صيف لبنان: ظلمة في الشوارع والبيوت والنفوس

2021-07-29

شارك
مبنى "مؤسسة كهرباء لبنان" وسط العتمة. تصوير : Dylan Collins, AFP.

كل ما لا يسرّ القلب يختبره لبنان والقاطنون فيه هذه الأيام. ثمة خبرٌ عن كهلٍ حمل ماكينة الأوكسيجين الخاصة به إلى محطة بنزين قريبة لأنّ بها كهرباء، في ظل الانقطاع الدائم للتيار في بيته. خبرٌ آخر يقول أن أهل طفلة تبلغ من العمر تسعة أشهر حملوها راكضين إلى شركة كهرباء قاديشا لوصل جهازها الطبي بالكهرباء سريعاً، إذ أن هذه الخدمة الأساسية – الكهرباء! - لا تتوفر لديهم. وقِس على ذلك، أخباراً وصوراً ومآسٍ بالجملة، من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. وهي واقعية تماماً وإن كانت ربما لم تقع في الواقع... ويقال عنها شائعات!

الكهرباء مقطوعة. بيروت العاصمة والضواحي لا ترى أكثر من ساعة من كهرباء "الدولة" (التي توفرها "شركة كهرباء لبنان")، كما أنها باتت تستجدي ساعاتٍ نادرة من كهرباء "الاشتراك" (التي توفرها المولدات الخاصة بأسعار ما فتئت ترتفع مع انهيار سعر صرف الليرة - وهذه تسيطر عليها مجموعات أشبه بمافيات كهرباء باتت تقنن ساعات التغذية بشكل كبير نتيجة شبه انقطاع مادة المازوت من السوق - ما خلا السوداء)... حتى صار معظم الناس لا يستحصلون على أكثر من ساعتين من التغذية من أصل أربعٍ وعشرين في اليوم.

مقالات ذات صلة

على مدى ثلاثين سنة مضت... يسمع المواطنون أسطوانة وعود "الكهرباء 24 على 24" منذ نهاية الحرب الأهلية، ولم يروها يوماً، لكنهم "تدبروا أمرهم" كما العادة، بمولدات خاصة واشتراكات تسدّ ساعات التقنين على مر السنوات، وتستغلّهم لقاء الخدمة - طبعاً. ولا تكاد تستقيم علاقتهم المتوترة مع الكهرباء حتى تأتي إسرائيل فتضرب محطة هنا أو هناك أثناء عدوان أو حرب بشكل متفرق خلال الثلاثين سنة الأخيرة... وعند كل محاولةٍ لتنمية قطاع الكهرباء، تختفي أموال كثيرة ويُكتشف فيول "مضروب" (مغشوش) وتتكرر الدوامة، وتعجز البلاد عن تأمين الطاقة فتستعين ببواخر مستوردة لتغذينا بالكهرباء. لكن بالطبع، يتضح مقدار الفساد والهدر والصفقات تلو الصفقات.. فتنقطع الكهرباء!

كلّ هذا من قبل، وكان الناس يشتمون من يعرفون انهم مسؤولين عن حالهم تلك ولكنهم كانوا يتأقلمون ويتدبرون الأمر. أما الآن، وبعد انهيار الاقتصاد الوطني بشكل مدمّر على كل الصعد، ودّع اللبنانيون حتى الوعود الكاذبة بتوفير التيار الكهربائي. قالت لهم الدولة بوضوح: لا فيول ولا دولار وبالتالي لا وجود للكهرباء. جلّ ما ابتدعوه من حلول كان صفقة شراء فيول من العراق وُقّعت منذ أيام* (وهذه أيضاً ينظر إليها المواطنون بعين الريبة، إذ باتوا يحفظون عن ظهر قلب ألاعيب الساسة وصفقاتهم). وفي الأثناء، لا شيءَ سوى الانتظار يملكه الناس. انتظار في العتمة، في حرّ الصيف، فيما يؤجلون أشغالهم بسبب انقطاع الطاقة، فيما يفرغون براداتهم من المواد الغذائية لأنها استحالت خِزانات لا برودة فيها، فيما يبحثون عن مصدر كهرباء لأجهزتهم الطبية الضرورية، وفيما يشعلون الشموع في حلك الليل الطويل وهم يشتمون كل مسؤول عن حال البلد...   

______________

*الاتفاق يسمح بـ"شراء مليون طن من الفيول الثقيل من دولة العراق لصالح مؤسسة كهرباء لبنان"، مقابل "خدمات استشارية واستشفائية" حسب وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر.

مقالات من العالم العربي