منى مينا: الحالمة التي لا تعرف المستحيل

تشير منى بصوت عالٍ إلى منافذ النهب والفساد المالي المستقرة في قطاع الصحة، لذلك استحقت أن تكون عضواً ثم أميناً ثم وكيلاً في نقابة الأطباء، وبذلك فهي أول امرأة تتولى منصب أمين عام نقابة الأطباء عام 2013 منذ تأسيسها في 1920. ولكونها "امرأة قبطية"، فهي تخبر جيداً على الأقل "قضايا" زاويتين من زوايا المثلث البائس "الأقليات والنساء والفقراء" الذي تعايشه المجتمعات.
2016-03-10

بسمة فؤاد

باحثة من مصر


شارك
وسماء الآغا - العراق

للحق قوة، على الرغم من ندرة تلك اللحظات التي ينتصر فيها الحق بقوته الذاتية، كنتيجة حتمية يفرضها ببساطة منطقه واتساقه مع الفطرة السليمة. لكن ألِلحق جمال؟ إن أردتَ إجابة فلتنظر إلى الطبيبة المناضلة منى مينا. ستخبرك صورة وجهها الباشة بـ "نعم" وهي تستمع لمحاوريها، ثم بصوت رقيق حاسم تفصل الأمر بردود لا تعرف المواربة، على قدر منطقية طرحها تُشعِرُك أنها تتحدث بلغة البداهة، تقولها واضحة: "إحنا مش بنطلب حتّة من السما.. مطالبنا بسيطة.. اللي غِلط يتحاسب"، فهل هناك أوضح وأبسط وأحق من ذلك بياناً؟ ما أحصده من متابعة مينا ليس الوعي بما تطرحه أو الاقتناع بقبول الانحياز إليه، بل متعة معاينة الجمال، "جمال الحق". ببساطتها وتلقائيتها، ترد مينا معادلة الخير والشر إلى أصلها الذي تصوره الأفلام الحالمة، حيث ينتصر الخير برقته وبراءته وحكمته على الشر ببطشه وقهره وظلمه.

التميز النقابي

منى مينا هي طبيبة أطفال مصرية وناشطة حقوقية، لها تاريخ حافل في الدفاع عن حقوق الأطباء والاشتباك مع مشكلات القطاع الصحي والطبي في مصر. تنادي دوماً بضرورة رفع ميزانية الصحة في الموازنة العامة للدولة، وضرورة تأمين المشافي، كما تشير بصوت عالٍ إلى منافذ النهب والفساد المالي المستقرة في قطاع الصحة، لذلك استحقت أن تكون عضواً ثم أميناً ثم وكيلاً في نقابة الأطباء، وبذلك فهي أول امرأة تتولى منصب أمين عام نقابة الأطباء عام 2013 منذ تأسيسها في 1920. لمعت مينا كنقابية جادة لها دور بارز في المعارك التي تخوضها النقابة لانتزاع حقوق أفرادها، وهي تشرح لوسائل الإعلام قضيتها ببساطة مجتهد أعياه التمحيص حتى توحّد مع قضيته. لذلك تصوغ مطالبها في نقاط مفصلة بلغة واضحة كالشمس. أثرت مينا كأم في نفوس كثير من شباب الأطباء، وتُرجم ذلك إلى صفحة فايسبوكية باسم "د.منى مينا الأم المثالية لشباب الأطباء". ربما لن تُخطئ حس الأم وروحها إن استمعت إلى كلمة مينا في دعوة الأطباء للحضور في الجمعية العمومية الطارئة التي عقدت مؤخراً في 12 شباط/فبراير 2016: "عايزين موقف قوي لكل الأطباء مع نقابتهم.. الشطارة إننا نركز على موضوع واحد. عايزين نوضح أد إيه الأطباء دول ناس متحضرين أذكياء محدش يقدر يشتتهم، محدش يقدر يفتح أي صراعات بينهم".

عصيّة على التلون

منذ "يناير 2011" وحتى الآن، لم ينجُ من التلون إلا القليل، صُكّ هذا وصفاً لكل من انقلب على ما كان يُنادي به. كثيراً ما كانت المصلحة سبباً للتلون، فحيثما كانت ذهبوا، بينما الأكثر كان التلون النابع من الجهل، من عدم وضوح الأهداف، وعدم رسوخ المبادئ، رغم أن ثورة يناير تلك كانت ساعة "بدء الحساب الجماهيري" لكثير من الرموز الاجتماعية والسياسية، إلا أن رصيد منى من العمل النضالي السابق على يناير جعل منه ومما بعده بداية لـ "النجومية" الثورية والحقوقية للطبيبة المناضلة. لذلك فلتت مينا من هذا الوصم الذي أجهز على رموز كثيرة، فقدمت نموذجاً للناشط السياسي والحقوقي المجافي للشعارات الرنانة والتنظيرات المعقدة. لم تتلون لأنها لم "تتقمص" دور المناضل، فلم تتطفل بتصريحات ومواقف عنترية على كل القضايا الساخنة حولها، ما فقهت منها وما لم تفقه. آمنت بقضيتها التي تعرفها تماماً، فكان شغلها الشاغل حال الصحة وحق الطبيب ومن ثَمَّ حق المريض. حتى لما شاركت مع جموع المصريين في يناير 2011، مباشرة اتجهت إلى دعم إنشاء مستشفى التحرير الميداني. هكذا تكتب الطبيبة "روشتة" للنضال ترتبط باستثمار وتوظيف معارف المناضل وتعتمد على تنميتها، تتكئ عليها وتتفرع منها. وعلى الرغم من الطفرة التي شهدتها مصر في تغيّر قيادتها السياسية، إلا أن بقاء القضايا الكبرى مثل الصحة والتعليم على ما هي عليه، أبقى منى كذلك على ما هي عليه، المناضلة الجسورة. فكان ثباتها بمثابة إجبار لخصومها على الهذيان، فهي "مبعوثة الكنيسة لإسقاط الرئيس مرسي" كما قيل عنها في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، بينما هي اليوم مرشحة للتهمة الأكثر رواجاً في مصر "لها ميول إخوانية"!

بؤرة للالتفاف

ربما لم تسعَ منى مينا لأن تمثل بؤرة جذب ونقطة لالتفاف أطياف جماهيرية مختلفة حولها، إلا أن سيرتها ومسيرتها حققت لها ذلك، فهي تُستدعى كأيقونة نسوية ثرية تلخص الرسالة الأهم: "المرأة تستطيع"، ليس فقط أن تستقل وتنجح لكن أن تكون زعيمة وقائدة وملهمة. وربما كذلك تمثل سيرتها ضغطاً مُلحاً للمراجعة لهؤلاء الذين ما زالوا يرفضون الأدوار القيادية للمرأة، من زاوية أخرى يستدعيها بعض الأقباط في صفحاتهم الفايسبوكية ومواقعهم الإلكترونية متابعة واحتفاء "أن من بيننا خرجت منى مينا". رغم مشروعية هذا وذاك، إلا أن الأولى بمينا هو أن تحسب كعلامة مشرقة في تاريخ النضال الإنساني المجرّد، إذ يتبين المتابع لسيرتها أن انحيازها لم يتجه أبداً إلى طائفة محددة أو نوع بذاته. بل هي انحازت للحق أياً كان صاحبه، تهمّ لنصرة المظلوم وبجسارة تساعد المحتاج من دون أية اعتبارات طائفية، لذلك فقد رفضت التصديق على وجود فتنة طائفية في مصر، وتبنت وجهة أنه مجرد افتعال للفتنة. ربما تلك أحد أهم كراماتها، إذ بطبيعة الحال، ولكونها "امرأة قبطية" فهي تخبر جيداً على الأقل "قضايا" زاويتين من زوايا المثلث البائس "الأقليات والنساء والفقراء" الذي تعايشه المجتمعات.

منى الزوجة

في المجتمعات الشرقية، يحرق الفضول الأنفس ولا ينطلق الخيال المكبوح ليسعفها، لتتصور الوجه النسوي للمرأة المناضلة. كيف يراها زوجها؟ وكيف يتقبل قراراتها التي قد تعرّضها والأسرة للمخاطر؟ كيف يكون خلافهما؟ أسئلة كثيرة قد تشغف الأذهان التي لم تعتد صورة المرأة المستقلة. يجيب المهندس سعيد أبو طالب، زوج د. منى مينا: "تزوجنا ونحن نعمل بالسياسة، أنا كنت أنشط في مدينتي وسط يساريي السبعينيات من القرن الفائت، وهي كذلك كانت ناشطة طلابية. وأول مرة يُقبض عليها في قضية اقتحام هندسة عين شمس لمدة 24 ساعة - على ما أذكر. تعارفنا بعدها وتزوجنا في العام 1980 وهي طالبة في كلية الطب وكنت أنا قد تخرجت (1979) في هندسة عين شمس. أشجعها وأخاف عليها.. هو دائماً مزيج من اختلاط المشاعر، وهي دائماً تشاورني مثلي مثل زملائها المقربين في "أطباء بلا حقوق" ولي لديها وضع خاص كزوج وحبيب وناشط سياسي. تتقبل في الأغلب آرائي باحترام وتفهم، ولكن أحياناً نختلف، وقد يصل الخلاف إلى حدود شديدة نسبياً ولكننا سرعان ما نعود لنتفاهم. مثلاً، فقد أيدتها بداية في قرارها بالاستقالة بعدما انتخبت أميناً عاماً في نقابة الأطباء، ولكن عندما أحسست بحزنها الشديد بسبب احتمالية رجوعها عن الطريق الذي رسمته لنفسها، تراجعتُ وظللت ألح عليها حتى تراجعتْ". ويضيف: "منى كأم تعشق سلمى وشادي، وتكون كالطفلة معهما، ولا تظهر شجاعتها الفائقة إلا إذا أصاب أحدهما مكروه".

إنّ ما اجتمعت عليه الأقلام الصحافية من أوصاف مثل "قديسة الأطباء" و "سيدة مصر الأولى" و "مسيح التحرير".. كلها تشي بأحد أسرار السيدة التي تترك انطباعاً حميماً في نفوس متابعيها، يتخطى التأثير على العقل لينفذ وبعمق إلى الروح. 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه