هناك صورة يتم تدوالها بشكل كبير في الإعلام الموريتاني وحتى العربي، وهي أن المرأة الموريتانية من أكثر النساء العربيات حظاً وأحسنهن وضعية في المجتمع. وهناك مؤشرات يستدل بها على ذلك مثل كونها لا تُحرم من السفر لوحدها وليست هناك عمليات اضطهاد ممنهجة تمارس ضدها، وأنها موجودة بشكل جيد نسبيا في المناصب (الحكومة الموريتانية الحالية تضم ست وزيرات)، وهناك نوع من التمييز الإيجابي خاص بالنساء في البرلمان، وكذلك فلا يعتبر طلاق المرأة عار في موريتانيا .
وهذه الأمور موجودة فعلا في موريتانيا (مع بعض التضخيم!)، لكنها لا تمثل كل تفاصيل الصورة. فالمرأة الموريتانية تعاني من موجة إرهاب شديدة تسبب لها الذعر: معدلات الاغتصاب ترتفع بشكل مطرد، وحالات تعنيفها تتزايد، وتعاني كذلك الزواج القسري المبكر والقوانين لا تحميها بالقدر الكافي.
القانون ضعيف في مواجهة المغتصبين
تتصاعد النقاشات حول تقصير القانون الموريتاني في حماية المرأة من شبح الاغتصاب وكل أشكال تعنيفها، بل تتعدى إلى اتهام القانون بالتواطؤ مع المغتصب وجعل المرأة هي المتهم الرئيسي في القضية. وتوجه انتقادات قاسية للمواد المتعلقة بالاغتصاب في القانون الجنائي الموريتاني، ويتهمها النشطاء بالضبابية وعدم الوضوح وحتى بالضعف. وهذه المواد هي المادتين 309 و 210، حيث تعاقب الأولى المغتصب بالأعمال الشاقة الموقتة من دون تحديد الفترة، أو الجلد (موريتانيا لا تطبق الجلد ولا الحدود)، وتغلظ العقوبة في الثانية إن كان الجاني من ذوى الأرحام حيث يتم رجمه .
وتعتبر الكثير من المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المرأة أن هاتين المادتين تنتصران للمغتصب على حساب الضحية بل وتساهمان في انتشار ظاهرة الاغتصاب، حيث ان المغتصبة تفضل السكوت على التبليغ (90 في المئة من المغتصبات يفضلن السكوت) لأن التبليغ لن يجر لها سوى الفضائح، وعقاب الجاني ضعيف إن تمّ، فهو في أغلب الأحيان لا يعاقب. وتنتقد كذلك المنظمات طريقة تعامل القضاة مع قضايا الاغتصاب، فمثلا أول سؤال يطرح على الضحية: ما هو نوع ثيابك أثناء الاغتصاب، ولماذا خرجتي، وفي أي وقت... ما يضع الضحية في قفص الاتهام. وترى العديد من المنظمات أن القانون الجنائي الموريتاني لا يعترف أصلا بجريمة الاغتصاب ويخلط بين مفهوم الاغتصاب والزنا. وترى أيضا أن الشروط التي يضعها القانون من أجل إثبات حالة الاغتصاب مستحيلة، وهي اعتراف الجاني أو شهادة أربعة شهود. فالقانون الموريتاني لا يلجأ إلى فحص الأحماض النووية (ADN) ولا يعتمده إطلاقاً.
أمام هذه الحالة، بدأت بعض المنظمات في الآونة الأخيرة بالخروج إلى الشارع والاحتجاج أمام قصر العدالة ووزارة العدل والداخلية والقصر الرئاسي في نواكشوط من أجل المطالبة بتغليظ عقوبة الاغتصاب وتوفير الحماية القانونية للمرأة.
زواج القاصرات وضبابية القانون
من بين المشاكل المطروحة كذلك للنقاش زواج القاصرات، حيث تنشط عدة منظمات حقوقية ومبادرات موريتانية ضد هذه الظاهرة، مثل "مبادرة منع زواج القاصرات" و"رابطة النساء معيلات الأسر" و"مبادرة تكلمي". وتنوه هذه المنظمات باستمرار بخطورة الحالة على المجتمع وعلى مستقبل البلاد، وتقول إن زواج القاصر خطر على صحتها ومستقبلها الدراسي، وأنه هو السبب الأساسي في ارتفاع معدلات الطلاق في موريتانيا والتي وصلت إلى 73 في المئة من الزيجات. وتتهم هذه المنظمات القانون بالتحايل على الاتفاقيات الدولية. فرغم أنه حدد سن الزواج بـ 18 عاما إلا انه ترك ثغرة في حيث وضع استثناءا في مدونة الأحوال الشخصية يقول انه يسمح لوكيل القاصر بتزويجها في سن 16 في ظروف خاصة، من دون أن يحدد تفاصيل الظروف تلك، ولا أن يشرح آليات ومعايير هذا الاستثناء. إلا ان موقف الرافضين لزواج القاصرات يسبب الإزعاج للقوى المحافظة في المجتمع الموريتاني، حيث يرون أنه طعْن في السنة النبوية، وفي الشريعة الإسلامية.
بين الواقع والصورة المروجة
المرأة الموريتانية هي جزء من الحالة العامة لموريتانيا، حيث ان كل الأمور فيها شكلية ولا تتعدى الحبر على الورق. فالقانون لا يطبق أساس في البلاد وليس هو وسيلة حل النزاعات، وكذلك الضبابية تكتنف أغلب مواد القانون الجنائي ولا يقتصر ذلك على القوانين المتعلقة بالمرأة، والحكومات الموريتانية المتعاقبة تقوم ببعض الإجراءات الشكلية من أجل تحسين صورتها أمام الدول الغربية، مثل تعيين وزيرات والقيام بتمييز شكلي في البرلمان لمصلحة النساء، لكن الوزرات التى تعطى للنساء غالبا ما تكون عديمة الأهمية والبرلمان الموريتاني كذلك لا يعدو كونه مكان لالتقاط الصور في دولة لا تشهد استقراراً سياسيا، وحيث وسيلة تداول السلطة هي الانقلاب.
لكن في الوقت نفسه، يرى بعض المراقبين أن المرأة الموريتانية مقصرة كثيراً في حق نفسها، فنضالاتها من أجل حقوقها خجولة، الى حد أن النساء المناضلات في مجال حقوق المرأة يجدن أن أكبر العوائق أمامهن هي المرأة نفسها !