تعيش موريتانيا الآن على وقع حالة من الاستقطاب بين التيارات السياسية والإيديولوجية والفكرية. ويظهر ذلك جليا في ما يكتب على الشبكة العنكبوتية من سجالات بين الكتاب والنشطاء والقصص التي يتداولونها. وبسبب هذه الحالة أصبحت ظاهرة التكفير منتشرة والاتهامات المتبادلة كثيرة.
فقد صدرت فتاوى موقعة من مجموعة من علماء الدين الموريتانيين تكفّر بعض النشطاء وتستدل بمقاطع مما يكتبون على صفحاتهم الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي، وقام بعض النشطاء بتعطيل حساباتهم نتيجة لإكراهات عائلية بعد اتهامهم بالخروج على الإسلام.
لكن القضية تفجرت حين ظهر مقال لأحد الكتاب الموريتانيين يحمل عنوان "الدين والتدين والمعلمين"، اعتبر البعض أن فيه إساءة للرسول، وأنه يطعن في عدالته ويتهمه بالعنصرية، حيث بدأت المطالبات بقتله واعتقال كل من يتضامن معه أو يدافع عن حقه في التعبير عن رأيه. وفعلا تم اعتقال الكاتب لكن المسيرات المناهضة له والكتابات لم تتوقف، حتى أن أحد رجال الأعمال قال أنه سيعطي أربعة ملايين أوقية (العملة الموريتانية، والدولار الاميركي يساوي حوالي 280 اوقية) لمن يقتل كاتب المقال. وأصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بيانا طالب فيه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بـ"التوقف عن الإساءة للإسلام والرسول ونشر الالحاد".
اتهامات لتيار اليسار
هذه الحادثة فتحت الباب لسلسلة من المقالات والتصريحات التي تتهم التيار اليساري في موريتانيا بنشر الإلحاد ومطالبة نشطائه بالتوبة إلى الله والانصهار في المجتمع المسلم. وكذلك طالب البعض باغلاق موقع "أقلام حرة" المحسوب على اليسار الذي نشر المقال، وقالوا أنه منبر الكفر في موريتانيا، رغم أن الموقع حذف المقال واعتذر عن نشره، وقال إن المقال نشر على أكثر من موقع موريتاني، وإن الكاتب ليس من طاقم الموقع... أرجع بعض النشطاء والكتاب المحسوبين على التيار اليساري الحملة الممنهجة التي تريد أن تلصق بهم تهمة نشر الالحاد الى تصفية حسابات يقوم بها الاخوان المسلمون معهم، وذلك من أجل ضرب هذا التيار سياسيا والتخويف منه، وكذلك من أجل أن يغطوا على تقهقر الاخوان في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وصرف نظر الشارع عن مشاركة الاخوان المسلمين في انتخابات تقاطعها المعارضة، ونقضهم العهد والوثيقة التي وقعوا عليها والتي تؤكد رفض أي انتخابات في ظل الحكم الحالي بدون ضمانات للنزاهة والشفافية. وكان حزب "اتحاد قوى التقدم" المحسوب على اليساريين قام بإصدار بيان يندد فيه بالمقال، ويطالب بتطبيق القانون والوقوف في وجه ردود الأفعال الانتقامية.
المقهى التونسي
طالت الحملة "القهوة التونسية" في نواكشوط، فكتب البعض مطالبا بإغلاقها واتهمها بأنها وكر لنشر الإلحاد في موريتانيا، وأن روادها هم شلة من المتغربين الذي يعادون الاسلام والمسلمين. وفعلا بدأت بعض المواقع بالحديث عن أنباء تفيد بأن السلطات ستبدأ في إغلاق بعض المقاهي. تمت مجابهة هذه الحملة من طرف بعض النشطاء على الشبكة، ومن رواد هذا المقهى الذين يعتبرونه المتنفس الوحيد للشباب الموريتاني في عاصمة لا توجد فيها أماكن للترفيه، وأن المطالبة باغلاقه واتهام رواده بنشر الكفر يبعث على القلاقل، فهذا النوع من الخطاب يهدد مستقبل الدولة والحريات. وأشاروا الى خطر ظهور حركات تكفيرية على غرار بوكو حرام النيجرية، وشددوا على أن الخلافات السياسية بين الموريتانيين يجب أن لا تحشر فيها الدول الصديقة ورعاياها...
المخابرات هي السبب
يقول كثيرون أن المخابرات الموريتانية تستغل السجالات الفكرية على الشبكة العنكبوتية والصراعات بين الشباب من مختلف المشارب، وتجند بعض التكفيريين لإرهاب من يقدمون طرحاً مختلفاً، ومن أجل تكفير من يعارضونها. وهي تقوم كذلك بخلق بعض الأزمات من أجل شغل المواطن البسيط عن أزماته الحقيقية، مثل ارتفاع الأسعار والبطالة والفساد. وأن المستفيد من هذه الحالة هو الحكومة والسلطة الحاكمة التي خرجت لتوها من انتخابات شابتها الكثير من الخروقات وقاطعتها المعارضة، ما يطعن في شرعيتها. وهذه الحالة مرجحة لمزيد من التصعيد، لأن موريتانيا تشهد الآن حراكا على جميع الأصعدة، السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية.