تتراص في سوق"أترافيك" بالعاصمة الموريتانية نواكشوط قناني وعلب المشروبات منتهية الصلاحية وتعرض للبيع علنا بنصف ثمنها، فيقبل عليها الفقراء من المواطنين. وتنتشر في المحلات التجارية المتناثرة في كل موريتانيا أنواع عديدة من البضائع منتهية الصلاحية بعد تزوير تواريخها، وذلك بحسب "منظمة حماية المستهلك" التي طالبت في وقت سابق بإصدار مدونة تضم كل المواد القانونية المتعلقة بحماية المستهلك. كما تتعرض البضائع في موريتانيا لشتى أنواع الاهمال عند الحفظ مما يعرضها للتلف، علاوة على نقلها بوسائل بدائية. فتنقل اللحوم بأنواعها وسائر المواد الغذائية على عربات الحمير والعربات اليدوية، وبين المدن التي تفصلها مسافات طويلة، في السيارات والشاحنات غير المبردة والنظيفة، ما يعرضها لعوامل التعرية والحشرات..
ضعف الرقابة على الغذاء
أزمة انتشار الغذاء الفاسد في موريتانيا تعود إلى ضعف الرقابة على استيراد المواد الغذائية إلى البلاد، وضعف رقابة الجهات المخولة الإشراف على ما يتداول من مواد غذائية في الأسواق والمحلات والمطاعم، كذلك الافتقار إلى ضوابط ملزِمة لملاك هذه المؤسسات تتعلق بالوقاية والسلامة والنظافة، والعشوائية في فتح الحوانيت (فهي لا تتطلب تصاريح). وينسب انتشار السرطانات في موريتانيا إلى تفشي ظاهرة فساد الأغذية. وتقول خبيرة التغذية عربية بنت أهنا "بدخولك إلى أي محل تجاري ستلاحظ أن المادة الغذائية معروضة بشكل سيئ إلى جانب مواد التنظيف والمبيدات الحشرية، ويرجع ذلك لكون المواطن غير متطلب والبائع غير مهتم بتحسين خدماته، بالإضافة إلى غياب أي دور فعلي لرقابة الدولة"، وتضيف قائلة: "الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية ومجهولة المصدر والمصنعة بعيداً عن مقاييس الجودة ولو المتوسطة، تسبب أنواع السرطانات والأمراض المتعلقة بالمناعة، فكلنا يعرف ان هناك مواد حافظة وصبغات غذائية اصبحت محرمة في الدول التي بها هيئات رقابية، ويتم تصديرها إلى دول النفايات الغذائية التي تعتبر موريتانيا على رأس قائمتها".
حملة "كافي"
بسبب ضعف الجهات الرقابية الموجودة، أطلق نشطاء موريتانيون قبل فترة حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل عنوان "كافي" (وتعني كفى باللهجة الحسانية). وقد تم قبل أيام الإعلان الميداني لهذه المبادرة في ندوة بأحد فنادق العاصمة نواكشوط، وتطالب هذه الحملة بإنشاء هيئة مستقلة لرقابة سلامة وجودة المواد الغذائية، وأن يكون الموضوع أولوية لدى الجهات الرسمية، والسبب حسب المبادرة هو أن الأمراض والأوبئة التي تتسبب الأغذية الفاسدة في انتشارها تؤدي إلى تراجع وتوقف نمو البلد وتطوره ومستقبل أبنائه. وتسعى هذه الحملة لجمع تواقيع لإثبات أن الهيئة مطلب جماهيري، ويقول الناشط في الحملة يسلم محمود: "جاءت فكرة "كافي" بعد قيام إحدى منظمات المجتمع المدني بأيام صحية في الأحياء الشعبية، وهي أيام أشرفت عليها مجموعة متطوعين، وبعد معاينة الأطباء لبعض المرضى لم يتضح سبب بيّن لمرضهم، وتم نقلهم إلى المستشفى وبعد الكشف تبين أن هناك سرطانات تنتشر في هذا الحي، ثم قمنا بزيارات لمستشفى الأمراض السرطانية وكان الأمر مرعبا وكارثيا، فقد اكتشفنا انتشاره بينما لم يكن جزءا من خارطة الأمراض في موريتانيا، وهو ما دفعنا إلى اطلاق هذه الحملة لتوعية المواطنين بخطورة استعمال المواد المعلبة ومنتهية الصلاحية، وفي الوقت نفسه مطالبة السلطات بإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة سلامة الأغذية. وقد أعددنا ملفا كاملا عن الوضعية الحالية لرقابة الأغذية وبيّنا أن الهيئات الموكل إليها الرقابة لا تتوفر لديها الأدوات اللازمة للقيام بما هو مطلوب وكذلك اتضح لنا تشتت جهودها". ويضيف يسلم قائلا: "إن التساهل وعدم وجود هيئة مستقلة لمراقبة سلامة الأغذية جعل موريتانيا مكبا لنفايات العالم الغذائية، وجعل منتجاتنا المحلية مرفوضة دوليا لأننا لا نخضع للنظم الدولية لسلامة الغذاء. فمعلوم أن الغربيين لا يقبلون مواد للاستعمال البشري إذا لم تكن محددة بيولوجيا، وحملة "كافي" هي دعوة لتتحمل الدولة مسؤوليتها قبل استفحال الموقف الصحي، فقد وصلنا لمرحلة أقرب للكارثة في مجال الصحة بسبب جشع تجارنا وتساهل الدولة معهم وجهل المواطن وعدم وجود بديل محلي عن هذه الأغذية. ولا حل سوى برقابة منافذ إدخال المواد الغذائية وفحصها في الموانئ والتأكد من خضوعها للمعايير الصحية المسموح بها، تماما كما هو الحال في الدول المحيطة بنا".
يذكر أن في موريتانيا عدة هيئات للرقابة وهي: إدارة البيطرة، ومهمتها مراقبة الأغذية ذات الأصل الحيواني، إدارة الزراعة ومهمتها مراقبة الأغذية ذات الأصل النباتي، المكتب الوطني للتفتيش الصحي للمنتجات ذات الأصل البحري بما فيها زراعة الأسماك، المعهد الوطني للبحث في مجال الصحة العمومية ويعنى بمراقبة المياه المعدة للاستخدام البشري، إدارة حماية المستهلك وهذه لا تراقب إلا المواد التي دخلت فعلا إلى الأسواق.
ولكن!
يرى بعض المراقبين أن أزمة الغذاء الفاسد وضعف الرقابة على المواد الاستهلاكية في موريتانيا أعمق من أن تحل بمجرد بعث هيئة رقابية جديدة، لأن الهيئات الرقابية الموجودة لا تؤدي عملها كما ينبغي ومعطلة عن قصد. فالأزمة إذن هي في عدم وجود إرادة من قبل الحكومة في الضغط على التجار ومراقبة ما يقومون به من أعمال مخالفة للقانون ومضرة بصحة المواطن ومستقبل الدولة، وذلك راجع لزواج المصالح الواقع بين التجار ورجال الأعمال والنظام الحاكم. فالتجار يتمتعون بالحماية من طرفه ورقابتهم شبه مستحيلة فكيف بعقابهم، وكذلك غياب الوعي الصحي لدى المواطنين وهو ما يتطلب المزيد من الجهد من قبل المنظمات العاملة في المجال حتى تنتشر الثقافة الصحية بين الناس ليرفضوا هم بأنفسهم أن يكونوا عرضة للتلاعب من قبل التجار وأن يفرضوا على التجار احترام سلامتهم.