سوريا: الخصخصة خطوةٌ لم توقفها الحرب

السلطة المواظبة على خصخصة القطاع العام في زمن الحرب، لم تلذ إلى الصمت الذي يتيح لها قراءةَ نتائج وصفات «النيوليبرالية» التي عدّلتها جينيّاً لتوائم حاجات رموزها، بل مارست فعلاً هذيانيّاً أيضاً، وكأنها في مكان والبلاد في مكان آخر. كذلك لم تكن الحرب مناسبة واقعية تفرّج عنها كَرْبَ رؤيتها المأزومة، فتبيح لها مزيداً من التريّث ومن عقلنة خيار تثبيت أدوات
2014-10-01

أيمن الشوفي

صحافي من سوريا


شارك
بسام الإمام - سوريا

السلطة المواظبة على خصخصة القطاع العام في زمن الحرب، لم تلذ إلى الصمت الذي يتيح لها قراءةَ نتائج وصفات «النيوليبرالية» التي عدّلتها جينيّاً لتوائم حاجات رموزها، بل مارست فعلاً هذيانيّاً أيضاً، وكأنها في مكان والبلاد في مكان آخر. كذلك لم تكن الحرب مناسبة واقعية تفرّج عنها كَرْبَ رؤيتها المأزومة، فتبيح لها مزيداً من التريّث ومن عقلنة خيار تثبيت أدوات اقتصاد السوق ومنظومة عمله. فهي لم تجد بعد في عقيدة نظامها الاقتصادي الجديد ما ينفّرها من تجنّب تكرار الأخطاء.. إلى حد أنه جاء الآن دور المصارف الحكومية.

اللجنة التي تسبق الخصخصة

حينما خرجت لجنة القطاع المالي والمصرفي التابعة للهيئة العليا للبحث العلمي مؤخراً بدراسة لإعادة هيكلة المصارف الحكومية بغرض تحويلها إلى شركات مساهمة تملكها الدولة، وتندرج أسهمها في السوق المالية، صار قدر خصخصتها نافذاً، تماماً كحال مَن سبقها من مؤسسات عامة خصخصتها الدولة ببطء وبلا جلبة.
السؤال هو كيف يمكن لمجرّد لدراسة أن تجعل السلطة في سورية تُفتي بالخصخصة؟ أم أن مثل هذه الدراسات تكون الخطوةَ اللاحقة للقرار المتخذ سلفاً بغرض تمريره بيروقراطياً، لا العكس.لذا يكون من الصحيحِ هنا نبش التربة لبلوغ الجذر الحقيقي الذي بدأت منه دراسات اللجان تلك، لكونها تغطّي الفعل الضمني للسلطة وتبرره، لتسوّقه لاحقاً على أنه ضرورة اقتصادية منشؤها دراسة علمية قامت بها لجنة خبيرة، لا قراراً سياسياً سوّقته لجنة.في العام 2008، تَعَدَّل قانون الشركات في سورية وصار اسمه القانون رقم 3. سرعان ما قامت السلطة بتعديله مجدداً بعد ثلاث سنوات فقط، حين أصدرت القانون الحالي رقم 29 للعام 2011. فما الذي دفع السلطة إلى إجراء تعديلات على القانون، وبهذه السرعة، وماذا عدّلت بالضبط؟ببساطة، لقد أرادت شرعنة خصخصة القطاع العام، بحيث باتت المادة رقم 216 تجيز تحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة مغفلة عامة. كما نصّت المادة 223 منه على السماح للشركات، أيّاً كان نوعها، بتحويل استحقاقات الشركاء والمساهمين غير السوريين فيها إلى الخارج، وهي الناجمة عن حصيلة أعمال الشركة أو عن تصفيتها. وأعادت التعديلات الجديدة الشركات المغفلة إلى الحياة، وسمحت بشركة الشخص الواحد، وبإمكانية أن تكون الشركة القابضة إما ذات مسؤولية محدودة أو مساهمة مغفلة أو مساهمة عامة.ولا ضيرَ هنا من تفحّص تعريف الشركات القابضة حتى نفهم ماذا عدّلت السلطة في قانون الشركات، وماذا نَوَت من وراء تعديلاتها.وفق المادة السادسة من القانون الجديد، فإن الشركات القابضة هي شركات مساهمة مغفلة خاصة، أو عامة يقتصر عملها على تملّك حصص في شركات محدودة المسؤولية، أو أسهم في شركات مساهمة، أو الاشتراك في تأسيس مثل هذه الشركات والاشتراك في إدارة الشركات التي تملك فيها أسهماً أو حصصاً.وبالتالي صارت الشركات القابضة التي قد تكون أذرعها ممتدة إلى خارج سوريا قادرة على تملّك أسهم شركات مساهمة، وهي التي صار بإمكان مؤسسات القطاع العام أن تتحول إليها.مثل هذه التعديلات لم تكن موجودةً في البيئة التشريعية للقانون السابق رقم 3 للعام 2008، وقبل صدور قانون الشركات الجديد رقم 29، وجدنا كيف انهمكت طيلة العام 2010 لجنة تشكلّت لهذا الغرض، وكانت وزيرة الاقتصاد والتجارة حينها تشرف مباشرةً على عمل اللجنة وعلى المسوّدة المعدّلة والمتضمنة، كما طلبت الوزيرة مادةً جديدة تسمح بتحويل الشركات العامة إلى شركات مساهمة تطرح أسهمها للاكتتاب العام، وتدخل لاحقاً سوق دمشق للأوراق المالية.

ثلاثة أمثلة على ما حدث

بدايةَ العام 2011، شرعت مؤسسة الاتصالات في إجراءات تحوّلها من مؤسسة عامة إلى شركة مساهمة مغفلة. هذا التحوّل دعمه قانون الاتصالات رقم 18 للعام 2010 والمرسوم رقم 261 الذي تضمن اللائحة التنفيذية لإجراءات التحوّل، حيث منح المؤسسة مهلةَ عامين كمرحلة انتقالية لإشهار «الشركة السورية للاتصالات». وهذا بدأ فعلياً في حزيران / يونيو من العام 2010. لكن وخلال خمس سنوات يبدأ عدّها اعتباراً من حزيران / يونيو من العام 2012، ينتهي الحق الحصري الممنوح للشركة في تقديم خدمات الشبكة الثابتة، ما يعني أنها ستفقد حصرية تقديم الخدمة بدءاً من حزيران/ يونيو 2017، حينها سيدخل القطاع الخاص منافساً لها، وربما يبتلعها إثر هذا التحوّل وهي التي تشغّل 26 ألف عامل وموظف.ثم، وفي أواخر شهر أيار/ مايو من هذا العام، أعلن ممثل وزارة السياحة في هيئة الاستثمار السورية، محمد الحمصي، أن الدراسة التي أعدّها بشأن تطوير الشركة السورية للسياحة صارت جاهزة، وتهدف إلى تحويل الشركة إلى شركةٍ قابضة تشمل شركات عدة مثل شركة النقل البري السياحي ضمن المحافظات والدول المجاورة، وشركة سلسلة محطات تزويد الوقود النموذجية بين المحافظات، من خلال بناء وشراء المحطات بما لا يقلّ عن 25 محطة، وشركة الطيران السياحي، وشركة إدارة وتشييد المنشآت السياحية والعقارية وما يتبع لها. إضافةً إلى عدد من المكاتب السياحية التي تقدّم خدمات مثل حجوزات الطيران والخدمات السياحية من خلال الرحلات، خدمات الحج، العمرة، وما يتبع لها من استئجار وتملك فنادق في مكة والمدينة المنورة.على إثر تلك الدراسة تم تشكيل لجنة فنيّة من داخل وزارة السياحة السورية ومن خارجها، مهمتها تقييم وتقدير الأملاك العينية للشركة، ومعرفة رأسمالها العيني المتوافر حالياً.وسرّبت خلال شهر تموز/ يوليو من العام الحالي إحدى الصحف الرسمية السورية خبراً مفاده أن لجنة برئاسة وزير النقل وعضوية بعض الجهات المعنية تدرس تحويل مؤسسة الطيران المدني إلى هيئة عامة إدارية، وذلك بموازاة موافقة مجلس إدارة مؤسسة الطيران العربية على مقترح بتحويل مؤسسة الطيران السورية إلى شركة مساهمة قابضة حكومية بعدما وصلت إيرادات المؤسسة العامة للطيران المدني، حسب ما أعلنه مديرها العام في نيسان / أبريل من العام الماضي من الرسوم الضريبية وحدها في المطارات السورية إلى 1,1 مليار ليرة.

ليست مسألة ربحية

لم تكن حصيلة الأعمال النهائية لمؤسسات القطاع العام هي الشفيع إذاً على مقياس الجنوح إلى الخصخصة من عدمه، بل العكس هو الصحيح. فلقد بدأت السلطة بخصخصة المؤسسات العامة الرابحة فعلياً. وهذا ينطبق على مؤسسة الطيران السورية ومؤسسة الاتصالات، مثلها في ذلك مثلُ المصارف الحكومية بعدما أوضحت البيانات الرقمية الحديثة ازدياد ودائع المصرف العقاري السوري حتى نهاية العام الماضي بمقدار 12 مليــار ليــرة، وذلك مقارنةً مع حجم ودائعه خلال العام 2012. كما بلغ معدل نمو الودائع للعام الحالي 106,5 في المئة، مقارنةً مع حجمها خلال العام الماضي.كما وثّق المصرف التجاري السوري أرباحاً تراوحت بين 18,5 مليار ليرة إلى 20 مليار ليرة سورية قبل احتساب الضريبة والاحتياطيات واقتطاع المؤونة لمواجهة المخاطر المحتملة، وحقق نسبة سيولة بالليرة السورية وصلت إلى 33 في المئة مقابل سيولة بالعملات كافة بلغت 34 في المئة أي بزيادةٍ عمّا حددهُ مجلس النقد والتسليف.عدا عن أن مصرف التوفير سجل حجم ودائع بلغ 4,7 مليار ليرة حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي. وبلغ عدد القروض التنموية التي منحها خلال الماضي نحو 34716 قرضاً بقيمة إجمالية بلغت 11 مليار ليرة سورية.كما واصل المصرف الزراعي خلال العام الماضي تمويل القطاعين الخاص والتعاوني بمبلغ قدره 5 مليارات ليرة، عدا عن 40 مليار ليرة موّلها للمؤسسة العامة لتجارة الحبوب وتصنيعها بهدف شراء وتخزين الحبوب من الفلاحين، كما موّل المصرف المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان بمبلغٍ وصل إلى 20 مليار ليرة.

ومثلما تتواثبُ اللجان قبل كلِّ خصخصة حُسمَ أمرها لتدرسَ مثالب تحويل الشركات، والمؤسسات العامة إلى شركاتِ مساهمة بحجة عصرنتها قبل إدراج أسهمها في البورصة، فتكون عرضةً للبيع لاحقاً، كذلك وثبت الحرب، فكانت غطاءً وعازلاً مثالياً يحجب فهم ما يحدث فعلياً على مستوى الاقتصاد الجزئي، وإعادة ترتيب مكوّناته. هنا تكسب السلطة مرتين، وتبدو بريئة مرتين: مرّةً بحجة اللجان المختصة التي ورطتها، ومرةً بحجة الحرب التي ورّطت الكل بها.

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه

في سوريا: العمل بالأمل؟

ما بعد الانتخابات هو ما قبلها حرفيّاً، إن لم يكن أسوأ. فها نحن نسير من شبه إفلاس إلى إفلاس، من شبه حصار إلى حصار، من شبه جوع إلى جوع، ترفدنا...

ما بعد الخمسة آلاف ليرة سورية...

سوّغ حاكم المصرف المركزي طرح تلك الفئة النقدية الجديدة، بربطها باستبدال العملة التالفة، ونفى أن تكون كتلةً نقدية تضخمية. غير أن المزيد من العملات شبه المهترئة من فئتي الألف، والخمس...

راس السنة، أصابع ملوثة بالحبر

خلال العام الماضي، ظهر العراق والصومال كوجهتين استمالتا السوريين الراغبين بالسفر، والقادرين عليه. فالراغبون بأعمال هامشية في المطاعم والفنادق استحصلوا على "فيزٍا" إلى أربيل، أما الأطباءُ متوسطو الدخل، والقادرون على...