بمجرد مرور شهر على تولّي المشير السيسي رئاسة مصر رسمياً، ظهرت له وجوه كثيرة كرئيس، تختلف عن كونه مرشحاً للرئاسة. بعضها متجانس والبعض الآخر متناقض. من المؤكد أن هناك تراجعا في شعبية الرجل في الشارع المصري، على الرغم من مرور وقت قصير على وصوله لكرسي الرئاسة. بات ذلك ملحوظاً في أي وسيلة مواصلات عامة أو في الشارع أو حتى من خلال انقلاب بعض المؤيدين من إعلاميين وصحافيين عليه، وهو ما يعكس وضع مقلق للرجل الذي فهم أن الرئاسة سعت إليه أكثر مما سعى هو إليها.
العنيد
بمجرد ما تم تنصيب السيسي رئيساً، شرع في إصدار سلسلة قرارات حازمة تختلف عما كان يردده سابقاً. في مقدمة تلك القرارات، ذاك المتعلق برفع الدعم، مما ترتّب عليه ارتفاع أسعار المواصلات العامة وغيرها من الاحتياجات اليومية للمواطن المصري. وكان السيسي قد صرح بأن القرار سيؤثر على شعبيته، لكنه اختار المضي فيه مبرراً ذلك بأنه إنقاذ للوطن. بدا السيسي في أول قراراته حازماً ماضياً في طريقه رغم الاستهجان الشعبي والغضب المتصاعد، وهو وإن كان ينقذ الوطن من ناحية بحسب تعبيره إلا أنه بالتأكيد لن ينقذ شعبيته المتراجعة في الشارع المصري. يعكس ذلك وجهاً عنيداً للرجل، تمنى المصريون طلاقه طلاقًا بائنًا بعد خلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي كان يفتخر بأنه يحمل دكتوراه في العناد.
الزاهد
أعلن السيسي تبرعه بنصف مرتبه وتنازل عن نصف ثروته لصالح مصر، بالإضافة إلى تبرُّعه بمبلغ كبير لصندوق دعم مصر الذي يشرف عليه شخصياً مع مؤسسات هامة في الدولة كالأزهر والكنيسة، وهي خطوة باتت ضرورية في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم. بدا هذا التبرع كرسالة للشعب بأنه أول المتنازلين لصالح الوطن، وهي رسالة كشفت وجهاً زاهداً للرجل، لا يطمع في مال الدولة ولا يتوانى عن التبرع بأمواله لصالحها. الخطوة التي قوبلت بالترحيب الشديد لدرجة وصف وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة الشرقية بأنه فعل أشبه بأفعال الصحابة، رأى فيها البعض مجرد «استعراض إعلامي».
المتناقض
ينطقها السيسي مبتسماً: «مسافة السكة.. مش كده ولا إيه؟»، في إشارة لاستعداد مصر وجيشها للتحرك دفاعًا وصدًا لأي خطر خارجي يمس أمن دول الخليج العربي، ومن أجل الحفاظ على الأمن القومي العربي.
ويبدو التساؤل بديهياً حول مدى اعتبار غزة ـ التي هي بالفعل «مسافة السكة» من الحدود المصرية الشرقية ـ جزءًا من أمن مصر القومي (ولا إيه؟) أياً كانت تعقيدات الوضع داخليا فيها. إلا إن غزة كانت تنتظر من مصر ما هو أكثر من المبادرة المصرية المطروحة. تنتظر رداً حازماً قوياً يهدد فيه الكيان الصهيوني بكل شيء مع من أجل حماية دماء الشعب الفلسطيني، حتى لا يتصور البعض أن دماء العرب في الخليج العربي أغلى من دماء العرب في فلسطين. فالدم العربي يفترض أنه سواء. وبالتالي عكس ذلك وجها متناقضا للرجل، الذي تجلّى بمنع الجيش المصري مرور قافلة شعبية لدعم غزة تحمل معونات طبية وغذائية عند كمين بالوظة بسيناء.
الخلوق
جاءت الصورة التي يُقبِّل فيها الرئيس السيسي رأس الملك عبد الله لتعكس وجها خلوقًا للرئيس السيسي. ودافع البعض عن مدى أخلاق الرئيس السيسي باعتبار الملك عبد الله رجلا طاعنا في السن أصرّ على زيارة مصر رغم مرضه الشديد، والسعودية تستحق من مصر كل تقدير نظرًا لمواقفها. لكن الصورة أثارت غضب بعض المصريين لأن الموقف ينم عن عدم معرفة بالبروتوكول الذي لا بد أن يتبعه الرئيس خاصة وإذا كان رئيس دولة بحجم مصر.
الرقيق
يحمل الرئيس السيسي باقة ورد ويدخل أحد المشافي العسكرية كي يزور مواطنة مصرية تمَّ التحرش بها في ميدان التحرير، ويقدم لها الاعتذار عما حدث، وهي لفتة طيبة للغاية من الرجل، عكست وجها رقيقا أحبه معظم المصريين، إلا أنه يضعه في وضع لا يحسد عليه خاصة وأن حوادث التحرش لا تنتهي ولن تنتهي. يصبح التساؤل هنا مرتبطا بمدى استمرار الرجل في المواساة والزيارات، وبالتأكيد يبقى الأهم من ذلك هو مدى قدرته كرئيس على حماية المصريات من التحرش بأكثر من باقة ورد ومن اعتذار شفوي. ربما يستحق كثير من المعتقلين المصريين منذ شهور مضت ـ دون سند قانوني أو جريمة جنائية ـ مثل تلك الزيارة ومثل ذلك الاعتذار.
تلك وجوه للسيسي تجلّت في وقت قليل، كنتاج لمواقف وقرارات. وما زال كثير من المؤيدين يتعامل مع ما يفعله الرجل بتأييد بعضه مستحق وسواه في غير محله. في حين يتعامل المعارضون للرجل مع ما يفعله بمعارضة وسخط، ربما كان مستحقا وربما كان في غير محله. مع مرور الوقت، سوف تتجلّى وجوهٌ أخرى للرجل، يخشى بأن يكون الأسوأ فيها هو الغالب، وفي ظل معطيات مقلقة على شعبية الرجل من ناحية وعلى مستقبل الوطن من ناحية أخرى.