جدارية الصناعة المصرية .. كيف تغادرها الأيقونات؟

كيف تراكمت المديونيات على الشركات المملوكة للشعب، وهي ديون عليها للمرافق المملوكة له؟ وهل سدّها يعادل التخلص من الصناعة ذاتها؟ وهل تطوير تلك الصناعة لا يسمح بسدادها؟
2021-07-15

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
مصنع الحديد والصلب في حلوان

فوق أرض حلوان، كانت المساحات الشاسعة لشركة الحديد والصلب المصرية هي "نقطة تلاقي" طرق السكك الحديدية والجبل والنيل. ثم وبعد ما يزيد عن ستين عاماً أصبحت الآن نقطة تلاقي طرق قطع الإمدادات عن هذه الصناعة الهامة، سواء جاء هذا نتيجة اتخاذ قرارات غير سليمة أو تبني سياسات غير سديدة.

 فمع القرارات تآكلت صحة هذا الجسد العفي فما كان يمكن تفعيله ظل محدوداً، وما كان يمكن تجنبه ظل حاضراً. ومع السياسات تراكمت التحديات والمعوقات نتيجة رفع الدولة ليدها عن توفير سبل الإتاحة الممكنة والدعم المستحق. وهكذا جاء القرار الصعب بتصفية الشركة ذات التاريخ متجذر العمق في الذاكرة الوطنية المصرية، بل والعربية أيضاً، لدورها في دعم الجيش المصري والسوري خلال الحرب ضد الكيان الصهيوني في السبعينيات الفائتة.

"حلوان للحديد"، ليست الأولى التي تغادر مكانها بجدارية الصناعات الاستراتيجية المصرية، وهي ليست الأخيرة غالباً على الرغم من كل ما تؤكده الجهات المختصة من أن هذا يأتي في إطار خطة متكاملة لا تستهدف التصفية، ولكن تعظيم إمكانات القطاع الصناعي الرسمي، مما يقتضي التخلص مما هو أكثر خسارة وغير قابل للتطوير.. فكيف تشكّلت الصورة؟

عقلية التدبر أم التدبير؟

مع تولي الوزير الحالي حقيبته، أعلنت وزارة قطاع الأعمال العام عمّا أسمته "استراتيجية التطوير". ووفقاً لها، فرزت وصنفت الشركات حسب أوضاعها المالية الحالية، والمتغيرات التي تؤثر على أداء القطاعات الاقتصادية التي تعمل فيها. فإما التطوير أو الشراكة أو التصفية. وانتهت أعمال الحصر إلى أن هناك 48 شركةً تحقق خسائر تبلغ 7.4 مليار جنيه. وفي المرحلة الأولى للإصلاح حُدّدت 26 شركةً في أربعة قطاعات صناعية هي الغزل والنسيج، والصناعات المعدنية، والصناعات الكيماوية، والأدوية، الأكثر تحقيقاً للخسائر، بنصيب يبلغ 90 في المئة من إجمالي خسائر القطاعات. وقد ارتكزت تلك الخطة، وفق ما هو معلن، على سداد المديونيات اعتماداً على الأصول غير المستغَلة التي تم حصرها، وتحديد ما يمكن استخدامه منها لتسوية مديونية الشركات، وهي بالأساس تجاه جهات حكومية مثل وزارات الكهرباء والبترول .

تنبثق هذه الاستراتيجية من رؤية عامة انتمت لها عدة حكومات متتالية، لعل أشهرها ما طرحه الوزير الأخير لقطاع الأعمال بحكومة مبارك قبل ثورة يناير "محمود محيي الدين"، القادم من مؤسسة البنك الدولي ومدرستها في "الإصلاح المالي"... الإصلاح المالي لا الاقتصادي للشركات التابعة للدولة. وهو يأتي منغلقاً على الأرقام والجداول المطروحة (التي هي بدورها تحتاج لمراجعة من جهات مستقلة للتحقق من مدى دقتها وصحتها)، ومنفصلاً عن مدى تأثير سياسات عامة على نتائجها، إذا ما نظر فيها وأعيدت بلورتها لتصبح مدخلاً لإعادة الاعتبار لتلك الشركات ولدورها غير المختَلف عليه كقاطرة لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، وارتفاع ملحوظ عبر سنوات قليلة في الناتج القومي.

وفقاً لـ"استراتيجية التطوير" المعلنة، فُرزت وصُنّفت الشركات حسب أوضاعها المالية الحالية، والمتغيرات التي تؤثر على أداء القطاعات الاقتصادية التي تعمل فيها. فإما التطوير أو الشراكة أو التصفية. وانتهت أعمال الحصر إلى أن هناك 48 شركةً تسجل خسائر تبلغ 7.4 مليار جنيه.

وفي ضوء ذلك يمكن إعادة قراءة الخطوات التي اتخذتها الحكومة تجاه العديد من الشركات الكبرى على مدار السنوات الأخيرة، تحت عنوان "محاولة الإصلاح" التي انتهت بها إلى طريق مسدود أصبح معه القرار البديهي هو التصفية.

وقد شهدت ثلاث السنوات الأخيرة قرارات بإنهاء عمل ثلاث شركات كبرى.

حلوان للحديد

ما تشير إليه القوائم المالية المعتمدة بالاجتماع الأخير لجمعيتها العمومية ـ التي اعتمدت قرار التصفية ـ أن قيمة مديونياتها 6 مليار جنيه، تتوزع بشكل رئيسيّ بين شركات الغاز والكهرباء والمياه والكوك (المادة الخام الداخلة في الصناعة).

على الرغم من وضوح الأرقام، إلا أنه لا يمكن الحكم بفداحتها دون تعريف لمعنى "الخسائر"، والأسباب الحقيقية لوقوعها، والفرص الفائتة لتجنبها. هناك أولاً المفارقة المتحققة على الأرض، والتي تشير إلى نجاح مساعٍ إدارية وفنية من داخل المصنع في تحقيق ارتفاع مباشر في "المبيعات" على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، بما يؤكد أن هذه الصناعة معافاة ولكن تثقلها "المديونيات". فكيف تراكمت هذه المديونيات على الشركة المملوكة للشعب؟ وهي كذلك ديون عليها للمرافق المملوكة له. وهل سدادها يعادل التخلص من الصناعة ذاتها؟ وهل تطوير تلك الصناعة لا يسمح بسدادها؟ تلك هي الأسئلة التي خاطبت كل عقل مصري ـ بداهةً ـ مع إعلان قرار التصفية باعتباره اضطراراً لم تكن هناك رغبةٌ به.

أنشئ هذا المصنع في تموز / يوليو 1958، خلال الحقبة الناصرية. وبعد ثلاث سنوات ارتفعت الطاقة الإنتاجية من 200 ألف طن سنوياً إلى 1.2 مليون طن سنوياً، كما توسعت أصول الشركة لتصل إلى ما يقارب 3000 فدان. وعلى الرغم من ظروف الحرب والدور المشهود للمصنع فيها، زادت معدلات الإنتاج إلى 1.5 مليون طن أواخر الستينيات الفائتة، وتنوعت. وكان لضخ الاستثمارات وتوفير السيولة المادية والخامات المطلوبة وإنشاء أفران جديدة دورٌ رئيسي في تحقق هذه النقلة في الإنتاج.

____________
من دفاتر السفير العربي
كيف تشتغل الدولة المصرية؟
____________

على مدار الفترة من السبعينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن العشرين، سارت الأمور داخل الشركة بسياسة أقرب للقصور الذاتي، طالت الكفاءة المهنية والإنتاجية. وهي بدأت في التكوّن والتراكم مع الدخول إلى عصر الخصخصة بداية التسعينيات الفائتة، وتوالي حكومات تبنت سياسة "وقف ضخ الاستثمارات"، وما ترتب على ذلك من غياب الصيانة والتطوير التكنولوجي المطلوب. وبناءً عليه، تكونت الصورة الحالية من تراجع في التكنولوجيا وتهالك في الآلات، ثم جاءت القرارات المتتالية لتحرير سعر الصرف، صدور قانون يسمح بتداول أسهم شركات القطاع العام في البورصة، وبيع الكهرباء والغاز للشركات وفق الأسعار العالمية، ووقف ضخ الاستثمارات داخل الشركة، أو تقديم التسهيلات إسوةً بما يحصل عليه القطاع الخاص. تزايدت التعقيدات وأثّر ذلك على تكلفة استخراج ونقل الخامات.. وعلى الرغم من هذا، لم تتوقف المحاولات الداخلية للإنقاذ، والتي جاءت بشكل رئيسي من مهندسي الشركة من ذوي الخبرة المتراكمة على مدار السنوات.

كشف قرار التصفية عن مشكلات أخرى تتعلق بشكلٍ أو بآخر بشبهات فساد، وتخص طرق حصر وتقييم الأصول غير المستغلة وإمكانية سد المديونية ببيعها، وهو ما يسمى بالفارق بين التقييم الدفتري والتقييم السوقي. فيقول رئيس مجلس الإدارة السابق وأحد المناهضين لقرار التصفية، إنه خلال ترأسه في العام 2014/2015، قُدرت أصول الشركة وفقاً لتقييم رسمي بنحو 30 مليار جنيه مصري، في حين أن التقييم النهائي الذي طُرح على الجمعية العمومية الأخيرة جاء بنحو 3 مليار جنيه فقط.

في محاولة للإنقاذ، أعلنت الشركة القابضة التابعة للوزارة قبل خمسة أعوام عن عدة خطوات رأت فيها مدخلاً للتقييم الصحيح لأوضاع الشركة، جاء أولها يخص محاولة جدولة ديون الشركة، واستبدال طرق الدفع ببيع قطع من الأراضي والأصول غير المستغلة للدائنين. وكان على رأس هؤلاء الدائنين بنك مصر، وشركة الغاز الطبيعي. جاءت الخطوة الثانية بالتعاقد مع جهات استشارية، وطرح مناقصات شراكة بهدف الخروج بسيناريوهات تتعلق بالتطوير، والحد من الخسائر المتمثلة بسد المديونيات.

كشف قرار تصفية مصنع حلوان للحديد عن مشكلات أخرى تتعلق بشبهات فساد، كطرق حصر وتقييم الأصول غير المستغلة وإمكانية سد المديونية ببيعها، وهو ما يسمى بالفارق بين التقييم الدفتري والتقييم السوقي. ففي العام 2014/2015، قُدّرت أصول الشركة رسمياً بنحو 30 مليار جنيه مصري، في حين أن التقييم النهائي الأخير جاء بنحو 3 مليار جنيه فقط.

تشكلت حملات دفاع سياسي وقانوني ضد قرار التصفية، وعلى الرغم من الحرص الحكومي على طمأنة العمال المسرّحين حول الحصول على كافة حقوقهم المادية، فقد كان يوم الإغلاق وتعليق لافتة النهاية ساحةً للوجع المفتوح، دفع العمال للتجمهر والتظاهر، وانتهى بالقبض على بعضهم قبل شهرين من الآن. 

حصلت شركة الحديد والصلب المصرية على العديد من العروض العالمية والمحلية بهدف التطوير، بعضها روسية وأوكرانية، وهي تحمل خصائص مشتركة أهمها تحمّل تكلفة تشغيل خطوط الإنتاج وعمليات التطوير كاملة. وقد خرجت للنور أيضاً أوراق مرفقة، سبق وقدمت لـ"القابضة للصناعات المعدنية" ووزارة قطاع الأعمال في تشرين الثاني/ نوفمبر، وتحمل توقيع رئيس مجلس إدارة سابق للمصنع وعدد من مهندسي الخبرة، وهي أقرب لتحليل الوضع القائم، وتقديم رؤية حول العروض المطروحة ومدى ملاءمة كل منها، وإمكانات الاستفادة التي رأتها الورقة عاليةً، إضافة إلى مناشدة من مهندسي وعمال الموقع لرئيس الجمهورية بعد صدور قرار التصفية، يطالبونه بالتدخل وتحمّل الدولة لأعمال التطوير من منطلق وديعة تسدد بفوائد، وغيرها من الأفكار والأطروحات التي جاء قرار التصفية ليمحو أثرها جميعاً.

تشكلت حملات دفاع سياسي وقانوني ضد قرار التصفية، ورغم الحرص الحكومي على طمأنة العمال المسرحين حول الحصول على كافة حقوقهم المادية، فقد كان في يوم الإغلاق وتعليق لافتة النهاية ساحة للوجع المفتوح، دفع العمال للتجمهر والتظاهر، وانتهى بالقبض على بعضهم قبل شهرين من الآن.

تحركات متضاربة لا تزال قائمةً ما بين تصريحات حكومية جاءت قبل شهرين من تلقي عرضٍ من مستثمر مصري مقيم بالخارج من أجل طرح حلّ وشراكة جديدة، لم يتم إعلان نتائج التفاوض حتى الآن رغم مرور ما يزيد عن شهرين، وعليه ما زالت الأمور ضبابيةً وتثير مخاوف الأغلبية خاصةً في ظل ما أعلنته هيئة المجتمعات العمرانية التابعة للدولة من بدء تخطيط أراضي الشركة (تبلع 6 مليون متر جزء كبير منها يطل على ضفاف النيل) استعداداً لطرحها كمشروعات سكنية.

الدلتا للأسمدة

في نيسان/ أبريل 2021، أعلنت وزارة قطاع الأعمال العام تراجعها عن نقل مصانع "شركة الدلتا للأسمدة" التابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية من موقعها الحالي بمدينة طلخا في محافظة الدقهلية إلى محافظة السويس. وكان ذاك يخص قرار الدمج الذي صدر نهاية العام 2020، واعتبره العاملون (2500 عامل) والفاعلون بالعمل العام أشبه بقرار تصفية لشركة ذات إنتاجية هامة ومؤثرة داخل محافظات الدلتا المصرية، القائمة على النشاط الزراعي بشكل رئيسي. هذا وكان تقرير مالي حديث صادر عن إدارة الشركة نهاية العام 2019 قد أشار إلى أن حجم صادراتها من الأسمدة المختلفة بلغ 30 مليون دولار في 9 أشهر. غير أن التقرير قد ذكر أيضاً أن هناك دراسات تجرى لبحث تطوير الشركة بتكلفة تزيد عن 3 مليارات جنيه، للتغلب على خسائر متلاحقة منذ سنوات. وكانت كلمة السر من جديد هي "المديونيات" للجهات الحكومية والمرافق التابعة للدولة.

مقالات ذات صلة

كانت بداية قرار التوقف قبل عام بالتمام على قرار الاستئناف، وذلك بعد تعرض المصنع لحريقٍ هائل أدى إلى إغلاق المصنع لشهور، ومن ثم اجتمعت الجمعية العمومية لاتخاذ قرار نقل وحدات المصنع الصالحة للتشغيل إلى مصنع آخر بمدينة السويس.

جاء رد فعل العمال سريعاً بالاعتصام في مقر المصنع، وهو الاعتصام الذي شمل مشاهد قاسية منها اقتحام منازل 5 عمال، وترويع أهلهم مما اضطر العمال لتسليم أنفسهم لقوات الأمن وتعرضهم للسجن والاعتداء الجسدي.

أعلنت وزارة قطاع الأعمال العام تراجعها عن نقل مصانع "شركة الدلتا للأسمدة" التابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، من موقعها الحالي بمدينة طلخا في محافظة الدقهلية إلى محافظة السويس. قرار "الدمج" الذي صدر نهاية العام 2020 اعتبره العاملون (2500 عامل) والفاعلون بالعمل العام أشبه بقرار تصفية شركة ذات إنتاجية هامة داخل محافظات الدلتا المصرية، ذات النشاط الزراعي بشكل رئيسي.

شمل قرار التراجع القبول بما سبق وإن عرضته لجان مستقلة حول إعادة تدوير الأصول، واستغلال مساحة الأرض الشاسعة في سداد المديونيات المتراكمة. فمثلاً تقرر استغلال مساحة 62 فداناً من إجمالي أرض الشركة البالغة نحو 299 فداناً في إقامة مشروع سكن بديل للعشوائيات. ليس هذا فقط، بل وجهت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية التابعة للوزارة الدعوة لـ10 بيوت خبرة عالمية متخصصة في صناعة الأسمدة للمشاركة في تقييم الحالة الفنية للشركة، وذلك إحياءً لمناقصة عالمية للتطوير كان قد تم طرحها ثم إلغاؤها قبل قرار النقل.

فهل الأمر فقط يتعلق بصمود العمال، وحملات الضغط السياسي التي لم تعد تملك إلا مساحات التواصل عبر الإنترنت؟ إذا لم يكن من الممكن الجزم، فلا يمكن التقليل من حجم تأثير موقف العمال بشكلٍ خاص، والوعي العام الذي قام بطرح حلول بديلة لما فنّدته الوزارة عن أسباب الإغلاق.

في تقرير صحافي بعنوان "كواليس إلغاء"، ذكر من وصف بـ"مصدر مطلع"، أن مقترح نقل مصنع الدلتا للأسمدة إلى السويس، جاء بشكل رئيسي وفقاً لرغبة الحكومة في استغلال أرضي المصنع في إنشاء مشروعات إسكان بديلة للعشوائيات، وهو السبب نفسه لإلغاء المقترح بعد توفير أرضٍ بديلة.

القومية للأسمنت

"خرسانة الدولة آيلة للسقوط" هكذا جاء عنوان تحقيق صحافي نُشر منتصف العام 2016 حول شركة "القومية للأسمنت"، وقبل عامين من صدور قرار بتصفيتها، وذلك باعتبارها الأخيرة التابعة للدولة في هذا المجال، بعد أن خصخصت أغلب الشركات، وترك السوق مفتوحاً أمام أباطرة القطاع الخاص، مما تسبب في اضطراب غير مسبوق في أسعار مواد البناء في مصر، واحتكارها من جانب بعض الجهات على مدار سنوات طويلة.

أكد تقرير مجلس إدارة الشركة عن تلك السنة المالية أن سوق الأسمنت في مصر يتعرض إلى اضطرابات متعددة بسبب حالة الركود الموجودة في سوق الاستثمار العقاري، وأرجع هذا الركود إلى الأحداث التي تمر بها البلاد، والتي كان لها الأثر المباشر على الحركة العمرانية، خصوصاً شركات المقاولات الكبرى.

أقرت تصفية الشركة "القومية للأسمنت" في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بعد 62 عاماً من فتح أبوابها وتشغيل أفرانها. قالت اللجان الوزارية المختصة إنها اتبعت إجراءات للإصلاح وضخ الأموال بلغت نحو 1.2 مليار جنيه. وعلى الرغم من هذا، لم تتحقق أي نتائج إيجابية. بينما بقي التساؤل يتعلق بكيفية انتقال الحال بالشركة التي حققت 322.7 مليون جنيه أرباحاً في العام 2009. 

لم يكن هذا هو السبب الوحيد بالتأكيد، وهو ما أشار إليه القائمون على الشركة أنفسهم التي تعتمد على الغاز الطبيعي في الإنتاج، بينما السوق المحلي والقطاع الخاص ينتهج كله استخدام "الفحم"، مما يحقق فارقاً هائلاً ما بين التكلفة وسعر البيع، فقال رئيسها آنذاك: الفرق بين استخدام الغاز والفحم، يصل لـ 80 جنيهاً في تكلفة الطن الواحد، أي أن استخدام الفحم بديلاً عن الغاز، مثل أي منافس من القطاع الخاص، سيحقق وفراً بنحو 240 مليون جنيه، خاصةً أن "القومية" تنتج 3 ملايين طن أسمنت وتحصل على الغاز الطبيعي بالسعر العالمي. كما تحدث عن أثر العمالة غير الفاعلة.

وصلت المديونيات نهاية ذلك العام إلى 120 مليون جنيه، وهو الرقم الذي تحول لإنجاز حيث جاء بدوره نتيجة سعي إداري لسد مديونية أعلى كانت وصلت إلى 282 مليون جنيه، وذلك بتكثيف النشاط وحده دون التطرق لبيع الأصول. وعلى الرغم من هذا مرَّ الوقت سريعاً وجاء قرار التصفية.

أقر حل الشركة وتصفيتها وتعيين مصفّ عام لها في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بعد 62 عاماً من فتح أبوابها وتشغيل أفرانها. قالت اللجان الوزارية المختصة إنها قد اتبعت إجراءات للإصلاح وضخ الأموال وصلت إلى نحو 1.2 مليار جنيه. وعلى الرغم من هذا، لم تتحقق أي نتائج إيجابية، بينما بقي التساؤل يتعلق بكيفية انتقال الحال بالشركة التي ـ وفق بيانات الحساب المالي ـ حققت 322.7 مليون جنيه أرباحاً عام 2009، لتصل بعد أقل من عشر سنوات لهذا الطريق المسدود.

قال المسؤول عن أعمال التصفية، إنه أتم تجزئة وبيع 50 في المئة من ممتلكات الشركة بقيمة 265 مليون جنيه، بينما أعلنت الوزارة أن حجم التعويضات التي صرفتها للإدارة والعمال المسرحين بلغت 270 مليوناً. فهل تحتاج الأرقام لشرح؟

ما أشبه اليوم بالبارحة

هل كانت كل السبل قد تقطعت بتلك الوزارة الأشبه بالمدير المالي؟ وهل ستكمل في طريقها بعد التجارب الثلاث ونتائجها؟ عقب الغضب السياسي والشعبي على بيع مصنع حلوان، خرج الوزير في عدد من اللقاءات التليفزيونية يدافع عن منطقه، وأكد من جديد "أن هناك خططاً لعمل شركات قطاع الأعمال الخاسرة لتتحول من الخسارة إلى الربح خلال 3 سنوات، وإن لم تستطع الكسب فسيتم إغلاقها".

تقول استراتيجية الوزارة أيضاً إن الإغلاق لا يعني خسارةً كاملة، ولكن إعادة توجيه أموال التصفية من أجل إثراء قطاعات أخرى في الصناعة، بل قد تكون شركات في المجال نفسه لتلك التي خضعت للإغلاق نتيجة تأزم أحوالها. فما أشبه اليوم بالبارحة؟!

خرجت ترسانة من الأقلام لتعيد التذكير بما كان، وما تصدت له على مدار الخمسة والعشرين عاماً الماضية ولا يزال مستمراً. تقول الكاتبة الاقتصادية "أميمة كمال" في مقالٍ لها نشر عقب قرار تصفية "الشركة الأولى" على يد هذا الوزير: "اختلف مع من ينتقد تصريحات وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق ويصفها بالصادمة. فليس هناك أيُّ صدمة، إنها صورة طبق الأصل من روشتات سابقة. ولكن ما صدمني أن الوزير لم يطلعنا على النتائج الكارثية التي ظهرت على أرض الواقع، بعد تنفيذ الوصفات نفسها في زمن "نظيف" آخر رئيس وزراء خلال حكم مبارك. الحقيقة أن الحكومة وقتها كفاتح للشهية قامت بتنفيذ 18 عملية بيع أراضٍ وأصول غير مستغلة في الشهور الثلاثة الأولى من عام 2005/2006 . وكانت هذه الصفقات تعادل ثلاثة أضعاف ما تم بيعه خلال العام السابق بأكمله. وخلال الأعوام التي تلت 2004 وحتى 2009 بلغت حصيلة بيع الشركات، والأراضي والأصول غير المستغلة، ومساهمات المال العام في الشركات المشتركة، 38 مليار جنيه. وهو ما اعتبرته الحكومة إنجازاً هائلاً طبقاً لتقرير "أداء وزارة الاستثمار". ولكن هل نجحت تلك الروشتة في إصلاح الحال المائل لقطاع الأعمال؟ التقرير ذاته يذكّرنا بأن ما تم صرفه على الإصلاح الفني والإداري وحل الاختناقات المالية لمدة 6 سنوات انتهت في 2010 لم يزد عن 3.8 مليار جنيه. وعلى برنامج إصلاح الغزل والنسيج 457 مليون جنيه. والمعاش المبكر 2.7 مليار جنيه من صندوق إعادة الهيكلة. أما بقية الحصيلة فقد تم صرفها على تطهير مصرف كتشنر بكفر الشيخ، وتوسيع كوبرى قليوب، وإنشاء كوبري قرية الأحايوة بالصعيد".

***

لا يزال القوس مفتوحاً، وما حدث فغالباً سيحدث طالما الرؤية ذاتها قائمة. 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...