العطش: قصة موريتانية مقلقة

المدن والقرى الموريتانية تصرخ الآن مطالبة بالماء الصالح للشرب، ووضع نهاية سعيدة لقصة عطشها الحزينة، بما يشبه انتفاضة المياه. فانعدام توفر المياه الصالحة للشرب في الكثير من المدن والقرى الموريتانية، حمل سكانها على الدخول في احتجاجات قوية، وكان أكثرها تأثيراً ما حدث في مقاطعة «مكطع لحجار» وسط موريتانيا. فقد صمد سكان المدينة أمام القمع والإحباط، وتواصلت احتجاجاتهم في السنوات الثلاث
2014-06-11

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك

المدن والقرى الموريتانية تصرخ الآن مطالبة بالماء الصالح للشرب، ووضع نهاية سعيدة لقصة عطشها الحزينة، بما يشبه انتفاضة المياه. فانعدام توفر المياه الصالحة للشرب في الكثير من المدن والقرى الموريتانية، حمل سكانها على الدخول في احتجاجات قوية، وكان أكثرها تأثيراً ما حدث في مقاطعة «مكطع لحجار» وسط موريتانيا. فقد صمد سكان المدينة أمام القمع والإحباط، وتواصلت احتجاجاتهم في السنوات الثلاث الأخيرة، حتى فرضوا على السلطة الانصياع لمطالبهم وتوفير الماء لهم، بعد مماطلات كثيرة ووعود كانت تقطع ولا يتم الوفاء بها، والتفاف على تمويلات لمشاريع، منها مشروع تمويل إسباني كان يهدف إلى توفير الماء للمدينة، لكن السلطة وقفت في طريقه لأسباب «غامضة».
وتسير بقية المدن العطشى على نهج مدينة مقطع لحجار وتواصل احتجاجاتها، حتى أن سكانها ينقلون أحيانا احتجاجاتهم إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط. فقد شهد القصر الرئاسي ومختلف الوزارات والمنشآت الحكومية في السنوات الأخيرة وقفات احتجاجية منظمة من طرف سكان الداخل الموريتاني. ولا تقتصر المطالبة بالماء على سكان المدن الداخلية، فحتى بعض أحياء العاصمة تعاني شحاً في المياه، رغم إعلان سابق للحكومة بحل أزمة الماء في العاصمة بعد إطلاقها لمشروع آفطوط الساحلي الذي مكّن من استجلاب المياه الصالحة للشرب لنواكشوط من نهر السنغال على مسافة تزيد على 200 كلم.

نضوب الآبار

يشكو سكان المدن المنتفضة من نضوب الآبار التقليدية التي كانوا يعتمدون عليها سابقاً، و من غياب أي مشاريع للدولة. شركة المياه تعد بإنهاء الأزمة عبر انتهاج المساواة بين المدن والقرى، حيث تقول إنها تقوم الآن بعمليات تنقيب عن الآبار والبحيرات الجوفية، وتطالب المواطنين بعدم الإسراف في استخدام المياه.
وفي البرلمان الجديد، أثار بعض النواب مخاوفهم من استنزاف المياه الجوفية التي تتوفر لدى موريتانيا، وأكدوا على ضرورة استغلال المصادر الهائلة من مياه السطح أولا. كان ذلك في اَذار/مارس 2014 أثناء تواجد وزير الاقتصاد والتنمية في البرلمان.

جاور الماء تعطش!

المفارقة الكبيرة هي أن بعض المدن والقرى الموريتانية التى تعاني العطش تقع بالقرب من مصادر المياه، مثل مدينة سيليبابي جنوب موريتانيا التي تقع بالقرب من نهر السنغال وكذلك قرية بولنوار التي تجاور بحيرة بولنوار شمال موريتانيا، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لقرية كرو في الشرق التي تعاني العطش رغم تواجدها بالقرب من بحيرة انتاكات، وكذلك سكان القرى والمدن القريبة من بحيرة الترارزة جنوب موريتانيا... وسبق لسكان قرى مفتاح الخير والعقبة القريبة من نواكشوط الاحتجاج والقيام بحملات تطالب بتوفير المياه الصالحة للشرب، حملوا خلالها شعار «جاور الماء تعطش».
سبب أزمة العطش الرئيسي هو غياب المشاريع واستشراء الفساد. فموريتانيا لا ينبغي أن تعيش هكذا أزمات لأنها تحوز على مخزون مائي جيد وتحوي مصادر متنوعة للمياه وعدد سكانها قليل جداً، أي ثلاثة ملايين نسمة.
لكن يخالف هذا الطرح تصنيف أعدته مجموعة مابلكروفت البريطانية، التي قالت إن موريتانيا والكويت والاردن ومصر، هي من بين الدول الأقل أمانا من حيث إمدادات المياه. فقد حلت موريتانيا في المرتبة 160 بين الدول التي شملتها الدراسة. فحسب هذه، فإن مصادر المياه المتوفرة والمكتشفة حاليا لن تكون كافية في المستقبل خاصة مع مؤشرات النمو الديموغرافي وتزايد الطلب على المياه. وان من بين المعضلات التي تواجه أي محاولة لحل أزمة العطش هي التقري العشوائي (نشوء قرى جديدة ومبعثرة) وتباعد المسافات بين القرى الموريتانية مما يصعب إيصال المياه لكل السكان.

هل تحل التمويلات الأجنبية الأزمة

دأبت السلطات الموريتانية المتعاقبة على محاولة استجلاب التمويلات الأجنبية والعربية بهدف حل أزمة نقص المياه والعمل على مشاريع طموحة. ومن آخر تلك المحاولات، توقيع اتفاق قرض بقيمة 71 مليون دولار من البنك الدولي من أجل تمويل مشروع تسيير الموارد المائية وتطوير الاستخدامات المتعددة لحوض النهر. ويهدف الاتفاق إلى زيادة استهلاك الماء الصالح للشرب وزيادة النمو الاقتصادي في جنوب البلاد.
وقد ناقش البرلمان بدوره في شباط / فبراير 2014 مشروع قانون يسمح بالمصادقة على اتفاقية القرض الموقع بين الحكومة الموريتانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، مخصصة لتمويل مشروع مياه الشرب وتنمية الواحات في المناطق الريفية، بحيث تحصل موريتانيا حسب الاتفاق على قرض بمبلغ 21 مليار أوقية (الدولار 292 الأوقية) يتم تسديده على مدى 26 عاماً.
لكن، مع استشراء الفساد والإهمال والتسيب في موريتانيا فلا يكون لهذه القروض أي معنى ولا فائدة، لأن أغلبها يصرف بطريقة غير شفافة ولا يستفيد منه المواطن ولا ينتج منه في الغالب أي مشاريع حقيقة، بل تكون مجرد طريقة لزيادة ثراء من يتحكمون بالسلطة.

 

للكاتب نفسه

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...