رداءات مختلفة للون واحد

شهدت مصر خلال الشهر المنقضي الانتخابات البرلمانية التي تمثل الاستحقاق الانتخابي الثالث للسلطة الحالية، تالياً لاستحقاقي التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية، بفاصل زمني يجاوز العام عن الاستحقاق الأخير. أُجّل هذا الإجراء مرة عما أعلن أولاً في خارطة الطريق (تموز/ يوليو 2013) التي ورد فيها أنه سيكون تالياً للتعديلات الدستورية بفاصل ستة أشهر، ثم مراراً على يد الرئيس السيسي الذي مثل طوال فترة
2015-11-12

بسمة فؤاد

باحثة من مصر


شارك
أمجد رسمي-الأردن

شهدت مصر خلال الشهر المنقضي الانتخابات البرلمانية التي تمثل الاستحقاق الانتخابي الثالث للسلطة الحالية، تالياً لاستحقاقي التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية، بفاصل زمني يجاوز العام عن الاستحقاق الأخير. أُجّل هذا الإجراء مرة عما أعلن أولاً في خارطة الطريق (تموز/ يوليو 2013) التي ورد فيها أنه سيكون تالياً للتعديلات الدستورية بفاصل ستة أشهر، ثم مراراً على يد الرئيس السيسي الذي مثل طوال فترة غياب البرلمان رأساً للسلطتين التشريعية والتنفيذية، فأصدر ما يجاوز الثلاثمئة قانون بقرارات جمهورية، وهي المزمع مراجعتها - وفق الدستور- كأولى مهام المجلس الجديد خلال الخمسة عشر يوما الأولى من الانعقاد.

قوانين الانتخابات

كان إجراء تعديلات وإصدار قوانين جديدة لتنظيم الانتخابات أحد أسباب التأجيل، وقد شملت التعديلات توسيع صلاحية الرئيس بتعيين ما نسبته 5 في المئة من أعضاء البرلمان (28 عضواً)، كذلك تم تغليب نسبة مرشحي الفردي على القوائم، بإتاحة 448 مقعداً للفردي (80 في المئة) مقابل 120 للقوائم (20 في المئة)، وقد قال "المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية"، في ورقته بعنوان: "الانتخابات البرلمانية في مصر: ضعف الأحزاب وضعف البرلمان" الصادرة في مطلع 2015 إن "ما سنّته الحكومة من قوانين انتخابية جديدة سيقلل من فرص الأحزاب السياسية بشكل عام - والأحزاب السياسية المعارضة على وجه الخصوص - من الحصول على عدد مناسب من المقاعد في البرلمان، ما يمكن اعتباره تعمداً لإعاقة الأحزاب السياسية من لعب دور هام في البرلمان. بدلاً من ذلك، كان ينبغي إيلاء الأولوية لإدراج جميع القوى السياسية في العملية الانتخابية وتعزيز دور الأحزاب السياسية".

المرشحون

لذلك اتخذت بعض الأحزاب مثل "حزب الدستور" و "مصر القوية" و "الوسط" وبعض التكتلات السياسية مثل "صحوة مصر" و "حركة 6 أبريل" وغيرهما قراراً بعدم المشاركة. إذ بدا واضحاً أن تخصيص النسبة الأكبر من المقاعد لمصلحة مرشحي الفردي قد حسم الانتخابات مبكراً للأغنياء ورجال الأعمال وذوي القدرة المالية ممن يستطيعون الإغداق على حملاتهم الدعائية لكسب أصوات الناخبين. ومع ذلك خاض الانتخابات بعض المستقلين ممن يعولون على ضرورة السعى والتمسك بالأمل في الإصلاح والإيمان بإمكانيته. ويعتمد هؤلاء على سُمعتهم الشخصية في دوائرهم الاجتماعية المحيطة، حتى أن بعضهم لا يملك سوى بعض اللافتات الدعائية البسيطة وأوارق الأبيض والأسود التي تحمل لهم صوراً مشوشة ورؤى ووعوداً مختصرة. فيما ضمت القوائم خليطاً متجانساً من الرموز والأحزاب السياسية المتضامنة على موالاة ودعم ومساندة الرئيس من خلال البرلمان. هكذا تعلن القائمة الأهم، "في حب مصر"، أنها تدعم الرئيس بلا رجعة! من جهة أخرى، بدت صور مرشحي حزب النور السلفي النشاز الوحيد في المشهد المتجانس، خاصة مع اختفاء الإخوان المسلمين عن المشهد السياسي، وعمَّق النشاز ما أوجبه القانون من ضرورة تضمين القوائم عدداً محدداً من المسيحيين وآخر من النساء، ما جعل الحزب ذا المرجعية الإسلامية المتشددة يبدو متخاصماً مع نفسه. وهو على كل حال مُني بهزيمة كبيرة في هذه الانتخابات، على الرغم من اشتغاله في الفترة الماضية كـ "الحجة الإسلامية" المؤيدة للسلطة بالضد من الإخوان.

الدعاية الانتخابية

استخدم رجال الأعمال قنواتهم المرئية والمقروءة للضغط على الناخبين وتوجيههم لضرورة المشاركة في اختيار نواب البرلمان، فيما اكتسى الشارع المصري بعدد غير محدود من اللافتات التي تحمل وجوه المرشحين الباسمة ورموزهم وأرقامهم المتباينة، وجَوَّد بعض المرشحين دعاياتهم بالسيارات التي تجوب الشوارع وهي تصدح بأغنيات في حب مصر ("خدِت ايه مصر بسكوتك.. متستخسرش فيها صوتك")، مع إعلاء صورة المرشح. هكذا غالباً لم يتوفر للناخب سوى الحث الضاغط عليه بضرورة المشاركة والاختيار، بينما هو ربما لا يعرف عن كل مرشح سوى صورته الباسمة، وإن أسعف الناخبَ حظُّه فقد يقع على ورقات الدعاية التي تتضمن برنامج بعض المرشحين ووعودهم، وإن كان أوفر حظاً فقد ينال بعضاً من الهدايا العينية أو السلع الاستهلاكية التي يصرفها بعض المرشحين لشراء أصوات أكثر. ورغم ثبوت انتشار السبل غير الشرعية للدعاية الانتخابية وشراء الأصوات بالمال، إلا أن الفتوى "بأن مقاطع الانتخابات آثم" كانت من أشد صور الدعاية الانتخابية قبحاً، إضافة لما رافقها من ترهات حول تغريم مقاطعي الانتخابات 500 جنيه مصري! وعلى الرغم من ذلك، كان الإقبال ضعيفا للغاية. فبالمحصلة الإجمالية، لم يدل بأصواتهم سوى 21.7 بالمئة ممن يحق لهم التصويت في نهاية المرحلة الأولى (أكثر قليلا من 27 مليون ناخب فى الأربع عشرة محافظة المعنية بهذه المرحلة).

الناخبون

على عكس التجانس شبه التام الذي وصم مرشحي البرلمان، تباين الناخبون حول رؤية البرلمان وتقييم دوره وموقفهم من التصويت فيه، وانطلقت السجالات التي لم تجد براحاً إلا في فيسبوك، بين الزعم بـ "أنها محض مسرحية هزلية لا تعبر عن الشعب بل تُكمل الديكور الديموقراطي الهش الذي يتزين به النظام"، أو أن "المشاركة واجب وطني، وهي إجراء سياسي إيجابي جدير بمنظري فيسبوك الانضمام إليه بدلاً من كثرة الكلام والتنظير".. ربما بين هذا وذاك تأرجحت مواقف الشباب والمهتمين بالشأن العام. أما الناخبون البسطاء الذين لا يعرفون فيسبوك، فهم في الأغلب ربما كذلك لا يعرفون معنى البرلمان ولا المهام المنوطة به، ولا يفرقون بين نظم الانتخابات ولا أفضلية القوائم على الفردي ولا غير ذلك. جسدت صورة واضحة لذلك السيدة المسنة التي ذهبت للجنتها الانتخابية بمدرسة إمبابة الثانوية لتصرح: "أنا عايزة انتخب السيسي"، بينما نبهها الموظف "انتخاباته خلصت من زمان.. ديه انتخابات البرلمان"!

المشاركة

انخفضت نسب المشاركة حسب ما رصدته وتناقلته وسائل الإعلام لأقل من 2 في المئة في اليوم الأول من المرحلة الأولى. قوبل انخفاض نسبة المشاركة برسائل عتاب وتحذير حادة، خاصة للشباب الذي ــ وفق اللائمين ــ لا يعي المصلحة ولا يُعْليها. لذلك ارتفعت نغمة أنّ عدم مشاركة الشباب تسحب منهم حق الاعتراض على أي شيء مستقبلاً (كأن حق الاعتراض مكفول للمشارك!). من جهة أخرى رأى البعض أن ضعف المشاركة سيزعزع قوة البرلمان ويقدح في قدرته على التحدث باسم الشعب، مما سيصب في مصلحة السلطة. بصفة عامة، كان خواء اللجان دليلاً على استعادة حالة السبات العميق للسياسة التي انتعشت بنسمات التغيير التي حملتها ثورة يناير 2011. الآن يبدو المشهد عائداً لما كان عليه. ربما سنعود لمتابعة بث جلسات مجلس الشعب التي تمتد لساعات، ثم تنتهي بـ "طُرفة" الموافقة الجماعية على إملاءات السلطة. كذلك تتوقع الورقة المشار إليها أعلاه: "من المرجح أن يكون البرلمان القادم ضعيفاً، خاصة بالنظر إلى حجم الانقسامات والخلافات الداخلية بين الأحزاب العلمانية، وتشرذم وضعف الإسلاميين إضافة لضعف التيار المدني الديموقراطي، الأمر الذي من شأنه زيادة قوة السلطة التنفيذية، بما يتجاوز الإطار الذي يرسمه لها الدستور والقانون".
انتهت المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان. وعلى الرغم من كل التكهنات الراسمة لمساره كأداة للسلطة لفرض سطوتها على الشعب، فما زال أملٌ عالقٌ يردد "أن الشعب مصدر السلطات"!


وسوم: العدد 168

للكاتب نفسه