خلقت مجموعة من النساء القادمات من السعودية في الساعات الأولى من يوم 11 ايلول/سبتمبر المنصرم بعض البلبلة والجدل، حين تحدثن بصوت مرتفع وغاضب وأسى عن قصص معاناتهن حيث كن:
سفرهن عبر مكاتب عمل موريتانية وقّعت معهن عقود كعاملات منازل في السعودية، لتتحول حياتهن لجحيم، لأنه تمّ التنكيل بهن جسديا ونفسيا وفرض عليهن العمل لثمانية عشر ساعة متواصلة في اليوم، دون فترات راحة، وتعرضت بعضهن للاعتداء عليهن جنسيا واغتصابهن، وتحدثن عن وجود مئات مثلهن لا تزلن تقاسين أبشع الظروف، وطالبن بوضع حد لظاهرة سفر الموريتانيات للعمل بالسعودية، ومعاقبة المكاتب التي اعتبرن أنها استدرجتهن لفخ عبودية الكفيل.
خلفية عن القضية
البلبلة في المطار لم تكن انطلاقة الحديث في قضية العاملات الموريتانيات بالسعودية، فقد سبق وأصدرت عدة منظمات حقوقية موريتانية بيانات تندد بواقعهن، وقد انتقدت "الكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا" قيام الحكومة بإرسال أكثر من ألف فتاة للعمل كخادمات باجور رخيصة، في إطار إتفاق بين موريتانيا والسعودية حسب الكونفدرالية، بينما كن وعدن بالحصول على عمل لائق وأجور جيدة، لكنه وبمجرد وصولهن للمطار تمت مصادرة هواتفهن ومنعهن من الخروج من المنازل التي يخدمن فيها. واعتبرت الكونفدرالية أن هذه الوضعية استعبادية بامتياز، والفاعلين يجدون التسهيلات اللازمة..
حراك مناهض
القضية جعلت بعض النشطاء من شريحة الحراطين (العبيد السابقين)، يطلقون "المبادرة الشعبية لمناهضة انتهاكات حقوق الحرطانيات العاملات بالسعودية"، وقد نظمت عدة أنشطة تطالب الحكومة بالتدخل، أدت لقمعهم من طرف السلطات، ويقول "أوبك المعلوم" الناشط في هذه المبادرة عن بدايات القضية: "بدأت تراجيديا العاملات الموريتانيات في السعودية منذ ستة أشهر، حيث استفادت موريتانيا من الحصول على فرصة تصدير العمالة نحو ذلك البلد ، بواسطة مكاتب العمل، وقد تم التغرير بمجموعة من "الحرطانيات" وانخرطن في هجرة منظمة إلى السعودية. وقد توصلنا لشاهدات من بعض الضحايا اللواتي رجعن مؤخرا من المملكة، وكذلك أخريات لا تزلن تعانين الأمرين على يد الأسر المشغلة لهن، تفيد بتعرضهن لصنوف مختلفة من التعذيب ومحاولة استغلالهن جنسيا". وأضاف:" ما يحدث عبودية واضحة، فالضحايا يتم تصديرهن بعقود تتنافى مع واقعهن، وتتم معاملتهن كعبيد، فقد ذهبن بعقود سليمة لكن تم استبدالها حين وصلن للسعودية بعقود منافية لأي مواثيق، مما يعكس أنها عبودية واستغلال فج، إذ تتم المتاجرة بهم مستغلين جهلن وأميتهن ، فهن محرومات من شتى الحقوق، سواء كان الاتصال الخارجي وغيره".
وتطالب " المبادرة الشعبية لمناهضة انتهاكات حقوق الحرطانيات العاملات بالسعودية" بمجموعة من المطالب، منها:
- اتخاذ إجراءات عاجلة ضد انتهاك أعراض العاملات المنزليات الموريتانيات في السعودية،
- وقف تراخيص مكاتب التشغيل في موريتانيا التي وجدت أن تجارة الأجساد رابحة لها ، ومحاسبة المسؤولين عنها،
ــ توفير عقود قانونية تتماشى مع الاتفاقيات الدولية للشغل،
ــ التجاوب مع مطالب الراغبات منهن بالعودة للوطن،
وقد أحدثت القضية بعض التفاعل الدولي، حيث زار العاصمة الموريتانية نواكشوط وفد من الكونفدرالية النقابية الدولية لهدف الاستقصاء، وكانت الزيارة نوع من الاستجابة لنداء وجهته نقابات موريتانية إلى الكونفدرالية النقابية الدولية حول شكاوى الموريتانيات المرحلات من السعودية.
رأي أخر
أصحاب مكاتب العمالة المتهمين، ردوا بأن الأمر مجرد فبركة ولا أساس له من الصحة. مثلا، أصدرت مؤسسة للعمالة المنزلية بيانا قالت فيه: "إن مكتب آمدير للعمالة المنزلية الموريتانية تشترط في كل معنية أو طالبة للتوظيف في المملكة العربية السعودية أن يكون عمرها ما بين خمسة وعشرين وأربعين سنة، إضافة إلى إذن وكيلها ضمن عقد قانوني موثق بينها وبين المكتب، وكذا التوقيع على عقد عمل لمدة سنتين قابلة للتجديد يتكفل بموجبه الطرف المشغِّل بدفع راتبها المتفق عليه في وثيقة العقد إضافة إلى رعايتها الصحية وعطلتها السنوية المعوضة وإقامتها و معيشتها وتذاكر سفرها من و إلى بلدها". لكن شخصيات قانونية أكدت أن المتضررات ليست لديهن عقود بالمعنی القانوني، حيث أن أصحاب مكاتب الاستقدام عجزوا عن إثبات وجود عقود حين تم استجوابهم من طرف وكيل الجمهورية، ولم يظهروا سوى التزام أعد حديثا عند موثق خال من توقيع الضحايا.
سوابق السعودية والمطلوب..
سجل السعودية الحقوقي ملطخ بنقاط سوداء كثيرة ومتشعبة، والعمال الأجانب يتعرضون لاحتقار الانسان في المملكة، وخاصة منهم العاملين في المنازل، وقد سبب ذلك بعض الاحتكاكات مع دول مثل الفيليبين وإندونيسيا التي منعت سفر مواطناتها للعمل هناك، وهو ما يتطلب أن يكون سفر الموريتانيات مضبوط بقوانين واضحة ورقابة صارمة، وأولها الرقابة على مكاتب توريد العمالة، ومتابعة السفارة الموريتانية لعملهم في السعودية نفسها.