"التوك توك" في مصر "ظاهرة اجتماعية". وهو ظهر تدريجيًا في مناطق مختلفة منذ عام 2007 وتوسًّع مع الوقت ليصبح وسيلة مواصلات هامة يعتمد عليها عدد كبير من المصريين.
البدايات والتقنين
عربة صغيرة ذات ثلاث عجلات، تتسع بالكاد لثلاثة أفراد، بدأت في الظهور عندما اقترحت الحكومة بقيادة الحزب الوطني، الحاكم وقتها، استيراده من أجل حل مشكلة البطالة، ولقدرته على توفير أكثر من 63 ألف فرصة عمل في 13 محافظة على ما قيل في الحيثيات. بدأ انتشاره في عدد من محافظات الوجه البحري، قبل أن يدخل القاهرة في أثناء "ثورة يناير" 2011، بحكم ارتخاء قبضة الامن. بدأ ظهوره في العاصمة في الأماكن الشعبية والفقيرة، وساهم في حل مشكلة المرور في تلك الأحياء التي قد لا يدخلها "التاكسي" لضيق طرقاتها وازدحامها، أو ببساطة للخوف منها، مما برر أن يُطلق عليه "تاكسي الغلابة". مع الوقت، أصبح "التوك توك" وسيلة لا غنى عنها لعدد كبير من المواطنين، حتى في ظل التضييق الحكومي على ترخيصه أو تحجيم تواجده في أماكن بعينها.
تم تقنينه لأول مرة في عام 2008، بقانون رقم (121)، من خلال تعديل بعض أحكام المرور. وفي 2009، حدث جدل داخل مجلس الشعب لمنع ترخيصه وتقنينه، لكن قانون المرور الأخير الصادر في أواخر 2014 لم يمنعه بل رخّصه كـ "أجرة موتوسيكل" ولا بد لقائدها أن يكون لديه رخصة مهنية، وتتم مراجعة شروط الأمن والمتانة طبقا لمواصفات وزارة الصناعة والتجارة. وترك القانون تحديد الأعداد والألوان وخطوط السير والأجرة والمواقف للمحافظ، مع تشديد الرقابة حتى لا يصل "التوك توك" إلى الطرق السريعة، حيث يحظر دخوله الى مناطق كثيرة، وخاصة في الشوارع الرئيسية وعواصم ومراكز المدن المختلفة.
الحصول على رقم دقيق بخصوص أعداد "التوك توك" الفعلية الحالية أمر صعب للغاية في ظل عدم ترخيص العدد الأكبر منه، لكن هناك احصاءات غير رسمية تقدر أعداده بحوالي أكثر من مليون ونصف على مستوى الجمهورية، تستفيد منه حوالي 5 ملايين أسرة. وتشير إحصائية الجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد "التوك توك" المرخص وصل إلى حوالي 74 ألفاً على مستوى الجمهورية، في حين أنه كان في عام 2010 حوالي 37 ألفاً، أي أنه تضاعف خلال أربع سنوات. أما جغرافياً، فإنه ينتشر في محافظات الوجه البحري بالدرجة الاولى، تليها محافظات الوجه القبلي، ثم المحافظات الحضرية بدرجة أقل، إلا أنه لا ينتشر بشكل ملحوظ في المحافظات الحدودية، وذلك وفق إحصائيه أخرى للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
الظواهر السلبية والإيجابية
أهم الظواهر السلبية هي عمالة الأطفال، حيث يلاحظ أن عدداً كبيراً من سائقي التوك توك هم من الأطفال والمراهقين، ما يعرض من ناحية حياة الركاب للخطر، ويخالف من ناحية أخرى المواثيق والمعايير الدولية الخاصة بعمالة الأطفال. وهو، على الرغم من مساهمته في تحسين وضع الأزمات المرورية في مناطق، إلا أن كثرته وتركزه في أماكن بعينها أدّيا إلى حدوث تكدس مروري شديد، خاصة في الشوارع الفرعية من الطرق الرئيسية، كذلك الى مشكلات "جرمية" بسبب من سهولة سرقته من جانب وتسبُّبه في حدوث مشاجرات عديدة بين سائقيه لصغر سنهم في أغلب الأوقات، بالإضافة إلى تسجيل استخدامه في حالات اختطاف واغتصاب عديدة.
ولكنه من جانب آخر، وعدا توفيره لفرص عمل عديدة للشبان، فقد شكَّل مواصلة رخيصة التكلفة للمواطنين في المناطق الفقيرة. وفي هذا الإطار، يمكن القول بأنه لم ينافس التاكسي، لأن لكل منهما وظيفة مختلفة ومناطق تحرُّك مختلفة، فالتوك توك يعتمد على المناطق الجانبية والشوارع الفرعية والطرق قصيرة المسافة والتي لا تجاوز أكثر من 2 كيلومتر في أغلب الأماكن.
وفي ظل كل تلك المعطيات، يبدو الحديث عن منعه من المستحيلات. وعلى أية حال، فقد "دعا" رئيس الوزراء في خطبة له منذ أسابيع، الشبان الى اللجوء اليه للعمل باعتبار انعدام فرص التوظيف لدى الدولة! على ذلك، فلا بد أن تتركز جهود المحافظات المختلفة (وفق أحوال كل منها) على ضرورة تقنين أوضاعه وتشجيع ترخيصه بإجراءات بسيطة، دون تعقيد أو روتين. كذلك، فلا بد من منع الأطفال من قيادته، وضرورة وجود رجال شرطة المرور في الشوارع الفرعية. وعلى أية حال فلا بد من الاعتراف أن التوك توك نجح في سدّ حاجات اجتماعية متنوعة..