معارك الدولة في مصر ضد نفسها!

هل تغيُّر ميزان القوى بين الدولة والمجتمع بعد 2011 لصالح هذا الأخير؟ هل يكفي أن تتحكم السلطة في منح الضروريات المعيشية لحياة الناس، وتشكيل قيمهم، وتوجيه وترشيد سلوكهم؟ حاولت السلطات خلال العامين الماضيين مواجهة الانتقادات والتظاهرات والاحتجاجات بقوةٍ بالغة من أجل
2015-11-25

أحمد عبد العليم

كاتب وباحث سياسي من مصر


شارك

هل تغيُّر ميزان القوى بين الدولة والمجتمع بعد 2011 لصالح هذا الأخير؟ هل يكفي أن تتحكم السلطة في منح الضروريات المعيشية لحياة الناس، وتشكيل قيمهم، وتوجيه وترشيد سلوكهم؟ حاولت السلطات خلال العامين الماضيين مواجهة الانتقادات والتظاهرات والاحتجاجات بقوةٍ بالغة من أجل إثبات عودة "الدولة القويّة" بعد أن فككت الثورة الكثير من الثوابت المتعلقة بهيبة الدولة أو النظام. شكَّل قانون التظاهر الذي صدر في عام 2013 الحالة الأبرز في هذا السياق حيث تحاول السلطة فرض هيمنتها على المجال العام وعلى المجتمع وهو يماثل انقلاباً ناعماً على مضامين حرية التظاهر وحرية التعبير.. 
ولكن خلال الأسابيع الماضية، حدث تحوُّل خطير في طبيعة المواجهة، التي تحوَّلت من مواجهة تيارات مجتمعية لها مطالب فئوية أو مواجهة تيارات سياسية مثل الإخوان المسلمين.. إلى مواجهة أجهزة الدولة نفسها. وتجلّى ذلك من خلال تظاهرات أمناء الشرطة وهم ضمن الجهاز الأمني للدولة وتظاهرات الموظفين التابعين للجهاز الإداري للدولة، حيث قام المئات من أفراد وأمناء الشرطة بتنظيم تظاهرات في مقر مديرية أمن الزقازيق بمحافظة الشرقية واعتصموا داخلها وذلك للمطالبة بالمستحقات المالية وعدم التعنُّت والتعسُّف في الكشوفات الطبية لكادر الأمناء والضباط الحاصلين على ليسانس الحقوق، وقد اتهمت وزارة الداخلية جماعة الإخوان بالوقوف وراء تحريض الأمناء. انضم المئات من محافظات مجاورة للمعتصمين، مما حدا بقوات الأمن المركزي لمحاولة فضّ الاعتصام من دون جدوى. بدت الدولة في مواجهة نفسها، وكانت قد حدثت تظاهرات شبيهه في عام 1986، حينذاك تظاهر لمدة أسبوع عشرات الآلاف من مجندي الأمن المركزي احتجاجاً على سوء أوضاعهم، حتى تمّ إعلان حظر التجوّل وانتشرت قوات الجيش في الشوارع وتمّ القبض على العديد من المتظاهرين وإقالة وزير الداخلية آنذاك وعزل العديد من القيادات الأمنية.

معفيون من قانون التظاهر

ومن المفارقات، أنه لم يعزل أي قيادات أمنية عقب التظاهرات الأخيرة لأمناء الشرطة، وكذلك لم يتم تطبيق قانون التظاهر عليهم وهو ما حدا ببعض المنظمات الحقوقية، كـ"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" إلى المطالبة بالإفراج عن كل المسجونين بسبب قانون التظاهر هذا، وإلا فسيكون ذلك كيلاً بمكيالين، فـ"المعايير المزدوجة في تطبيق القانون تمثل كارثة وفضيحة مدوية ونفياً لكل مزاعم دولة سيادة القانون"، خرجت بعده وزارة الداخلية بتصريح رسمي مدافعة عن عدم تطبيق "قانون التظاهر" على أمناء الشرطة لأن  ما يفعلونه "وقفة احتجاجية دون عنف أو شغب"! وبعد مُضي يومين على الاعتصام، تدخل رئيس الوزراء ووعد بتنفيذ كافة مطالب المعتصمين. 

عكست الأزمة تناقضاً وازدواجية لكن وخصوصا أن "الدولة" تقف في مواجهة جهازها الأمني الذي تواجه به المجتمع. وبرغم وعود رئيس الوزراء، فلم يحلّ شيء حتى الآن، ما يعني أن الأمور في المستقبل قد تكون أسوأ، في ظل تهديد أمناء الشرطة بتحويل اعتصامهم إلى كل محافظات مصر في حال عدم تحقيق مطالبهم أو عدم تنفيذ الوعود التي قُدمت لهم.

وفي السياق ذاته، جاءت تظاهرات عدد كبير من موظفي الدولة الرافضين لقانون الخدمة المدنية الجديد، وهو القانون المنظم لأوضاع العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وهم قرابة خمسة ملايين موظف. نظمت تظاهرات في عدد من المحافظات المصرية، وكانت التظاهرة الأكبر أمام نقابة الصحفيين وضمت الآلاف من العاملين بالدولة غير العابئين بقانون التظاهر، وهم اعتبروا أن قانون الخدمة المدنية الجديد صدر بشكل منفرد، من دون طرحه على حوار مجتمعي مما ترتب عليه الإضرار بحقوقهم.
 الرئيس السيسي طلب من الموظفين عدم الاعتراض على القانون، ووجه حديثه لهم قائلًا: "إحنا بنحاول ننظم الجهاز الإداري، ولكن ما بنقفلش بيوت ناس عايشة رغم ظروفنا الصعبة، لازم تضحي ولا تناقش طالما لم أخفض رواتب الموظفين أو أفصل أحد منهم". 

المشكلة ما زالت في أوجها. وما ظهر من وعود ومن مخاطبات لا يحلها.

للكاتب نفسه

المرأة المصرية واعظة بالمسجد

قررت وزارة الأوقاف تعيين 144 امرأة واعظات في المساجد كجزء من "تجديد الخطاب الديني" الذي دعا اليه الرئيس السيسي. المبادرة تبدو شكلية بالنظر للاشتراطات المصاحبة لها ولوجود  110 آلاف مسجد...