دمج التكنولوجيا في التعليم: صراع ثلاثي الأبعاد

تبع تفجر ثورة التكنولوجيا والمعلومات سياسات أوجبت تخصيص غرفة في كل مدرسة، تحت عنوان "معمل التطوير التكنولوجي"، لتُعنى بدمج التكنولوجيا في العملية التعليمية بوجه عام. فهل من فضلٍ يُذكر للمدارس المصرية على الأطفال والشباب، لجهة إكسابهم مهارات حاسوبية؟ إبان البحث عن إجابة، يمكن رصد صراع ثلاثي الأبعاد لم يحسم حتى اللحظة الراهنة.التوجهات العالمية
2014-05-11

بسمة فؤاد

باحثة من مصر


شارك
(من الانترنت)

تبع تفجر ثورة التكنولوجيا والمعلومات سياسات أوجبت تخصيص غرفة في كل مدرسة، تحت عنوان "معمل التطوير التكنولوجي"، لتُعنى بدمج التكنولوجيا في العملية التعليمية بوجه عام. فهل من فضلٍ يُذكر للمدارس المصرية على الأطفال والشباب، لجهة إكسابهم مهارات حاسوبية؟ إبان البحث عن إجابة، يمكن رصد صراع ثلاثي الأبعاد لم يحسم حتى اللحظة الراهنة.

التوجهات العالمية

كانت القمتان العالميتان لمجتمع المعلومات اللتان عقدتا في 2003 و2005 مؤشراً على التزام الحكومات بشكل واضح بدعم تحقيق مجتمع معلومات شامل. وضعت القمتان خطة من عشرة أهداف يجب تحقيقها بحلول العام 2015. وبحسب ما ورد في تقرير "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم في خمس دول عربية" الصادر عن معهد اليونسكو للإحصاء عام 2013، نص الهدف الثاني للخطة على "ربط جميع المدارس بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات".
يقف الحاسوب الآلي والانترنت في مقدمة وسائل التعليم التكنولوجية المعنية بتفعيل التواصل بين المعلم والتلميذ والمادة التعليمية. الأمر الذي يتبعه تنمية المهارات التفاعلية للتلاميذ وإزكاء مهارات التواصل الاجتماعي والعمل بروح الفريق، حيث يشترك عدد من التلاميذ في الحاسوب الواحد نظراً لصعوبة توفير حاسوب لكل تلميذ بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الصور المتحركة والفيديوهات والبرامج التفاعلية على استيعاب المفاهيم المجردة وتحسين المهارات الحاسوبية والبحثية والتعلم الذاتي بوجه عام. يُعدُ ذلك في حال تطبيقه بمخرجات تعليمية مدربة واعدة، تتمكن من المنافسة الصعبة في سوق العمل.

ضآلة الموارد المتاحة

يمثل دمج التكنولوجيا في التعليم عبئاً اقتصادياً على نسبة الإنفاق الضئيلة التي تخصصها الدولة المصرية للتعليم من الموازنة العامة. ذلك هو التحدي الأكبر أمام إمكانية الدمج وما يتطلبه من موارد ضخمة لتطوير البنية التحتية اللازمة لإتمامه على النحو المطلوب، بدءاً بمراجعة مرافق الكهرباء واستقرارها وصولاً إلى توفير الإنترنت في جميع المدارس بالدولة.
تشير قاعدة بيانات معهد اليونسكو للإحصاء للعام 2010، أن جميع المدارس المصرية تقريباً متصلة بمصادر كهربائية مستقرة، في حين تسجل مصر تأخراً ملحوظاً في نسبة توفر الحواسيب إلى الطلاب. يحظى 120 تلميذاً في المدارس الابتدائية بحاسوب واحد و25 تلميذاً للحاسوب الواحد في المدارس الإعدادية والثانوية. يقلل ذلك فرص الاستفادة من هذه الأجهزة إلى حد غير مقبول، مضافاً إليه سوء التوزيع بين المدارس والمناطق. تبدو نسبة الطلاب إلى الحواسيب الموصولة بالانترنت في قاعدة البيانات ذاتها مخزية إلى حد بعيد. ففي المدارس الابتدائية يحظى 441 تلميذاً بحاسوب واحد متصل بالإنترنت مقابل حاسوب واحد لـ94 تلميذاً في المدارس الإعدادية.
تتنوع النسب المذكورة بين المدارس الخاصة والعامة، والتباينات بينها موجودة. إلا أن الوضع في المدارس الخاصة ليس أفضل بكثير. تخصص المدارس العامة ما نسبته 93 في المئة من جملة الحواسيب التي تملكها لخدمة الأغراض التعليمية. النسبة تنخفض طفيفاً في المدارس الخاصة لصالح الأغراض الإدارية واستخدامات الموظفين، لتصل إلى 86 في المئة. بينما تتحسن نسب التلاميذ إلى الحواسيب في المدارس الخاصة لتصل إلى 32 تلميذاً للحاسوب الواحد في مرحلة التعليم الأساسي مقابل 151 تلميذاً للحاسوب الواحد في المدارس الحكومية في المرحلة التعليمية نفسها.

التأهيل الهزيل للمعلمين

يحتاج المعلم لتأهيل عالي المستوى متعدد الجوانب يمكّنه من قيادة التلاميذ للتعلم عبر الوسائط الإلكترونية بكفاءة. يشتمل التأهيل على جانبين، الأول هو ضرورة إجادة المعلم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أما الثاني والأهم فهو التمكن من الاعتماد عليها في تعليم الموضوعات المختلفة من ناحية أخرى، بشكل يسهل على المعلم توظيف الوسيط التكنولوجي في تفعيل وتوصيل المحتوى الفعلي للمادة، وعدم الإسراف في النظر للوسيط كغاية في حد ذاته، بما يترتب على ذلك من تضييع الوقت وتقليل كفاءة الإنجاز الأكاديمي للتلاميذ.
تتراوح نسبة المعلمين المؤهلين لاستخدام الوسائط التكنولوجية في مصر، بين 2 إلى 3 في المئة بكافة المراحل التعليمية. والنسبة منعدمة للمعلمين المؤهلين لتوظيف مرافق التكنولوجيا والاتصالات في تعليم المواد المختلفة، طبقاً لما ورد في قاعدة البيانات المذكورة أعلاه. تسجل مصر إذاً تأخراً عنيفاً ليس عن النسب العالمية فحسب، بل عن النسب المسجلة للدول العربية. فعلى سبيل المثال، تترواح نسبة المعلمين المؤهلين لتوظيف التكنولوجيا في التعليم بين 43 و100 في المئة بقطر و50 في المئة بفلسطين وبين 30 إلى 40 في المئة بعُمان، في مراحل التعليم المختلفة.

تبعية السياسات ومقاومة المعلمين

هل يصلح دائماً العمل بقاعدة "ما لا يُدرَك كله لا يترك كله"؟ وإلى أي حد يمكن قبول ترك الكثير في سبيل إدراك اليسير؟
هل نملك خياراً بالتحرر من تبعية السباق العام الذي نحبو فيه كالسحلفاة وسط قطيع من الغزلان، لنبقى دائماً في ذيل القائمة؟ تمثل تلك الأسئلة الاستنكارية ذريعة للمعلمين لمقاومة تفعيل سياسات دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية في مصر. وعلى الرغم من أن الإمدادات التكنولوجية التي توفرها الدولة للمدارس محدودة، إلا إن استخدام المتاح منها أكثر محدودية، بل ويصل إلى الانعدام في مدارس كثيرة!
بالحديث إلى بعض أمناء معامل التطوير التكنولوجي في بعض المدارس، يمكن الخلوص إلى أن الوسائط التكنولوجية ربما تمثل إغراءاً لبعض معلمي العلوم والحاسوب الآلي، في حين لا يُقبل على استخدامها معظم معلمي المواد الأخرى.
من ناحية أخرى، فإن المدرسة تحتوي غالباً على معمل تطوير واحد، يتناوب عليه كل فصول المدرسة. يحتاج كل فصل وفقاً للنشرات الوزارية بأن يزور المعمل في كل المواد التعليمية، مما يقلل من نصيب الفصل الواحد بزيارة المعمل لمرتين أو ثلاث على أحسن تقدير خلال الفصل الدراسي الواحد.
في أغلب الأحيان، يستغني المعلم عن هذا النصيب اليسير ويحرم التلاميذ من دخول معمل التطوير كلياً إلا في حالة زيارة المراقبين للمدرسة! يتذرع المعلمون بأن انتقال التلاميذ من الفصل إلى المعمل يقلل من وقت الحصة التي قد لا يمكن تعويضها، وأن الوقت الضائع في تطبيع التلاميذ مع المعمل ـ باعتباره وسيلة تعليمية ـ قد تتضمن بعض الترفيه وليس العكس. كذلك فإن مساحة المعمل كثيراً ما تكون محدودة بما لا يسع الكثافة العددية للتلاميذ. تبقى العلة الأهم: عدم إجادة المعلم استخدام الحاسوب الآلي نفسه. أما الذريعة المسكوت عنها فهي "إن الإمعان في القرارات الفوقية المهمشة للمعلم، لن تُنتج سوى مجافاة تلك القرارات والمكابرة لإحباطها". ذريعة يؤكدها سجل تشغيل معمل التطوير الذي يُملأ ساعة بساعة بغير تهاون ولا تأجيل. وهو أول ما يفحصه المراقبون فور وصولهم إلى المدرسة ليصكوا الملاحظة المعتادة "معمل التطوير التكنولوجي مُفعّل". وهو أيضاً المؤشر الذي ارتضته وزارة التربية والتعليم المصرية لضمان دمج التكنولوجيا في التعليم بنجاح!
لا تبدو النقطة الفارقة تقع في سعي السياسات للحاق بالركب الدولي رغم ضآلة الموارد المتاحة لذلك، وإنما في محاولات الدمج التعسفي والمراقبة التعسفية له أيضاً، الأمر الذي يتبعه سياسات شكلية ليس إلا، تلبى باستكمال الأوراق المطلوبة فقط! ما يبعدنا عن طريق التقييم الصادق لموقعنا الحقيقي ويضللنا عن مَواطن توجيه الجهود.  

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه