دشّن عدد من الشباب، من متخرجي كليات الشريعة والقانون، حملة بعنوان "متكسروش الحلم فينا"، اعتراضاً على رفض مجلس القضاء المصري القرارات الصادرة بتعيينهم، بحجة أن والدي كل متخرج من هؤلاء لم يحصل على مؤهلات عليا! 138 شاباً ظلمهم هذا القرار التعسفي بدأوا حملة للدفاع عن حقهم بالتعيين، وقد تضامن معهم عدد كبير من الشخصيات العامة والأحزاب السياسية والحقوقيين في مصر.
عبثية الواقع ورمزية الحملة
تنص المادة الثامنة والتاسعة والعاشرة من الدستور المصري الذي تم إقراره عام 2014، على أن "تلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وأن الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق والوطنية". الدستور لم يقل إذاً إن قوام الأسرة هو المؤهلات العليا! وكان يفترض أن يُكرّموا لأن أهاليهم رغم قلة تعليمهم، نجحوا بأن يصلوا بهم إلى منصات التفوق. استمارة التضامن مع الحملة عُنونت بـ "نعم للعدالة الاجتماعية، لا للتمييز والطبقية"، وانتهت بمطالبة رئيس الجمهورية بالانتصار للعدالة الاجتماعية وفق القرار الصادر بتعيينهم من مجلس القضاء بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2013.
قصة الماضي التي تتكرر
كان حلم عبد الحميد شتا، الشاب المصري المتحدر من إحدى القرى بمحافظة الدقهلية، أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي بعد تخرجه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. الشاب التواق لتعلم اللغات الأجنبية ولو بمفرده، انتقل من البكالوريوس الى الماجستير، وشارك في النشر في مجلات أكاديمية كبيرة. ولكنه رغب بالتقدم لوظيفة ملحق تجاري بالخارجية المصرية، ودخل بالفعل الاختبارات، واجتازها شفوياً وتحريرياً، بل حاز المركز الأول على كل المتقدمين، وبدأ يُمنّي النفس بأنه على وشك تحقيق حلمه.
تهيأ صباح إعلان النتيجة النهائية، وذهب مسرعاً كي يرى نتيجته بعد المقابلات الأخيرة التي تعتبر بمثابة "كشف هيئة"، فكانت المفاجأة! وجد عبد الحميد اسمه موجوداً ولكن بجوار الاسم مكتوب بخط أنيق "غير لائق اجتماعياً" لأن والده "فلاح" بسيط. لم يفعل عبد الحميد شيئا، اتصل بزوجة أخيه الكبير وطلب منها أن ترسل سلامه لكل عائلته. وانتحر من أعلى كوبري أكتوبر في النيل.
الظلم الاجتماعي .. إلى أين؟
يقول أحد مؤسسي الحملة أنهم جمعوا أكثر من خمسمئة استمارة موقعة من شخصيات عامة وحزبية، وأن هذه الحملة تهدف إلى تشكيل رأي عام رافض للطبقية في التعيين، وأن يكون على أساس الكفاءة وليس الواسطة أو مؤهلات الوالدين، وأنهم سوف يتوجهون بتلك الاستمارات إلى مؤسسة الرئاسة حيث يأملون بأن يرفع الرئيس عنهم هذا الظلم البيّن. وفي السياق ذاته، فإن الحملة تسعى للانتشار في المحافظات من أجل تشكيل قوة ضغط، وذلك في ظل تجاهل مؤسسة الرئاسة لمطالبهم ونداءاتهم حتى الآن، وهو ما يراه القائمون على الحملة انتصاراً لزمن الفساد والمحسوبية. فمنذ شهرين فقط، أعلن وزير العدل السابق محفوظ صابر، أن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضياً، وسبَّبت تصريحاته غضباً شديداً بين المصريين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فاضطر للتنحي عن منصبه.
في خطاب تنصيبه رئيساً، قال عبد الفتاح السيسي حرفياً: "سنبني بإذن الله وطننا على أسس من العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإنني أعي وأقدر تماماً الإرث الثقيل من التجريف السياسي والتردي الاقتصادي والظلم الاجتماعي وغياب العدالة"، وأكمل خطابه بأنه لن يدخر أي جهد للتخلص من هذه التركة. إلا أن حملة "متكسروش الحلم فينا" لم تر تطبيقاً لهذا الكلام. وإن استمر ذلك، فالخوف كل الخوف، هو أن تكون نهاية الـ138 شاباً ــ وهم بالتأكيد من أفضل شباب مصر ــ مثل نهاية عبد الحميد شتا!