عودة لمحبوبتي .. بعد زمن بعيد

أبداً لم يخفت شوقي للإسكندرية مسقط رأسي ومدينة صباي، ولولا قدر كان مكتوباً لما برحتها لغيرها. جاء اختياري ضمن فريق المشرفين في الرحلة التي نظمتها إدارة العمل، ليقابل هوى عميقاً في نفسي وشوقاً جارفاً لمدينتي الأم
2014-03-31

بسمة فؤاد

باحثة من مصر


شارك
عن الانترنت

أبداً لم يخفت شوقي للإسكندرية مسقط رأسي ومدينة صباي، ولولا قدر كان مكتوباً لما برحتها لغيرها. جاء اختياري ضمن فريق المشرفين في الرحلة التي نظمتها إدارة العمل، ليقابل هوى عميقاً في نفسي وشوقاً جارفاً لمدينتي الأم.
جاءت الرحلة في إطار تفعيل القرار الوزاري الذي شدد على ضرورة تضمين التعليم الميداني في التعليم العام لطلاب المدارس الحكومية، خاصة في المرحلة الثانوية، بحيث تكون أولوية المشاركة لأوائل الطلاب. وبالفعل وبعد إكمال إجراءات مشاركة الأوائل في الرحلة، تم فتح باب الحجز لعموم الطلاب عبر مدى من الأسعار يتناسب مع الإنجاز الأكاديمي لمختلفهم.

***
هاتفت بعض أصدقائي ممن باعدت بيننا الأقدار، لأنسق للقاء يجمعنا، وبينما أرتب حقيبة سفري إذا بألم شديد يعتصر أحشائي، أهمّتني فكرة عدم السفر بأكثر مما أهمني الألم، حاولت عبثاً أن أجد بقايا من الأقراص التي تناولتها سابقاً، دون جدوى.
لم يكن بدٌ إذاً من زيارة الطبيب، الذي أمدني بمسكن ساحر هدأت آلامي فور تناوله، وإبان عودتي للمنزل إذا بحديث طويل يجمعني بسائق التاكسي الذي صار يترحم بحسرة على الماضي الغابر، حين كنا نستطيع صرف الدواء وتكراره مرات ومرات دون العودة للطبيب المعالج. وبعد سماع عميق، ومجادلة طفيفة حول المزايا والعيوب، أدركت أن الحنين للماضي ربما يظل يراود النفس وإن كان الحاضر أفضل.
لم يبق كثير على أذان الفجر ولم أنم بعد، وأعلم ما ينتظرني من غد شاق، راودتني فكرة خجولة بالاعتذار عن الرحلة، ولكن ظل شوقي وحماستي لها أكبر من ألمي. حسمت أمري وأرسلت رسالة لمشرف الرحلة الأول تفيده بأنني سألحق بهم، لم أكن أحتاج أكثر من غفوة لساعتين فقط لا غير.

***
وحيث كانت سيارات النقل العام تمر بانتظام أسفل منزلي، فقد استقللت إحدى السيارات من أمام البناية التي أسكن فيها إلى محطة القطار، وبينما أبادر لحجز تذكرة في قطار الدرجة الأولى إذا بعثرة جديدة تهدد رحلتي وتثير امتعاضي، فما عاد باقياً سوى تذاكر الدرجة الثالثة. لم أكن أفضل قطارات الدرجة الثالثة لسابق عهدي بها، وإن كانت تغييرات جذرية شملتها ضمن التحسينات التي طالت قطاع النقل في مصر بوجه عام. ولكن يبدو صحيحاً أن الانطباع الأول يدوم! فور اقترابي من القطار أدركت من رسمه الخارجي مدى انصرافي عن المتابعة الجادة لمتغيرات جذرية شملت خدمات حياتية يبدو الانصراف عنها من ألوان الغفلة الثابتة في حقي. أما عن هندسة القطار من الداخل ومساحته وإمكانات الرفاهية في مقاعده، فقد فاقت ما اعتدته في قطارات الدرجة الأولى قديماً
.
سمعت في نفسي همهمة تردد "لقد آتت ثورتنا أكلها". فرغم تقادم العمر وانطفاء الحدث، إلا أن كل إنجاز ظل يذكر جيلي وكل الأجيال التي عايشت الثورة في شبابها، بالدماء التي سالت من أجل التغيير ومقاومة الفساد الذي كان حينها ينهش في جسد الوطن. ظللنا ننسب الثورة وخيراتها لأنفسنا ولا نقبل في ذلك شريكاً.

***

بعد ساعتين ونصف الساعة وطئت قدمي محطة الوصول "سيدي جابر"، حيث هواء الإسكندرية العليل وسحرها الخلاب. ووسط انشغال الطلاب بجمع الأصداف من الشاطئ ومضاهاتها بما درسوه، واستكشاف الجديد، وجدت نفسي بينهم أبحث وأتساءل، يستوقفني أحد الطلاب - صاحب المركز الأول على المدرسة - والذي يصرح دائماً بحسم وإصرار عن حلم يراوده برئاسة مصر في الغد القريب، وبالتفاتة مازحة يغريني بمزيد من تحسين أوضاع المعلمين مقابل أن أمنحه صوتي وأمارس مهاراتي لإقناع رفاقه به.
لم يبقَ من فقرات جدول الرحلة لليوم الأول سوى اللقاء الموعود الذي كنا نرتقبه جميعاً، وبالأخص الطلاب، فقد رحب أمين حزب "مصر المستقبل" ونظيره لحزب "مصر دولة القانون" بإجراء مناظرة مفتوحة بالمركز الثقافي بالأنفوشي، خاصة أن الحزبين أعلنا عن مشاركتهما في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في غضون شهرين من الآن. اشتبك الطلاب مع المتحدثين في حوارت جادة وجريئة قاصدة مزاعم الحزب وبرامجه. في المقابل، لم تلقَ كل التساؤلات الحائرة سوى محاولات جادة وشفافة للتوضيح، بل لجذب منتمين جدد لكل حزب، انتهى اللقاء ولم ينته الحراك والجدل الكبير الذي خلّفه لدى الشباب، من مؤيد ومعارض.

***
وإبان عودتنا للفندق مررنا باعتصام مفتوح لفئة واسعة من موظفي شركة "بيوإنرجي Bio-energy Co" الخاصة، وهي الشركة التي أنشئت منذ حوالي عشر سنوات لإنتاج الطاقة من قش الأرز والمخلفات الحيوية، ضمن مجموعة الشركات التي أُنشئت وفقاً لاتفاقية "الدول العربية الصناعية". وقد وقعت مصر عليها ضمن خمس من الدول الشقيقة. ولكن في ما يبدو أن موظفي الشركة لديهم بعض التظلمات التي اعتصموا من أجلها، وقد التفت قوات الأمن لحماية وتأمين الاعتصام من أية اعتداءات خارجية.

لم ينته الجدل الذي خلّفه لقاء ممثلي الحزبين مع الشباب، لذا اخترق معلم التاريخ النقاش متسائلاً "من يعرف الشهيد خالد سعيد؟". ووسط انتباه الطلاب، بدأ المعلم يروي حكاية الشاب الذي قُتل على أيدي مخبري الشرطة المصرية عام 2010، ثم أشار إلى التضحيات التي بُذلت والدماء التي أريقت عبر سلسلة من المناوشات بين الشرطة والمتظاهرين، وأنها أدت في النهاية إلى تغير الحال، فها الشرطة الآن تحيط بالمعتصمين، موفرة لهم الحماية والأمن.

مقالات من الإسكندرية

للكاتب نفسه