أطفال سوريا في مصر.. ما زالت الغربة عنوانهم

عندما يشار إلى زيادة عمق التجربة عن عمر أصحابها، يتبادر إلى الذهن أطفال سوريا اللاجئين، ضمن مُشاهداتٍ كثيرة، وقد حظوا بالنسبة الأكبر بين لاجئي سوريا الوافدين إلى مصر منذ آذار 2011 وحتى الآن، حيث وصل عدد الأطفال ممن سنهم أقل من 18 عاماً إلى 630 60 انساناً من جملة اللاجئين السوريين إلى مصر الذين بلغ عددهم الرسمى 023 140 بحسب الإحصاءات الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حتى تشرين الأول
2014-11-05

بسمة فؤاد

باحثة من مصر


شارك
(من الانترنت)

عندما يشار إلى زيادة عمق التجربة عن عمر أصحابها، يتبادر إلى الذهن أطفال سوريا اللاجئين، ضمن مُشاهداتٍ كثيرة، وقد حظوا بالنسبة الأكبر بين لاجئي سوريا الوافدين إلى مصر منذ آذار 2011 وحتى الآن، حيث وصل عدد الأطفال ممن سنهم أقل من 18 عاماً إلى 630 60 انساناً من جملة اللاجئين السوريين إلى مصر الذين بلغ عددهم الرسمى 023 140 بحسب الإحصاءات الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حتى تشرين الأول 2014.
في طريقهم للغربة، ربما حملوا كثيراً من أغراضهم إلا الأرض والحلم، فما تعيش أحلام الطفولة إلا بدفء الذكريات وألفة الأماكن وقرب الأصدقاء. وفي البلد المضيف، لا حديث عن الحق فضلاً عن الحلم، إلا في ضوء الفائض وما يمكن الجود به. فما قد كان حقاً صار هبةً وفضلاً ينتظران الشكر والإذعان.

.. إلى المدرسة

يمثل التعليم لتلك الفئة العمرية شغل الحاضر ومِهاد المستقبل، لذلك كانت المدرسة هى نقطة اللقاء الأهم للأطفال اللاجئين بمصر. وقد بدت المدارس الحكومية الحاضنة الأكبر التي تلاءمت متطلباتها مع الطاقة المالية لمعظم الأسر اللاجئة. فاحتضنت حوالي 76 في المئة من التلاميذ السوريين، في مقابل 19 في المئة للمدارس الخاصة، وحوالي 3 في المئة للمدارس الأهلية ومدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، وفقاً لما ورد في التقرير نصف السنوي للعام 2014 «خطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية»، الذي أصدرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة.
هذا وقد سجلت مصر المعدل الأعلى لقبول التلاميذ السوريين في المدارس الحكومية بين الدول المستضيفة للاجئي سوريا عموماً، وفقاً لما ورد في التقرير نفسه، إذ تم احتواء ما يقرب من 85 في المئة من الأطفال السوريين في مرحلة التعليم الأساسي، وحوالي 70 في المئة في التعليم الثانوي. ومع ذلك، فإن الأطفال السوريين يعانون مثل أقرانهم المصريين من بؤس النظام التعليمي الذي تُسيره قوانين مهترئة ومدارس مهمشة الدور ومتهالكة القوام، كما يحركه باطنياً تدافع المصالح بين المعلمين، مضافاً لذلك الغربة التي تشكوها ملامحهم المميزة وقلتهم وسط الجموع، فضلاً عن تباين اللهجة التي تعطل التواصل بينهم وبين أقرانهم المصريين أو معلميهم على حد سواء.
وتزيد الخبرة السابقة للتلاميذ بالتعليم من تعقيد الواقع الجديد، خاصة أن سوريا كانت قد سجلت تصاعداً ملحوظاً في الحالة التعليمية، حيث وصلت نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم الأساسي إلى 97 في المئة، والى 69 في المئة للتعليم الثانوي، فيما كانت قد نجحت في محو الأمية لما يزيد عن 90 في المئة من أبناء الشعب السوري رجالاً ونساءً، بحسب ما ورد في دراسة «توقف التعليم» الصادرة عن منظمتي الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في كانون الأول 2013.

بين الاستقبال الرسمي والشعبي

على الصعيد الرسمي، تم إقرار المساواة بين الأطفال السوريين وأقرانهم المصريين من حيث أحقية الالتحاق بالمدارس الحكومية، كما تساويهم في كل الحقوق والواجبات، وذلك بغض النظر عن بعض الانتهاكات التي شهدتها الجالية السورية في مصر بعد التوترات السياسية التي عاشتها البلاد بعد «30 حزيران». على صعيد آخر، سجل رد الفعل الشعبي تبايناً واضحاً بدأ من الترحيب وامتد حتى الرفض والضجر بلاجئي سوريا عموماً، وقد تسربت الأجواء العامة فوصلت إلى المدرسة. وفي الحوار مع اختصاصية نفسية بإحدى المدارس المصرية، أفادت «بأن أطفال سوريا في المدارس المصرية كثيراً ما يتم التحرش بهم في سلوكيات طفولية نزقة تلمِّح بفضل مصر عليهم مقابل تخلي بلدهم عنهم، ما ينسبه الأطفال المصريون إلى أنفسهم، مُعيِرين به الأطفال الغرباء».
وعن طرق الفصل في مثل هذا النوع من الخلافات تقول: «إن الكثافة العددية للتلاميذ في المدارس المصرية تقلل من فرصة الاهتمام بأي من التلاميذ على حدة، وهذا بالطبع سيشارك فيه السوريون التلاميذ المصريين بوجه عام، لذلك يسعى الاختصاصي النفسي والاجتماعي لفض النزاعات بين الأطفال بصفة ودية من دون التقيد بإملاءات نظامية أو رسمية - في حال وجدت». كذلك تتباين وجهات فض تلك النزاعات بحسب تباين النظرة العامة الى الجالية السورية عموماً في مصر، فبينما يُلمِح بعض المعلمين إلى ضرورة الترحيب بالتلاميذ السوريين إعلاءً للوحدة العربية وتقديراً لصعوبة الظرف الراهن وإزكاءً لروح التعاطف مع الدمار الحال ببلد شقيق، فإن البعض الآخر يتورط في مشاركة بعض التلاميذ في نزقهم بالنظرة المتعالية إلى الجالية السورية كضيوف طال مكوثهم فثقلت استضافتهم، كما معاداتهم بوجه عام باعتبار أنهم ينازعون المصريين في خيرات بلدهم التي لا تكفيهم بالأساس.

مساعٍ للاحتواء

تبذل منظمة اليونيسيف بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم المصرية جهوداً جديرة بالذكر لاحتواء الأطفال السوريين بالمدارس المصرية. ولما كان تباين اللهجة السورية عن المصرية عائقاً للتواصل شكاه الأطفال السوريون كثيراً، فقد سبقت تلك الجهود الرسمية، واستمرت بالتوازي معها، مساعٍ شعبية عملت على فتح مدارس أهلية يقوم معلمون سوريون بتدريس المناهج المصرية فيها باللهجة السورية، بحيث ينتظم فيها التلاميذ بالحضور بينما يؤدون الامتحانات في نهاية العام بالمدارس الرسمية.
وبالمثل، أعلنت منظمة اليونيسيف أن وزارة التربية والتعليم المصرية قد وافقت على تسجيل بعض الأجزاء من المناهج المصرية بأداء معلمين سوريين وتنزيلها على موقع وزارة التربية والتعليم، من دون تبيان للموعد المحدد لذلك، هذا بخلاف بعض الإمدادات الأثاثية والتكنولوجية التي تُزود بها المدارس المصرية سعياً للتغلب على العبء العددي الذي أضافه التلاميذ السوريون على الفصول فوق - المشبعة بالتلاميذ المصريين، بالإضافة الى إجراء تدريبات للمعلمين على قيادة الفصول عالية الكثافة. صحيح أن المُنجز من تلك الإجراءات ما زال أقل كثيراً مما تطمح إليه المنظمة بحسب تقاريرها، إلا أنه من ألمع الجهود المبذولة ما بدأ مؤخراً من تدريب بعض الاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس التي تضم تلاميذ سوريين، حول سبل تعزيز دمجهم الفعال في المجتمع المدرسي المصري، عبر إجراء مجموعة من الأنشطة لفئة مختلطة من التلاميذ المصريين والسوريين، تركز على إبراز المشتركات الإنسانية بين الطرفين من خلال ألعاب محددة سلفاً لتحقيق هذا الغرض، فيما يتم ذلك نظير مكافأة مالية رمزية للمتدربين المنوط بهم إجراء تلك الأنشطة ومتابعتها.

خارج جدران المدرسة

لم تنجح كل الجهود المبذولة في احتواء جميع أطفال سوريا اللاجئين، فداء عمالة الأطفال واستغلالهم وانتهاك حقوق طالهم كما يطول بعض الأطفال المصريين، وفوق ذلك برز انسداد الأفق أمام الهجرة الشرعية واللجوء الى مراكب الموت.. وهكذا اعتقلت السلطات المصرية حوالي 361 طفلاً على الأقل في محاولة للهرب منذ مطلع العام الحالي، بينما نجح بالفعل حوالي 3676 طفلاً سورياً في الهجرة إلى إيطاليا عبر البحر، منهم 585 هاجروا منفردين بدون أسرهم! (بحسب الأرقام الواردة في التقرير الشهري الصادر عن منظمة اليونيسف عن الأزمة السورية ـ تشرين الأول 2014).
مع ما بات عادة من استمرار التشكيك وإعادة النظر في كل الثوابت في الآونة الأخيرة، تقع معاناة الأطفال موقعاً فريداً في النفس، شديد الوجع عظيم الغور، لا نملك أمامه سوى الاندفاع نحو العمل على رفع المعاناة والسعي لتوفير الحقوق، والحديث عن واجب جودتها، وإلا فإننا بصدد فصل (وفصيل) جديد من الواقع المرير للإنسان والإنسانية بوجه عام!

مقالات من سوريا

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه