"ذاك اليوم وضعت لا شيء على الفيس، وعملت بوست، وأجاني أكثر من عشرين لايك، مع أنه أول أمس نشرت جملة مهمة، لكن لم أجد حتى لايك يتيم.. ، فوضعت لايك لنفسي".
لكن صديقي الشاعر، قاطعني وكأنه بدأ قبلي بالحديث عن الموضوع ذاته. قال: "آه والله مثل ما بحكيلك" مع إنه سهرت ليلة كاملة وأنا أضع لايكات لايكات لَلِّي بسوى ولَلِّي ما بسواش.. ثم نفخ تنهيدة، وقال:" طيب يعني أنا عندي خمسة آلاف صديق، فكرك قديش بجيني لايكات؟ أبو مية.. إن طارت مية وخمسين، هذا وين ببيعوه هالحكي؟ أنا بطلت أكتب..ها".
وسقط صديقي الشاعر في اكتئاب الفايسبوك.
أعلن الطلاق مع الفايسبوك، والطلاق مع جيل ثورة التكنولوجيا، وسيفتقده البعض، ويشفق عليه البعض الآخر، لأن اسمه لن يذكره أحد.
وضاع الحلم في أن يحول جمله اليومية (الفايسبوكية) الى كتاب، لن يقرأه أحد في كل الأحوال.
ثم انضمت لنا مجموعة من الكتاب، من الذين حاولوا اللحاق بقطار الفايسبوك، عراب الثورات العربية كما يقولون.
وقال الأستاذ الكبير، وهو مشغول بإرسال تويتر،"علينا اللحاق بالشباب والبحث عنهم، في كل مكان". وهكذا ولدت فكرة حملة استجداء القراء، والبحث عنهم في كل مكان، على أساس.. أن القراء يبحثون عما يقرؤوه، والمشكلة هي أنهم تائهون في صحراء النبي موسى.. ربما.
واعترض أحدهم على الاسم، على أساس أن عنواناً كهذا يحط من شأن الكاتب.. والقارئ.. وأضاف - بأنه شخصيا لا يحتاج الى حملة، لأنه يحصل على أكثر من خمسمئة لايك.
فقلنا له: "طيب عال، لنبدأ الحملة من صفحتك". لكنه اعترض وقال إنه لا يستطيع إرسال آلاف الرسائل لأصدقائه، لأن إدارة الفايس عاقبته مرة، بسب إرساله عشرات الرسائل، ومنعته أسبوعاً كاملاً من استعمال"المسَّج" الداخلي.
"ييه علينا.. طيب كيف بدنا نعمل؟".
وأحدنا قال بحماس، لدرجة أن لعابه تناثر على وجوهنا: "لنضع كل مرة صورة لنا نحن الخمسة، وتحتها دعوة الى حملة استجداء القراء".
أما أنا صاحبة الـ 150 صديق، ولا يوجد لي باع في هذا المجال بعد، ولا يوجد لدي رأي واضح في الموضوع، لكن حتما لا مانع لدي من تهديد القراء، وممارسة العنف تجاههم، ومعاقبتهم بالسجن حتى.
وأتتني الفكرة..لم لا نكتب للأسرى؟ ليس عما يدور في الدنيا من حروب أو مفاوضات لن تؤدي الى تحريرهم في جميع الأحوال، وإنما عما يحدث في بيوتهم من أمور صغيرة في ظل الغياب، عن الكلمة الأولى التي نطق بها ابنه الصغير على سبيل المثال، أو استعماله "النونية" لأول مرة، أو "حركشة" أمه بزوجته الشابة.
إذ لا مفر للسجين من القراءة، بل هو القارئ الحقيقي، بل هو الذي سيستجدينا بالكتابة، نحن لدينا أكثر من عشرة آلاف قارئ سجين، خاصة في ثورة الإضراب عن الطعام، وجسده الجائع المنهك لا يقوى على الحراك في جميع الأحوال، وأن يقرأ عن بيته أمرٌ مسل.
والأسير لم يتحول بعد الى شاعر يلقي بفنه عبر "مايكرويف الفايسبوك"، فهو ما زال دَقة قديمة، إن كتب فهو يكتب بدمه، ولم يضيع منه الزمن. وكما قال قائل عندما ولد الكتاب الالكتروني: "ضاع الزمن الذي كان بإمكاننا وضع وردة بين دفتيه".
لكن صديقي الشاعر قال بدهشة: "لكن ليس بإمكان السجين وضع لايك!".