تحتل مصر حالياً المرتبة الأولى عالميا في صناعة العجائب، بعضها بطله النظام القائم وبعضها الآخر بطله الشعب الذي لا يكف عن إبهار العالم، وهنا أمثلة على سبيل المثال لا الحصر:
• جماهيرية القنابل ـ فبمجرد أن يتم الإعلان عن وجود قنبلة في مكان ما حتى يتجمع المصريون حولها كما لو كانت مباراة لكرة القدم، وأحياناً يتدافع بعضهم كي يكونوا أكثر قرباً من القنبلة لدرجة أن بعضهم يجلس بجانب خبير المفرقعات كي يشاهدوا عن قُرب حجم القنبلة وكيفية فكّها. بيد أن التساؤل الهام متعلق بمدى إدراك هؤلاء لاحتمالية انفجار هذه القنبلة أو تلك، خاصة أن شريط الأخبار لا يكف بشكل شبه يومي عن إذاعة أخبار عن استشهاد أو إصابة عدد من أفراد الشرطة أو الجيش أو بعض المواطنين العابرين بسبب تلك القنابل.
• انتخابات رئاسية بمرشحين اثنين فقط ـ في دولة قارب تعداد سكانها على بلوغ التسعين مليون مواطن، وهي في خضم حراك مستمر حول ثورتين في أقل من ثلاثة أعوام، وبها أكثر من 80 حزب سياسي وفق هيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، ومع ذلك ليس لديها سوى مرشحين اثنين فقط لرئاسة الجمهورية. والأغرب من ذلك أن أحدهما يمتلك شعبية كبيرة تؤهله للفوز بالانتخابات رغم أنه حتى الآن لم يطرح برنامج انتخابي، ولم يعلن عن رؤية واضحة للمستقبل، ولم يظهر في برامج تلفزيونية يناقش أفكاره، وترفض حملته الرئاسية بشكل رسمي دخوله في مناظرة مباشرة مع المرشح الآخر صاحب الحظوظ الأقل كما هو ظاهر.
• جامعة بلا محاضرات ـ جاء الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي الحالي في مصر ليشهد تظاهرات داخل الحرم الجامعي أكثر من المحاضرات، حتى أن بعض الجامعات لم تعط سوى ثلاث أو أربع محاضرات فقط، وفوجئ الطلاب بتقديم موعد الامتحانات، وعلّل المسؤولون في الجامعات بأن الأمر ليس في أيديهم وأن هناك "قرار سيادي أعلى من سلطة الجامعات ووزارة التعليم العالي"!
• حكومة غير إسلامية تمنع الأفلام ـ بعد الإطاحة بحكم الإخوان الإسلامي وإزاحة الرئيس السابق محمد مرسي ونظامه الذي لم يكف عن نفي فزاعات التضييق على الحريات أو الفن عن نفسه، جاءت الحكومة المصرية بقيادة المهندس إبراهيم محلب لتمنع عرض أحد الأفلام المصرية ورفع نُسَخه من صالات العرض. وبغض النظر عن قيمة فيلم "حلاوة روح" فنيا أو أدبيا، إلا أن قرار المنع يأتي غير متسق مع ما يردده النظام القائم من إنقاذه مصر من نفق الحكم الإسلامي المُظلم، وليفتح نقاشاً حول مستقبل الفن والإبداع والحرية والتي يكفلها الدستور الجديد.
• الحكم بإعدام ميّت ـ في محافظة المنيا المعروفة بعروس الصعيد المصري، أصدر قاضٍ واحد حكماً بالإعدام بحق 37 مواطنا مصريا والمؤبد لـ490 آخرين وتحويل أوراق 683 مصريا إلى المفتي، وهي أحكام متعلقة بأحداث عنف شهدتها المحافظة في مركزي مطاي والعدوة عقب إزاحة مرسي من الحكم. ولأن في مصر لا يجوز التعليق على أحكام القضاء، فإنه يبدو من غير المعقول أن لا تتنبه المحكمة إلا أن أحد المحكوم عليهم بالإعدام قد مات قبل ثلاث سنوات أي قبل حتى أن يصل الإخوان إلى الحكم، وهو ما أكدته شقيقة المتوفى "المحكوم عليه بالإعدام" لإحدى البرامج التلفزيونية، حيث ذكرت أن شقيقها "إبراهيم محمود عبد المجيد" حكم عليه بالإعدام رغم أنه متوفى منذ 3 سنوات، مضيفة أن لديها أخاً آخر محكوم عليه واثنين من أولاد خالها وزوج شقيقتها أيضاً، وأضافت أن "وفاة شقيقها أكبر دليل على أن المحكمة وهيئتها لم تنظر في الأوراق الخاصة بالحكم".
• دعاة الدولة المدنية يرشحون عسكري ـ تركّزت أغلب الكتابات المتعلقة بالدولة المدنية بمقابلتها مع الدولة العسكرية أو الدولة الدينية. وفي مصر، كان الخطاب الرائج عقب إزاحة مرسي - باعتبار أن البعض كان يخلط بين الحكم الإسلامي والدولة الدينية - يؤكد على أن مصر على أعتاب دولة مدنية جديدة تنهي عصر الأسلمة من جانب والعسكرة من جانب آخر. واقترب الحلم من الواقع حينما أعلن وزير الدفاع المصري السابق عبد الفتاح السيسي – المرشح الحالي للانتخابات الرئاسية - عقب الإطاحة بحكم الإخوان أنه لا يطمح إلى سلطة، بيد أن أدوات النفي في مصر مؤخرا باتت تعني التوكيد. وامتلأ الفضاء المصري قولًا وكتابةً بمميزات ترشّح المشير السيسي عقب إعلان الأخير نيته تلك، حتى تحول كثير من دعاة الدولة المدنية ومنظريها - والذين هتفوا ضد حكم العسكر في تظاهرات ومناسبات عدة - إلى أكثر المرددين والمروّجين لحكم المشير، وهو أمر ليس بغريب في بلد يصنع العجائب.
• حظر من كان أول مسمار في نعش المخلوع مبارك ـ تعتبر "حركة 6 إبريل" المسمار الأول في نعش نظام المخلوع مبارك، وهي الحركة التي ظهرت في 2008 وشاركت في عدة إضرابات وصولاً إلى الدعوة والمشاركة الفاعلة في أحداث ثورة يناير 2011 ، وهي الحركة التي تعرضت لتشويه كبير على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، الى أن صدر مؤخرا حكم بحظرها ومصادرة كل ممتلكاتها، وهو قرار لم يأت غريبا خاصة بعد الحكم على منسق الحركة الناشط أحمد ماهر بالسجن ثلاث سنوات.ويبدو أن مستقبل مصر في ظل تلك الأمور العجيبة والمريبة مقبلة على ما هو أغرب، ويظل التساؤل الهام متعلق بالوجود لا بالحدود، بمعنى أنه متعلق بمدى قدرة الدولة المصرية على البقاء، بمواجهة كل تلك العجائب والمتناقضات، ولم يعد متعلق بمجرد التواجد الهشّ بحدود متراجعة للخلف على الدوام!