حالة من الجدل تشهدها الجماعة الصحافية في مصر، بعد موافقة مجلس نقابة الصحافيين، وبإجماع الآراء، على تأسيس " لجنة المرأة " في النقابة، والإعلان عن تولّي عضو مجلس نقابة الصحافيين دعاء النجار رئاستها.
انقسم أعضاء النقابة بين رافض لـ "لجنة المرأة" متعللاً بأن التقسيم النوعي لأعضاء النقابة مؤشر خطر، واعتبر جزء آخر من الرافضين أن لجنة المرأة ليست على أولويات نقابة الصحافيين، وأن مكان الحديث عن أزمات النساء ليس أروقة النقابة، بل داخل المجلس القومي للمرأة، أو منظمات المجتمع المدني، بل ووصل الأمر إلى إنكار ما تعانيه النساء في بلاط صاحبة الجلالة.
اعتبر المؤيدون لفكرة إنشاء " لجنة مرأة" بنقابة الصحافيين أن القرار نصف انتصار، خاصةً وأن النقيب ومجلس النقابة لم يعلنوا إلى الآن آليات واختصاصات عمل اللجنة، وهل سيمكنها أن تلعب دوراً في مساندة الصحافيات حيال ما يعانينه من انتهاكات في بيئة العمل، سواء كان التحرش الجنسي، أو الحرمان من تولى المناصب القيادية...
البداية
البداية كانت عام 2007، مع توجيهات المجلس القومي للمرأة بضرورة إنشاء لجان نوعية للمرأة في النقابات المهنية والعمالية. وقد اقترح النقيب الأسبق وقتها، وكان محسوباً على نظام مبارك و"الحزب الوطني"، أن يتم تأسيس لجنة للمرأة داخل نقابة الصحافيين، إلا أن طلبه قوبل بالرفض من مجموعات من الصحافيين، الذين قدموا مذكرةً للنقيب ومجلس النقابة موقّع عليها من 300 عضوة وعضو من أعضاء النقابة، أعلنوا فيها رفضهم لفكرة تأسيس لجنة للمرأة في النقابة. وانتهى الأمر بالتوقف عن مناقشة الفكرة، ولكنها ظلت تراود العديد من الصحافيات مع كل أزمة يمررن بها.
آب/ أغسطس 2020. عاد الحديث بقوة مرةً أخرى عن ضرورة وجود لجنة للمرأة بنقابة الصحافيين، خاصةً بين الأجيال الشابة من الصحافيات، بعد واقعة اتهام مدرب صحافي بمحاولة اغتصاب، وبالتحرش بالعشرات من الصحافيات المتدربات. وانتشر حديث بينهنَّ يتعلق بالتحرش الجنسي بهنَّ من قبل رؤساء تحرير، ومديرين في العمل، والمصادر، وعن الفرص الضائعة في بيئة عمل غير آمنة، وعن قصص العشرات من الصحافيات اللواتي اضطررن لترك المهنة لأسباب تتعلق بتعرضهنَّ للاستغلال، وغياب فرص تعينهنَّ في المؤسسات الصحافية بأنواعها الوطنية والحزبية.
في دراسة استبيانية لعامي 2013-2014، كشفت "مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون"، عن تعرض 48 في المئة من الصحافيات لشكل من أشكال التحرش الجنسي في عملهن، 83 في المئة منهنَّ لم يبلغن عن حوادث التحرش.
مع تردي أوضاع الصحافة في مصر خلال السنوات الخمس الماضية، وانهيار الصحافة الورقية، تعاني الصحافيات من الفصل التعسفي، باعتبارهنَّ الأقرب لـ"البقاء في المنزل" وفقاً لرؤية ذكورية تسيطر على أغلب المؤسسات.
تبعت تلك الضجة التي أحدثتها الاتهامات الموجهة إلى المدرب الصحافي، حالةٌ من الغليان والغضب بين الصحافيات، فقمن بتقديم مذكرة جمعن عليها توقيعات وصلت لما يقارب من 200 من الصحافيات فقط، طالبن فيه مجلس نقابة الصحافيين بإنشاء لجنة للمرأة.
قالت الصحافيات في المذكرة التي سلموها لمجلس نقابة الصحفيين "نطالب باستحداث لجنة دائمة للمرأة داخل نقابة الصحافيين تعمل على توفير بيئة عمل آمنة تتضمن سياسات حماية من العنف القائم على النوع، وأن تضع اللجنة آليات للشكوى آمنة، وتحافظ على خصوصية الشاكيات، والتعامل بجدية، واتخاذ إجراءات ناجزة، منها تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تراعي جميع المعايير والضوابط التي تضمن استقلالها وتواجه جميع أشكال التمييز في تقسيم العمل، وشغل المناصب القيادية وتطرح الآليات وتستهدف التمكين".
وقالت الصحافيات في بيان لهنَّ، بعدما تغاضى مجلس نقابة الصحافيين، والنقيب الحالي، عن مناقشة طلبهنَّ "نود أن نذكّر مجلس نقابة الصحافيين الموقر، بالمادة الخامسة والسادسة من ميثاق الشرف الصحافي، إذ تنص الأولى على أن "للصحافة مسؤوليةً تجاه حقوق المرأة"، والثانية على أن "شرف المهنة وآدابها أمانة في عنق الصحافيين".
كما تحدد المادة السابعة من الميثاق ذاته، أولويات النقابة في "العمل على مراعاة الالتزام بتقاليد المهنة وآدابها ومبادئها وإعمال ميثاق الشرف الصحافي ومحاسبة الخارجين عليه طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في أحكام قانون نقابة الصحافيين رقم 76 لسنة 1970، ذلك الالتزام والأخلاقيات التي تفرضها علينا جميعاً مقتضيات المهنة، وتلزم مجلس نقابة الصحافيين بعدم الوقوف مكتوف الأيدي، واللجوء إلى استبدال الدور الأساسي الفاعل بأدوار ثانوية باهتة تكتفي بالمراقبة وإعلان تقديم الدعم".
وعلى الرغم من حالة الغليان التي كانت عليها الصحافيات، إلا أن مجلس النقابة أصر على عدم استكمال نقاشاته حول لجنة المرأة، واعتبر الكثير من أعضاء المجلس أن الأمر مجرد لعبة انتخابية، خاصة وأنه كان متبقٍ على انتخابات التجديد النصفي ستة أشهر فقط، وكانت من بين الصحافيات المطالبات بلجنة المرأة مرشحاتٌ سابقات ومرشحات محتملات لعضوية مجلس نقابة الصحافيين.
عاد الحديث بقوة مرةً أخرى عن ضرورة وجود لجنة للمرأة بنقابة الصحافيين، خاصةً بين الأجيال الشابة من الصحافيات، بعد واقعة اتهام مدرب صحافي بمحاولة اغتصاب، وبالتحرش بالعشرات من الصحافيات المتدربات. وانتشر حديث بينهنَّ يتعلق بالتحرش الجنسي بهنَّ من قبل رؤساء تحرير، ومديرين في العمل، والمصادر، وعن الفرص الضائعة في بيئة عمل غير آمنة.
وفور إعلان فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي خاضت ستُ صحافيات الانتخابات، لم تنجح منهنَّ إلا واحدة فقط.
الوقائع
تختلف تقديرات الكثير حول المواقف النقابية لعضوة المجلس الوحيدة دعاء النجار، وهو ما زاد من الجدل حول جدوى لجنة المرأة.
الصحافة المصرية تقاوم الاحتضار
24-05-2018
وفي دراسة استبيانية لعامي 2013-2014، كشفت مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، عن تعرض 48 في المئة من الصحافيات لشكل من أشكال التحرش الجنسي في عملهن، 83 في المئة منهنَّ لم يبلّغن عن حوادث التحرش، وفقاً للدراسة. كما أكدت الدراسة تعرض 64 في المئة منهنَّ للتحرش اللفظي، و24 في المئة للتحرش الجسدي، وقد أبلغ 29 في المئة من النساء اللاتي تعرضن لاعتداء جنسي عن الحادث، لافتةً أن العنف ضد النساء في أماكن العمل ينتهك حق المساواة والعمل بحرية.
ومع تردي أوضاع الصحافة في مصر خلال السنوات الخمس الماضية، وانهيار الصحافة الورقية، تعاني الصحافيات من الفصل التعسفي، باعتبارهنَّ الأقرب لـ"البقاء في المنزل" وفقاً لرؤية ذكورية تسيطر على أغلب المؤسسات. كما أن هناك العديد من الأزمات ترتبط بتصعيب قيام الصحافيات بأدوارهنَّ الاجتماعية مثل الحمل والولادة ورعاية الأطفال، إذ ترفض أغلب المؤسسات منح الصحافيات الحقوق نفسها التي يحصل عليها زملائهنَّ الذكور في الترقي وتولي المناصب القيادية بحجة أن لهنَّ أدواراً اجتماعية أخرى ستعطلهن عن القيام بدورهنَّ المهني.
"نظام تشغيل النساء "
ويغيب عن كافة المؤسسات أيُّ حقوق للصحافيات، ومن بينها على سبيل المثال ما أقرّه قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 في المادة 95 التي نصت على أنه "يجب على صاحب العمل في حالة تشغيله 5 عاملات فأكثر أن يعلق في أماكن العمل أو تجمع العمال نسخةً من نظام تشغيل النساء"، والهدف من ذلك توعية المرأة العاملة بحقوقها كي تطالب بتطبيقها وتتمسك بها، وكذلك القواعد المنظمة لعملها في المؤسسة.
ويتضمن نظام تشغيل النساء النصوص الواردة في قانون العمل واللوائح والقرارات الوزارية ذات الصلة، ونصوص الاتفاقيات الدولية الخاصة بحق المرأة في العمل التي صدقت عليها مصر كونها جزء من النظام القانوني للدولة.
كما أقر القانون في المادة 96 منه "إلزام صاحب العمل بتوفير دار حضانة للأطفال في حالة وجود 100 امرأة عاملة بالمؤسسة أو أكثر"، ويقول نص المادة "على صاحب العمل الذي يستخدم مئة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ داراً للحضانة أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص"، إلا أن كل تلك الحقوق التي من شأنها توفير بيئة عمل صالحة للنساء تغيب عن كافة المؤسسات الصحافية في مصر.
مؤسِّسات ولكن..
وعلى الرغم من مشاركة الصحافيات في تأسيس نقابة الصحافيين بمرسوم ملكي في 31 آذار/ مارس 1941، شاركت أربع صحافيات فقط (من أصل 9) في أول جمعية عمومية لنقابة الصحافيين عقدت في 5 كانون الأول/ ديسمبر 1941، هنَّ نبوية موسى، فاطمة نعمت راشد، فاطمة اليوسف (الشهيرة بروز اليوسف)، منيرة عبد الحكيم، في أول جمعية عمومية.
هناك العديد من الأزمات ترتبط بتصعيب قيام الصحافيات بأدوارهنَّ الاجتماعية مثل الحمل والولادة ورعاية الأطفال، إذ ترفض أغلب المؤسسات منح الصحافيات الحقوق نفسها التي يحصل عليها زملائهنَّ الذكور في الترقي وتولي المناصب القيادية بحجة أن لهنَّ أدواراً اجتماعية أخرى ستعطلهن عن القيام بدورهنَّ المهني.
أقر قانون العمل في المادة 96 منه "إلزام صاحب العمل بتوفير دار حضانة للأطفال في حالة وجود 100 امرأة عاملة بالمؤسسة أو أكثر"، ويقول نص المادة "على صاحب العمل الذي يستخدم مئة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ داراً للحضانة أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات.
بعدها فازت أمينة السعيد ــ أول صحافية مصرية ــ بعضوية مجلس النقابة في الدورة (14) عام 1954، واستمرت تسع دورات حتى عام 1962، وشغلت منصب وكيل النقابة ثلاث دورات متتالية، ثم غابت الصحافيات عن مجلس النقابة حتى عام 1967. وعاد مجددًا في عام 1974 تمثيل الصحافيات في المجلس على مدى ثلاث دورات (26- 27 -28) . وارتفع عدد النساء في المجلس إلى ثلاث عضوات في الدورة الواحدة، على مدى دورتين متتاليتين (29) و(30) حتى عام 1977، ثم انخفض العدد في الدورة (31) عام 1980 إلى عضوتين. وبعدها تراجع تمثيل الصحفيات في المجلس بعضو واحد.
أما خلال أربع دورات خلال الفترة من 1999 حتى 2005، غابت الصحافيات عن المجلس، ثم فازت واحدة في الدورات الأربع (45- 46- 47- 48) من 2007 حتى 2013، وفي الدورة (48)، وجرت الدورتان (50 و51) دون نساء إلى أن فازت أخيراً دعاء النجار في الدورة (52) عام 2021.
"لماذا، على الرغم من نضال الصحافيات الطويل منذ تأسيس النقابة، فإن ذلك لا ينعكس على تشكيل مجالس النقابة؟ وعلى مدى دورات متعاقبة، غابت النساء تماماً عن المجلس على الرغم من أن الصحافيات يمثلن ما يزيد عن الثلث من الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين".
وعلى الرغم من مواقفها الداعمة لحقوق المرأة وعضويتها بالمجلس القومي للمرأة، وتواجدها كعضو بمجلس نقابة الصحافيين لسبع دورات سابقة، أعلنت الكاتبة الصحافية أمينة شفيق عن رفضها تأسيس "لجنة للمرأة" بنقابة الصحافيين، وقالت على صفحتها الشخصية فيسبوك "عندما نتناول قضية المرأة نذكر أننا نناضل مع الرجال ضد التخلف والرجعية، ومن أجل التقدم والتطور، لذا فهو نضال مشترك من أجل الوطن ككل وليس من أجل المرأة. وحتى في العمل النقابي فنحن واحد في العمل والنضال، مع العلم أننا نفهم مجتمعنا جيداً، ونعرف أنه مجتمع ذكوري ومتخلف ويحتاج الكثير من النضال من أجل أن يتحرر من أفكاره ومن اتجاهاته، لذلك تعجبت من مسلك مجلس نقابة الصحافيين عندما وافق على تنظيم لجنة للمرأة، والسبب كما شرح لي أن المرأة الصحافية على الرغم من أنها تمثل عدداً جيداً من القوى المهنية، إلا أنها لا تحتل مواقع قيادية في الصحافة"، استكملت النقاش حديثها قائلة "كان الأفضل من أن يسعى مجلس النقابة إلى ما يسمى حقوق المرأة في المناصب، أن يدرس معنا جميعاً السبب في تراجع مبيعات الصحف".
____________
من دفاتر السفير العربي
من تراث ربّات القلم
____________
تقول منى عزت، وهي عضو مؤسس في مجموعة "صحافيات مصريات"، وناشطة في مجال المرأة: "إن التباين في المواقف حول لجنة للمرأة داخل نقابة الصحافيين أمر وارد، فالجماعة الصحافية جزء من مجتمع تهيمن عليه ثقافة ذكورية، تضع النساء في أدوار تقليدية ونمطية. لكن الأزمة الحقيقية في أن أصحاب الرأي الذي يرى أن تأسيس لجنة للمرأة في نقابة الصحافيين هو تقزيم لها، لم يطرحوا بديلاً حقيقياً ولا تفسيراً لماذا على الرغم من نضال الصحافيات الطويل منذ تأسيس النقابة، فإن ذلك لا ينعكس على تشكيل مجالس النقابة؟ ووصل الأمر أنه على مدى دورات متعاقبة غابت النساء تماماً عن المجلس على الرغم من أن الصحافيات يمثلن ما يزيد عن الثلث من الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين!"
أشارت عزت إلى أن نقابة الصحافيين كغيرها من النقابات المهنية، هي تجمعات للطبقة الوسطى بكل اختلافاتها وتنوعاتها فيوجد بها الاتجاه المحافظ التقليدي، والتنويريون، وهذا يظهر جلياً في جميع الانتخابات. فالجماعة الصحافية منهم من ينتخب ابن محافظته، ومنهم من يختار على أساس الانتماء السياسي، ومنهم من يحمل الفكر الذكوري الذي يرفض وجود النساء في مواقع صنع القرار ويري أنها لا تصلح للمناصب القيادية. وحتى في أوساط التنويريين بنقابة الصحافيين، فمنهم من يرى أن النساء يحصلن على فرصتهنَّ كاملة، دون أن يحاول الإجابة على العديد من الأسئلة، من بينها ماذا فعلنا أمام أوضاع الصحافيات، أين هنَّ من المناصب القيادية، كم عدد رئيسات التحرير، كم عدد العضوات في مجالس إدارات المؤسسات الصحافية والجمعيات العمومية".