كبقية مؤسسات المجتمع المدني، تواجه الحركة النقابية البحرينية تحديات كبيرة، لا سيما بعد انطلاق الحراك المطلبي في شباط/ فبراير 2011. فعلى العكس تماماً مما حصل في بعض بلدان الربيع العربي، من نشوء حركات نقابية مستقلة، قبل أو اثناء الانتفاضات الشعبية، رفعت شعارات الحرية والديموقراطية والكرامة، شهدت البحرين انتكاسة على مستوى الحركة النقابية، إذ تشكلت بعد أحداث الانتفاضة الشعبية فيها تجمعات عمالية أخذت دور المساند للقمع والمكرس لحكم الفرد، فيما شنت حملة على الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي يمثل الحركة النقابية المستقلة (عن النظام على أقل تقدير)، والعمل على تقليص أدواره في الساحة البحرينية.
التأسيس
العام 2002، اتخذت الحركة النقابية البحرينية، ممثلة بـ«اللجان العامة لعمال البحرين»، قرارها بالتحول إلى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. ولعب هذا الاتحاد الوليد دوراً أساسياً في تأطير عمال البحرين في العمل النقابي. ورغم الخلافات التي شابت تأسيسه بين الكوادر النقابية في القوى السياسية التقليدية التي انضوت لاحقاً في جمعيات سياسية حملت مختلف التوجهات الموجودة على الساحة العربية (يساريون، قوميون، اسلاميون)، استطاع الاتحاد شق طريقه في تأصيل العمل النقابي، واكتسب الاتحاد سمعة كبيرة على المستوى العربي والدولي. وقد دخلت الحركة العمالية البحرينية معارك عدة من أجل انتزاع الحقوق العمالية الطبيعية، كحق الاضراب، المُقيّد بشروط تعجيزية يتحكم فيها رئيس مجلس الوزراء، وحق تشكيل النقابات في القطاع الحكومي، الذي ما زال محظوراً لغاية اليوم. إلا أنها لم تنجح في خلق حالة عمالية مساندة لانتزاع هذه الحقوق، وقد يعود هذا الأمر لعدم الاحساس بأهمية العمل النقابي في أوساط المجتمع البحريني، واقتصاره على مجموعة من الناشطين ذوي التوجهات السياسية أو القريبين منها.بالمقابل استطاعت الحركة النقابية تعزيز مكانتها على المستوى الوطني، حيث أصبح الاتحاد العام الممثل الشرعي والوحيد لعمال البحرين، فتم تمثيله في بعض القطاعات ثلاثية التكوين، كهيئة تنظيم سوق العمل، والهيئة العامة للتأمين الاجتماعي والمجلس الأعلى للتدريب المهني، وغيرها من الهياكل، وكذلك على المستوى الاقليمي والدولي، فحظي بعضوية عدد من الاتحادات العمالية الدولية وتمثل أحد أعضائه في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية لدورتين متتاليتين.
اتحاد آخر على أساس سياسي
مع اندلاع الحراك في البحرين في 24 شباط/ فبراير 2011، كان الاتحاد أول الداعين لتدشين حوار حقيقي بين السلطة والقوى السياسية للخروج من الازمة التي دخلتها البحرين في ذاك اليوم، كما دعا إلى إضرابين عامين بعد الحملة العسكرية الأولى والثانية على مقر اعتصام المتظاهرين في دوار اللؤلؤة. وبعد الانقضاض الأمني على هذا الحراك، بدأت السلطة في عملية تصفية الحسابات مع مؤسسات المجتمع المدني، حيث حُلت بعض الجمعيات المهنية، كجمعية المعلمين، التي لا يزال رئيسها يقبع في المعتقل، وتم عزل مجلس إدارات البعض الآخر، كجمعية الاطباء، وبدأت السلطة في إعادة تشكيل المجتمع المدني عبر خلق منظمات أهلية رديفة لتلك القائمة. وطالت يد السلطة الحركة النقابية فبدأت حملات التشهير في الصحافة والتلفزيون الرسمي بقياداته، وترافق ذلك مع حملة واسعة لفصل العمال وصلت إلى ما يفوق الاربعة آلاف عامل، حسب تقديرات الاتحاد، كما تم تهميش دور الاتحاد العام في المجالس الثلاثية التكوين، كالهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، وأخيراً تأسيس «الاتحاد الحر لعمال البحرين»، معلناً شق الحركة العمالية على أساس المصالح السياسية، لا سيما أن أحد ابرز القائمين على هذا الاتحاد مارس دوراً في عمليات فصل العمال ابان العام 2011.
أين المصلحة العمالية؟
وبصرف النظر عن مدى قوة أو ضعف هذا الاتحاد أو ذاك، فقد بات من المؤكد أن أكبر المتضررين هو الطبقة العاملة، حيث تشتتت المنظمات التي تمثلهم في أطر طائفية أو سياسية، وتحول الصراع من أن يكون بين العمال وأصحاب العمل، إلى صراع بين العمال انفسهم. وعلى سبيل المثال، بادرت السلطة بإدخال تعديلات عدة على قانون النقابات العمالية، بشكل منفرد من دون العودة إلى الشركاء الاجتماعيين. وكذلك أصدرت قانون العمل الجديد، الذي اعتبره أحد المحامين المتخصصين في قضايا العمل، أسوأ قانون عمل صدر بتاريخ البحرين. إضافة إلى استشراء الفساد في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، كما تشير تقارير ديوان الرقابة المالية؛ كل ذلك دون أن تُجبر المصلحة العليا كلا الاتحادين على اتخاذ مبادرات مشتركة أو منفردة للذود عن مصالح العمال.وكأن السلطة طرف محايد في هذا الاستقطاب، دعا مؤخراً وزير العمل كل من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين والاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين «للعمل بوتيرة أسرع وأكثر فاعلية لتجاوز أية خلافات وتوجيه جهودهما وطاقتهما معا للتصدي لمظاهر الفرقة والانقسام وتعزيز أجواء التوافق والانسجام والعمل المشترك في مختلف مواقع العمل والانتاج»! من جهة أخرى، وبقدر مساهمتهم في سوق العمل، يشكل العمال المهاجرون عنصراً مثبطاً لأي تحرك عمالي ضاغط باتجاه تحسين ظروف العمل والانتاج، بل وعمدت السلطة على الاستقواء بهؤلاء العمال الذي جاؤوا إلى البحرين بهدف تحسين ظروف معيشتهم، وتوظيفهم في الصراع السياسي والاجتماعي القائم.خلاصة القول، تعاني الحركة النقابية البحرينية من فترة من الجمود والتقهقر لعلها ستطول بسبب: أولاً طبيعة الاقتصاد البحريني الريعي، الذي تتحكم فيه مجموعة قليلة، هي المتصرفة الوحيدة بعائداته وبه تشتري الولاءات، ثانياً الاستقطاب الطائفي الذي لعبت السلطة في تنظيمه دوراً كبيراً، فبات الانتماء الطائفي هو معيار المواطنة وانتفت الوحدة على المطالب الاقتصادية والاجتماعية، ثالثاً ضعف الكيانات النقابية من حيث تكوينها الفكري والممارساتي من جهة، ومن جهة أخرى المنافسة الشديدة مع العمالة المهاجرة ذات الأجر المتدني والخاضعة لظروف عمل اعتباطية، والتي تجعل البديل عن العمالة الوطنية جاهزاً في أي وقت لتغطية أي تحرك تبادر به الطبقة العاملة...