أحلام وأوهام شباب الإخوان في مصر

تظاهرات إخوان مصر   دراما شباب الإخوان نجلاء مكاوي   أحمد بان بدأت حركة الاحتجاج في التصاعد سنوات قبل الثورة،
(محمد عبد الغني ــ رويترز)

تظاهرات إخوان مصر

 

دراما شباب الإخوان

نجلاء مكاوي

 

أحمد بان

بدأت حركة الاحتجاج في التصاعد سنوات قبل الثورة، وتفاعلت معها فئات اجتماعية متنوعة المطالب خرجت للتعبير عن ذاتها، مدشنة مرحلة من التمرد على واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي. استخدمت السلطة كل وسائلها لمواجهة هذا العصيان، الذي بدا أنه يهدد تدريجيا تماسك كيانها المتسلط ونمط علاقتها بالمجتمع. كانت جماعة الإخوان المسلمين تعمل ليس من أجل تفكيك مأسسة الإخضاع والقهر وتغيير نمط تلك العلاقة، بل ارتكز عملها على تقوية علاقتها بالمواطن من أجل الهدف الأساسي الذي حكم استراتيجية عملها، وهو التصويت لها في صندوق الانتخابات. وهنا، في هذه النقطة، حدث تبادل منافع بين السلطة القديمة والإخوان. فالاولى كانت تحاول تثبيت الإحساس بالعجز والعزلة عند الناس، لدفعهم إلى البحث عن تلبية احتياجاتهم الملحة بطرق أخرى غير مطالبة الدولة بها، وهو ما وفرته الجماعة التي تعاملت مع المواطن على أنها البديل الذي يستطيع توفير تلك الحاجات، عبر أعمالها الخيرية من أجل الحصول على صوته، الرافع الأساسي إلى السلطة.

تعدد مفاهيم التظاهر!
دعوة الجماعة للتظاهر ضد السلطة بعد أن عادت إلى موقع المعارضة محل جدل. إذ يرتفع اليوم صوت أنصار الجماعة بالحق في التمرد بكل صوره، وعلى رأسها التظاهر، الذي باتت تتهم قامعيه بالاستبداد... في حين أنها وهي في الحكم، كانت تنظر للتظاهر كأداة مقبولة وشرعية لتأييد السلطة ودعمها، لا لمعارضتها. بل طالب مؤيدو الإخوان في تظاهراتهم حينذاك بقمع كل من يتظاهر ضد السلطة. لقد صاغت الجماعة أكثر من مفهوم للتظاهر ما بين دعم سلطتها، إلى الاحتجاج على إسقاط هذه السلطة، إلى أداة ضغط لتحسين شروط التفاوض مع السلطة الحالية.
المثال على الحالة الأولى كان عندما دفعت الجماعة بقواعدها للتظاهر تأييدًا للرئيس مرسي وكل قراراته، حتى قبل أن تصدر، كما حدث في الإعلان الدستوري 22 شباط/نوفمبر 2012، وتداعياته. وقبل ذلك تظاهرت الجماعة وحلفائها في 10 تموز/يوليو 2012، لدعم قرار مرسي بعودة مجلس الشعب، وفي 12 منه من أجل إسقاط الإعلان الدستوري المكمل، والمطالبة بإبعاد المجلس العسكري عن الحياة السياسية، ثم تظاهرت تأييدا لقرارات الرئيس بإحالة وزير الدفاع ورئيس الأركان وقيادات عسكرية أخرى للتقاعد، في 17 آب/أغسطس 2012.
استمرت الجماعة في إبراز قدرتها على الحشد لدعم وجودها في السلطة، بعد تصاعد حركة المعارضة ضدها، في النصف الأول من العام 2013. في هذا الوقت، أعلن قادتها وقادة القوى الحليفة لها أن دعوات التظاهر من قبل المعارضة هي لنشر الفوضى والتخريب في البلاد، وأنها محاولات لثني الرئاسة عن إصلاح ما أفسده النظام السابق، متهمة كل من يتظاهر احتجاجا على سياستها بالعمالة والانتماء إلى ذلك النظام، دون أي محاولة للفرز بين القوى الموجودة في الشارع ضدها، واتهمتها جميعا بالفلولية، والتبعية للأجهزة الأمنية والمخابراتية. وأثناء الدعوة للتظاهر من أجل إسقاط حكمها في 30 حزيران/ يونيو، قامت الجماعة بالحشد المضاد، مهددة بأنه لو خرج "الآلاف" في ذلك اليوم، فإنها قادرة على إخراج الملايين الذي سيتظاهرون تأييدا لبقاء مرسي، ودعما لعناده في عدم الاستجابة ولو للحد الأدنى من التغيير المُطالب به.
وفي مواجهة مؤسسات الدولة، التي بدا تمردها واضحا على محاولات الإخوان للسيطرة، استخدم الإخوان التظاهر آلية لتبرير فشل محاولاتهم في إحكام تلك السيطرة. بل راحوا يطالبون بمحاكمات عادلة لقتلة الثوار، بينما كان الرئيس مرسي قد تجاهل تقرير لجنة تقصي الحقائق في أحداث الثورة، واحتفظ به ولم ينشره.
بعد خسارة الجماعة للحكم، سجلت أعلى معدل للتظاهر، في مقابل تراجع نسبة المحتجين من باقي الفئات، فبلغ متوسط عدد الاحتجاجات لأنصار مرسي، المحتجين على عزله، في شهر آب/أغسطس فقط، 790 احتجاجا، وهو الشهر الذي شهد فض اعتصامي "رابعة والنهضة" بالقوة المسلحة. وقد عمدت الجماعة إلى توزيع متظاهريها في مناطق متفرقة، وفي ميادين رئيسة، من أجل الضغط على السلطة، والإيحاء بكبر حجمها واتساع مساحتها جغرافيا، وإرهاق الأمن الذي استخدم أعنف الأساليب في مواجهتها. استمرت المعركة بين الأمن ومتظاهري الجماعة، وحدث تقدم لمصلحة الأول مع اقتران التظاهر بمشاهد حرق وتدمير منشآت الدولة. ثم بدّل المتظاهرون هدفهم، وانتقلوا من المطالبة بعودة "الشرعية" إلى الاحتجاج على قمعهم واعتقالهم واستخدام العنف في مواجهتهم، وهو ما أدى إلى تضامن البعض معهم، في مواجهة السلطة اعتراضا على أسلوبها. مع ملاحظة أن معظم المتضامنين هم ممن شوهت الجماعة سمعتهم وقت تظاهرهم ضدها إبان وجودها في الحكم.

وظائف أخرى للتظاهر
في الوقت الذي تظاهر فيه مؤيدو الجماعة والمتضامنون معهم للاحتجاج على عنف الأمن وأساليبه، كان القادة يحاولون استخدام حشودهم، المتراجعة تدريجيا، كورقة للتفاوض مع السلطة. وهو ما فشل. فالسلطة استخدمت من البداية الأسلوب ذاته، وقررت الاستمرار في لعبة الحشد والحشد المضاد، والتظاهر مقابل التظاهر، فيما كانت هي الأقوى، وصاحبة الأدوات الأكثر سطوة. ومثلما فعل الإخوان وقت تضييق الخناق عليهم، بأن أدلجوا المعركة، مدعين أنها حرب على الجماعة لمجرد أنها "إسلامية"، فعلت السلطة أيضاً، وصنعت حرباً قادرة على الاستقطاب الشعببي، وهي "الحرب على الإرهاب". ونجحت في إدارة المعركة وتطويل أمدها لإنهاك الإخوان، وشرعنة كل الممارسات ضدهم. وهي عملية بدأت منذ دعوة الفريق عبد الفتاح السيسي للشعب لتفويضه لمحاربة "الإرهاب المحتمل".
مع ضرورة القول بأن فشل عملية التفاوض لا يرجع فحسب لانعدام توازن القوى على الأرض، بل أيضًا لتمسك قادة الإخوان بالمطالب نفسها، دون مراعاة هذا التوازن، الذي يستحيل معه التوافق حول أي منها.

الفشل
يتلخص فشل تظاهرات الإخوان اليوم في إحراز أي مكاسب ترتضيها الجماعة، وتنقذها من محنتها الآنية، في أنها لا تزال تتبنى خطابا طائفيا، غير جامع، على الرغم من محاولتها الحديث باسم الثورة، وتبني شعاراتها، في مواجهة انقلاب قامت به مؤسسة هي بطبيعتها معادية للثورة. فالجماعة لا تستطيع أن تقرأ جيدا طبيعة العلاقة الآنية بين تلك المؤسسة وجزء كبير من الشعب، تلك العلاقة التي خططت المؤسسة العسكرية جيدا لتحسينها، وإرجاعها إلى إطارها الكلاسيكي، إطار الضامن والحامي، بعد اهتزازها فترة حكم المجلس العسكري. ولحق بهذه العلاقة تغير طفيف حيث حملت السلطة جزءا من الشعب على الاقتناع بضرورة تكامل الأدوار مع الدولة في الحماية: حماية البلاد وأمنها وسلامتها من الجماعة "الإرهابية" التي تهددهما.
وفشلت أكثر كل محاولات الإخوان لتفعيل تحركاتهم ضد السلطة القائمة عندما حاولوا انتهاج أساليب متطورة في الاحتجاج، لطالما اعتبروها تخريبا وفوضى وإثماً في مواجهة الدولة، مثل مساعيهم لتعطيل حركة مترو الأنفاق. وتصاعد الغضب الشعبي من قطعهم الطرق والكباري وشل حركة المواصلات، ما جعلهم مصدراً للذعر والفوضى وإعاقة الحياة، وفرض الإرادة بالقوة، فأصبحوا في مواجهة المواطنين، المشلولة حياتهم، والذين استقر في إدراكهم أن الجماعة تزيف المطالب التي تطرحها في تظاهراتها، من ادعاء التمسك بأهداف الثورة، ومواجهة الثورة المضادة، ومن حقهم في التظاهر كمواطنين.

  وقف يتسامر مع زميله في نوبة حراسة مقر الاعتصام في رابعة متسائلا: هل أجرمنا حين أردنا أن نحيا كما يريد ديننا؟ هل أجرمنا لأننا نريد أن ننتزع وطنا يحترم ناسه؟ هل أجرمنا لأننا ندافع عن رئيس منتخب ودستور وبرلمان؟
رد عليه قائلا : نعم أجرمنا، حين تركنا عقولنا لعقل شخص يفكر ويدبر لنا تحت وهم الثقة في القيادة رغم أننا لا نعرف تلك القيادة، ولم نفهم وصية شيخنا حسن البنا عندما سأل: هل تعرفت إلى قائدك؟هل اطمأننت إلى كفاءته؟ من منا يعرف هؤلاء الأشخاص المختبئين في المكاتب المكيفة في المقطم أو مدينة نصر. قد يكون بعض تلك القيادات طبيبا نابها، أو مهندسا ناجحا، أما قائدا سياسيا يفهم السياسة ومعاركها، أشك. قالها في حسرة ثم استطرد قائلا ،هل تعلّم أحد منهم كيف تدار الدول أو تبنى، هل يعرف أحدهم شيئا عن الاستراتيجية. ماذا تعني الشرعية التي نموت من أجلها؟ وهل الشرعية شيك على بياض كتبه المصريون لنا لنفعل بهم ما نشاء ؟ أخي دعنا نحكِ الحكاية من البداية ولنكن صرحاء: متى كانت الثورة من وسائلنا في التغيير، نحن حركة إصلاحية ارتضينا العمل تحت السقف الذى يحدده النظام الحاكم، عندما أيقنا أن فرص الصدام مع أي نظام حاكم، تأتي دوما في صالح النظام المسلح بالأمن والجيش.
ألم يقل لنا حسن البنا "وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها". ألم يتمتم حسن البنا قبل وفاته بكلماته الأخيرة "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لعدت بالإخوان إلى زمن المأثورات"، في إقرار منه قبل وفاته بأن طريق السياسة هو طريق الآلام وأنه الطريق الذي لم نجن منه سوى الحنظل. هل التزمنا بنصيحته أم مضينا في الطريق على غير هدى، مصرين على هاوية الحكم مغمضي العيون، من دون عقل أو روية.
استخدمنا السلاح ضد الدولة الناصرية، وخضنا معارك ضارية انتهت بنا إلى أعواد المشانق وخلف أسوار السجون، وعندما أفرج عنا السادات لم نع الدرس، وقررنا ان نستمر في السعي للحكم بأي طريقة وبأي ثمن رغم أن اغتيال المرشد الأول فضلا عن دروس المرحلة الناصرية كانت تدعونا لتأمل المسار بعد أربعين عاما، وبالرغم من أن بني إسرائيل ضرب عليهم التيه أربعين سنة ليعودوا لرشدهم، فقد تجاوزناهم في التيه لنواصل ما اعتدنا عليه
كانت التجربة تدعونا أن نخلص لفكرتنا كما تحدثنا عنها انطلاقا من قول الله "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". كانت الدعوة والتربية هما الخيار الاستراتيجي الصحيح، ولكننا تعاملنا معها باعتبارها حصان طروادة الذي نتخفى فيه حتى نصل لحكم مصر.
مارسنا استراتيجية الكمون مع مبارك، وحاولنا التكيف مع نظامه الذى تراوحت سياسته معنا بين الضربات المحسوبة بدقة، وترك هامش محسوب للحركة. وظللنا نعمل تحت سقف نظامه، وقد تواضعت طموحاتنا لتتلخص في بقاء التنظيم، الذي تحول لدينا من وسيلة لتمكين مشروعنا، إلى غاية وصنم نتعبد له صباح مساء، ونضحي في سبيله بأي شيء.
وحين حانت اللحظة الفريدة في تاريخنا، دقت الثورة أبوابنا، ثورة 25 يناير وارتفعت صيحات الشباب في الميادين "الشعب يريد إسقاط النظام"، شباب مصري غير مسيس، لم يعشق سوى هذا البلد، وامتلك الخيال الذي افتقدناه، سخرنا منهم في البداية وقلنا انهم ينتحرون، فلم نتصور أن هناك شعبا غيرنا وأننا القوة الحية في هذا البلد، وتحت حالة الكمون التي أدمناها، انتظرنا حتى أذنت لنا القيادة بالنزول للميادين. وبدلا من القراءة الصحيحة للمشهد، الذي كان يقتضي بناء تحالف سياسي واسع من قوى الثورة نسانده نحن كقوة ضغط في الشارع، لتبقى الثورة معبرة عن كل الشعب، غازلنا المجلس العسكري الحاكم من اجل الالتفاف على هذا المشهد الثوري وتطويقه. وفي ليلة حالكة السواد من شهر فبراير الحزين، وفي الغرف المغلقة أبرمنا الصفقة الحرام مع المجلس العسكري، الذي قال لنا نحن نعلم أن شعبيتكم كبيرة وسنضمن لكم انتخابات نزيهة وشفافة.
وبلعنا الطعم، وشربنا دم الثوار وانسحبنا من الميدان، وقلنا كفى ثورة، لقد حانت لحظة السياسة. ولم تكن سياسة بل... يوم سكتنا على قتل الثوار في محمد محمود ومجلس الوزراء. في اللحظة التي كنت تحتم علينا أن نبقى ثوارا، اخترنا بغباء وانتهازية أن نكون سياسيين على شروط المجلس العسكري، ومضت المشاهد مبهجة، ها نحن حصلنا على أغلبية البرلمان، ولم نكد نبتهج بهذا البرلمان حتى حله القضاء الذى ناصبناه العداء، ولم نعرف كيف نعيد هيكلته باحتراف. كانت إشارة حل المجلس واضحة، مؤسسات الدولة لا ترحب بنا.
لم ينبهنا ذلك لمراجعة الخطط والتخلي عن نهج الاستحواذ، وبناء تحالف سياسي واسع يصمد للتعامل مع تلك المؤسسات. وعندما بدا لنا أننا نخسر البرلمان الذي تم حله، قررنا بغباء أن نترشح الى منصب الرئيس، ولأننا نملك ماكينة انتخابية لا يملكها غيرنا فقد فزنا بأغلبية ضئيلة جدا، كانت إشارة أخرى ان نصف الشعب لا يثق بنا. وحين بدا لنا أننا تمكنا من حكم مصر، اشتعلت الأرض من تحت أقدامنا، وكشرت مؤسسات الدولة عن أنيابها. ولأننا دوما أبطال الفرص الضائعة، ونحب ان نلدغ من نفس الجحر مرتين وأكثر، رغم أن هذا ليس حال المؤمنين، قررنا أن نمزج في المواجهة بين الخيارات الثورية والخيارات السياسية: يصدر الرئيس إعلانا دستوريا يجعله نصف إله، تكشر المعارضة عن أنيابها فيتراجع الرئيس مرتعدا. قدمنا نموذجا متفردا في الحكم، رئيس منتخب يحشد أنصاره للتظاهر لتأييده حتى يبقى قلبه مطمئنا ويتشجع في إصدار القرارات، وشرب الرئيس لبن السباع ، ولكن الشجاعة لم تأت، وظل يتأرجح بين الثورة والسياسة حتى أطاحت به ثورة جديدة في 30 يونيو. لنعود بعد عام واحد في الحكم، فنتذكر فجأة أننا يجب ألا نترك الميدان، ونتذكر فجأة أننا ثوار.
ثوار في الوقت الخطأ.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...