18 ساعةً أسبوعياً، في حين ان بقية قطاعات الوظيفة العمومية تعمل حوالي 40 ساعةً أسبوعياً. هذا، وإن كان للوهلة الأولى يبدو فيه اختلال، فإن المقارنة لا تستقيم. فالأستاذ، فضلاً عن ساعات العمل في القسم، لديه ساعات عمل طويلة خارجه: تحضير الدروس وإعداد الامتحانات وتصحیحها وحضور الاجتماعات الإدارية والتكوين التربوي، مما يجعل الحجم الزمني لعمل الأستاذ قريباً من بقية القطاعات. وهناك أيضاً تصنيف عالمي لمهنة التعليم على اعتبارها من المهن الشاقة (وهذه معركة أخرى يخوضها الأساتذة في تونس منذ سنوات، لأن الدولة ترفض إدراج التعليم كمهنة شاقة حتى لا يتمتع الأساتذة والمعلمون بحق التقاعد في سن مبكرة).
أولياء غاضبون
تتزايد شكاوى العائلات التونسية من تدني جودة التعليم، ومن تحول "مجانية التعليم" إلى مجرد شعار فارغ تكذبه النفقات المتنامية التي تتكبدها تلك العائلات كل سنة. تتعلق الشكاوى بكل مراحل التعليم، لكنها تصبح سخطاً وغضباً فيما يتعلق بالتعليم ما بعد الابتدائي أي الإعدادي وخاصة الثانوي. يشتكي أولياء الأمور من ضعف مستوى بعض الأساتذة وكثرة غياباتهم وإضراباتهم التي تحرم أبناءهم من عدة أيام تعلّم كل سنة، وهم يعتبرون ان عدداً كبيراً من الأساتذة لا يقومون بالجهد اللازم في رعاية الناشئة أخلاقياً ودعمهم نفسياً، بل يكتفون بالحد الأدنى، أي تدريس مواد البرنامج بفتور ودون شغف، ودون مراعاة لفوارق المستويات بين التلاميذ.
وزارة التربية، وإن بدت من بعيد كوزارة "تقنية" هادئة، فإنها في الواقع من أصعب الوزارات، إذ يرتبط بها مستقبل البلد، وتشرف على أكثر من مليوني تلميذ وقرابة مائتي ألف موظف من مختلف الأسلاك، وهي التي تحظى بأكبر نسبة من ميزانية الدولة (12 بالمئة من ميزانية 2021).
تدهور علاقة الأولياء بالأساتذة تشبه كرة ثلج لا تتوقف عن التدحرج والتضخم. بدأت مع بداية الألفية الثالثة، وتطورت بشكل كبير مع تواتر التحركات الاحتجاجية الأستاذية بدايةً بإضراب 2015 الذي امتد بشكل متقطع وبأشكال مختلفة طوال الفصل الدراسي الأول، مروراً بتحركات 2017 المطالبة بإقالة وزير التربية آنذاك، ووصولاً إلى إضراب 2019 وهو الأطول في تاريخ التعليم التونسي. دام هذا الإضراب عدة أشهر بشكل متقطع، وتحول إلى صراع مفتوح ليس فقط مع الوزارة، بل وأيضاً مع الأولياء الذين اعتبروا أن الأساتذة يأخذون التلاميذ "رهائن" في صراعهم مع السلطة. وتنامت في السنوات الأخيرة حالات العنف المادي والاعتداءات من قبل تلاميذ وأولياء على الأساتذة، أما العنف المعنوي واللفظي فهو يفيض في مواقع التواصل الاجتماعي.
تلاميذ محبطون
"التلميذ محور العملية التربوية"، هذا ما ينص عليه الفصل الثاني من "القانون التوجيهي للتربية والتعليم" (عدد 80 لسنة 2002). لكن للواقع كلام آخر. التلاميذ هم الحلقة الأضعف في "السلسلة" التربوية، مفعول بهم لا قيمة لآرائهم وميولهم وأحلامهم، والكل تقريباً يلومهم على شيء ما: أجيال كسولة و"متوحدة"، ملتصقة بالهواتف الذكية، لا يطالعون وثقافتهم ضحلة، خارجون عن السيطرة والطوع، نفسيتهم هشة وغير قادرين على مواجهة العالم، الخ. لا يتوقف الكبار عن مقارنتهم ب"الأجيال الذهبية"، مستغربين كيف آلت الأمور إلى هذا الحال، وكأن تلاميذ اليوم مريخيون سقطوا فجأة على الأرض، وليسوا نتاجاً لثقافة ولسياق تاريخي بعينه. تلاميذ يتأفف منهم الأساتذة، ويرزحون تحت ضغط "حب" أولياء أمورهم الذين يريدونهم أن يكونوا أطباء أو مهندسين بأي ثمن كان، ويدفعونهم دفعاً لساعات طويلة من الدراسة في المؤسسات التربوية، وحصص الدروس الخصوصية، ومراكز تعليم اللغات الأجنبية.
يلاحظ تلاميذ اليوم كيف يعاني الذين أكملوا دراستهم الجامعية من البطالة، فيفتر حماسهم، ويرون بأعينهم أن أصحاب الحظوة والثروة في البلاد هم السياسيون الفاسدون والمهربون والمجرمون والإعلاميون المهرجون والمؤثرون التافهون في منصات التواصل الاجتماعي، الخ.. فكيف يمكن تحفيزهم على التعلم وبذل الجهد فيه؟
ولدت الدفعات الحالية من تلاميذ التعليم الثانوي في بداية الألفية الثالثة بالتزامن مع تغييرات ديموغرافية وثقافية وتكنولوجية عاشتها تونس كما العالم. وهم قد نشأوا في زمن سقطت فيه الديكتاتورية وتحررت فيه الألسن وتنوعت أشكال التعبير ومنصاته. لا يمكن بأي شكل التعامل معهم بالطرق والمناهج القديمة نفسها التي كانت تفرض على تلاميذ "العالم القديم".
مسؤولون عاجزون (؟)
عشرة وزراء بالتمام والكمال تعاقبوا على وزارة التربية في أقل من عشر سنوات، بعضهم أمسك الوزارة لمدة أشهر وبعضهم لمدة أسابيع.
يجب الاعتراف بأن وزارة التربية، وإن بدت من بعيد كوزارة "تقنية" هادئة، فإنها في الواقع من أصعب الوزارات، إذ يرتبط بها مستقبل البلد، وتشرف على أكثر من مليوني تلميذ وقرابة مائتي ألف موظف من مختلف الأسلاك، وهي التي تحظى بأكبر نسبة من ميزانية الدولة (12 بالمئة من ميزانية 2021).
تونس: عندما تنهار مدرسة الجمهورية
18-02-2016
لماذا ينهار التعليم في تونس؟
03-08-2016
والمطالب المادية للعاملين في قطاع التعليم بمختلف أسلاكه أصبحت حججاً تستغلها الوزارة لتبرير تقصيرها في صيانة المؤسسات التربوية، وتوفير التجهيزات اللازمة، وتوظيف ما يكفي من الكوادر. كلما سُئِل وزير تربية عن أسباب تقصير وزارته، كانت الإجابة جاهزةً: كتلة الأجور تمتص 95 في المئة من الميزانية المخصصة للوزارة، ولا يتبقى إلا 5 في المئة لبقية النفقات، ماذا نستطيع أن نفعل؟ طبعاً لا يخطر بباله أن يطالب الدولة بإعادة النظر في أولوياتها وتعبئة الموارد اللازمة لزيادة ميزانية التربية والتعليم.
خلاصة
التعليم الثانوي في تونس مريض، وتزيد من أوجاعه الأمراض التي ورثها عن المراحل التعليمية السابقة عليه، وتنتقل عدواه إلى الجامعة وبعدها إلى سوق الشغل. إصلاح التعليم بمختلف مراحله وجوانبه أصبح ضرورةً وطنية مستعجلة لا يمكن أن تؤجّل أكثر، لأن كل تأخير يعقّد الحاضر أكثر ويزرع أشواكاً وألغاماً على طريق المستقبل.