بفناء واسع ونظيف لحد يفوق المعتاد، تقف عينة من التلاميذ الشبان بزىٍ رياضي، متراصين بانتظام في طوابير متوازية، ومحاطين بعينة مختارة من المعلمين، وفي المنتصف بالأمام يقف وزير التربية والتعليم بملابس "سبور"، والصورة تُكمل الخبر أعلاها قائلة إن "الوزير يُطلق فعاليات النشاط الصيفي في المدارس الحكومية". وفي المتن حكايا عن ماراثون رياضي تم به الافتتاح، وسبقته كلمة للوزير "ناشد" فيها التلاميذ بالإقبال على النشاط الصيفي و"شدد" على أهمية ممارسة الرياضة. الحقيقة المتأصلة عبر السنين ترسم صورة مغايرة، حيث تمثل الإجازة الصيفية فترة الاستجمام التي يتحينها المعلمون والتلاميذ على حد سواء للاستراحة من "صداع" الأجواء التعليمية، فتبدو المدارس خاوية إلا من عينة من المعلمين ينوب الحاضر منهم عن الغائب، وإن بصفة غير رسمية، إضافة إلى أن بعض المدارس تستأجر - بصفة رسمية - كمصايف، خاصة في بعض المدن الساحلية. وعلى أية حال فواقع الأنشطة المدرسية وأهميتها لا تُخص الإجازة الصيفية. ومع بدء العام الدراسي الجديد، يثار الموضوع، كما كل عام، فيما يبقى واقعه على حاله من السوء.
منظومة شكلية
تتنوع الأنشطة المدرسية بين الزراعي والصناعي والفني والثقافي والرياضي .. إلخ، وهى إذ تمثل بتنوعها ثراءً في المعارف والمهارات الإنسانية التي تتيح لكل تلميذ أن يختار ما يناسب ميوله ويقابل خصوصيته، فإنه كثيراً ما تنتهي صراعات تقسيم العمل بين المعلمين بإجبار التلاميذ على الانتماء لنشاط معين، ليتساوى التوزيع العددي للتلاميذ على معلمي الأنشطة الاختيارية! ومن جهة أخرى، ورغم ما تحظى به الأنشطة المدرسية من هيكل تنظيمي متعدد المستويات، تلاحقه النشرات الوزارية المتوالية بالحذف والإضافة بُغية التعديل، إلا إن عدم تخصيص وقت محدد أثناء اليوم الدراسي لممارسة بعض الأنشطة (الاجتماعية والعلمية والدينية)، يجعل تفعيلها مرتبطاً بالتطفل على حصص المواد المعرفية، الأمر الذي ينأى بمعظم التلاميذ المتفوقين عن الإقبال على مثل هذه الأنشطة، كما أن غياب محددات واضحة لتقييم أداء التلاميذ في النشاط تجعل درجات النشاط تتفاوت في استحقاقها طبقاً لتفاوت تقديرات المعلمين، حتى أنها قد تستحق بمقابل شراء طباشير للمعلم! لذلك، ونظراً لهول الفراغ الذي آل إليه المحتوى الواقعي لحصص النشاط، جرت عادة يتطفل فيها المعلم الجاد على حصص النشاط، باعتبارها "حصص فاضية" لإسعاف منهجه المتضخم، الأمر الذي قد يفسر الشطحات السلوكية لبعض التلاميذ إزاء معلميهم في ظل الكبت الذي تمثله المدرسة مع غياب الأنشطة.
ومع ذلك، فإنه تبعاً للعادة المصرية تبقى السياسات الشكلية للتفعيل بلا مساس، إذ تقتصر غالباً على الخطط المسجلة على الورق المتمم بالأختام والتوقيعات اللازمة والموضوع في الأدراج تحسباً للتفتيش، ذلك بحسب ما كشفته عينة عشوائية من المعلمين.
.. امتداد العلل
بصفة تامة تنطبق عوامل إخفاق النهضة التعليمية في مصر على معوقات تفعيل الأنشطة المدرسية، إلا أن بعض العوامل تبدو أكثر لمعاناً فيما يخص الأنشطة، أهمها غياب الوعي الكافي بأهمية النشاط ومردوده على التلاميذ، كذلك انخفاض كفاءة وانتماء معلمي الأنشطة للعمل، خاصة مع غياب الدروس الخصوصية في مجالات الأنشطة، الأمر الذي غالباً ما يدفع بالمعلم لعمل إضافي ليسد حاجته، بينما تنتفي الصلة أحياناً بين المعلم وما يُدَرٍسه، مثل معلم التربية الرياضية فاقع البدانة، والذي لا يمت للرياضة بأى صلة تسمح له بقيادة التلاميذ لممارسة الرياضة. ذلك بالإضافة إلى انخفاض ميزانية الصرف او انعدامها التام، كما حدث في العام الدراسي المنصرم (2013-2014) على إثر قرار إلغاء المصروفات المدرسية، التي تمثل مصدر التمويل الوحيد للأنشطة المدرسية، حيث لا تُخص ببند مستقل في الميزانيات المركزية، الأمر الذي يعوق تفعيل الأنشطة على نحو بالغ نظراً لاختلاف طبيعتها عن المواد المعرفية، وكون الأولى تعتمد على توافر ميزانية لتنظيم الرحلات وشراء الادوات والخامات اللازمة. كذلك فإن غياب التقييم الجاد للأنشطة يضع كل جهد يبذل فيها موضع استفهام حول الجدوى والمآل.
مقترحات
في كتابه "النشاط المدرسي بين النظرية والتطبيق" الصادر عن دار عالم الكتب (2010)، يقترح د.سعيد لافي أن ترصد بعض الدرجات للتلاميذ المشاركين في الأنشطة تدعيماً لهم من ناحية وتحفيزاً لغير المشاركين للالتحاق ببرامج النشاط المدرسي من ناحية أخرى، كما ينصح بمضاعفة حصص النشاط في الجدول الأسبوعي، إضافة الى ضرورة التقييم الجاد للتلاميذ وفق أساليب علمية منظمة، لا تعتمد على ارتجال تقدير معلم النشاط وحسب.
وإزاء اضمحلال الأنشطة المدرسية بوجه عام، يبدو رصد الواقع وبحث سبل العلاج أولوية يتسع معها الصدر لجدل صاخب حول أنسب الحلول المقترحة، أما تصدير أخبار تشي بتمام الأحوال، فإنه يهدد جدية القضية ويضاعف إشكالاتها.