جاء شكسبير في أعقاب عالم أوروبيّ قديم تسوده الكاثوليكية، ويرى في بيت المقدس قبلته وأرض ميعاده. وجاء على أعتاب عالم أوروبي جديد سيغير قبلته من فلسطين إلى أمريكا (وإن استمرت مشاريعه الاستعمارية في المكانين).
حين ولد شكسبير في مثل هذه الأيام، من نيسان في عام 1564، كانت الحملات الصليبية على فلسطين قد انتهت منذ ما يقرب من ثلاثة قرون، ولكن ميراث هذه الحروب ودور ملوك إنجلترا فيها (وبالذات دور ريتشارد قلب الأسد، الذي يعتبرونه أحد الآباء المؤسسين لعائلة بلانتاجينيت الملكية التي ما زالت تحكم إنجلترا إلى اليوم)[1] ظل حاضرًا في الذاكرة، وبالذات في محاولات اختلاق الهوية الإنجليزية (كما سنرى في كتابات شكسبير نفسه). ومات في مثل هذا اليوم من عام 1616، بعد تسعة أعوام من تأسيس أول مستعمرة إنجليزية في فيرجينيا في أمريكا، وقبل أربعة أعوام من رحلة الميفلاور التي ستدشن أمريكا قبلةً للحج وأرضًا للميعاد. وفي هذا المقال، سوف نقدّم شكسبير لا-استعماريًا، لا صليبيًا ولا متحمسًا لغزو أمريكا.
لا يعنينا بالضرورة إن كان الشخص الذي عاش ما بين التاريخين وسُمي وليام شكسبير، ونسبت إليه المسرحيات الشهيرة،[2] متحمسًا للحركة الاستعمارية الوليدة أم معاديًا لها: المسألة هي قابلية النص الشكسبيري نفسه لنأخذه نحن إلى تأويلات لا-استعمارية، وإن تطلب هذا قراءته قراءةً انتقائية، أو في بعض الأحيان مقحمة.
النص الشكسبيري نفسه يمثل دعوة لمثل هذه القراءة: فقد كان شكسبير يكتب لخشبة المسرح ويتقاضى أجره من ريع التذاكر، فجاءت مسرحياته كأنها مخططات لعروض مسرحية، تطلب من قارئها أن يكون شريكًا في تخيل شكل العرض وأفكاره وطريقة تنفيذه.
وإن كان الاستعمار قد استغل النص الشكسبيري طويلًا في بناء المنظومة الثقافية للإمبراطوريات المتحدثة بالإنجليزية، وفي فرض الإنجليزية لغةً مهيمنة، حتى أصبحت نصوص شكسبير جزءًا من ثقافة عالمية مهيمنة وجزءًا من مقرراتنا التعليمية ومن تجربتنا الثقافية، فإن من حقنا أن ننتزع من النص الشكسبيري ما يمكننا تجنيده في قراءة لا-استعمارية، وأن نفرض قراءتنا الخاصة عليه فرضًا إن شئنا.
بقية المقال على موقع "حبر".