اعتقل بموجب قانون التظاهر في مصر الآلاف، ويخوض منذ 18 آب/ أغسطس الماضي عدد منهم إضرابا عن الطعام لإسقاطه واحتجاجا على ما يتعرضون له من عسف وتعذيب داخل السجون، وعلى إجراءات محاكمتهم والأحكام الصادرة بحقهم (كانوا بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر الجاري 156 مضرباً عن الطعام منهم 82 معتقلاً داخل السجون وأقسام الشرطة، و66 متضامنا مضربا كليا خارج أماكن الاحتجاز علاوة على 9 مضربين إضرابا جزئيا). ومع أن التظاهرات العامة كانت حامل الأحداث السياسية في السنوات الماضية، فقد صدر القانون لتجريم التظاهر وليس لتنظيمه. وللقانون "الجديد" أسلاف.
من 1914 إلى 2014
صدر القانون الأول في مصر تحت اسم قانون التجمهر منذ مئة عام بالضبط، وهو القانون رقم 10 لسنة 1914، في ظل حكم الاحتلال الانجليزي. يعاقب هذا القانون تجمهر أكثر من خمسة أشخاص بالحبس ستة شهور إن لم يتفرقوا بأمر الشرطة، ويجوز مد العقوبة لثلاث سنوات لمن يستخدم العنف أو يحمل أسلحة، كما يعاقب مدبرو التجمهر بعقوبات المشاركين نفسها. في العام 1923 صدر قانون جديد رقمه 14، فرض إخطار المحافظة أو المديرية أو البوليس بالتجمهر أو الاجتماع العام وأجاز منع الاجتماع إذا ارتأت السلطات خطرا على الأمن العام، ومن لا يلتزم بذلك من المنظمين يعاقب بالحبس ستة أشهر ومن المشاركين يعاقب بشهر حبس. عدل هذا القانون لتغليظ العقوبات في 1929 . وفي عهد عبد الناصر صدر قانون رقم 87 لسنة 1968 بإضافة مادة جديدة إلى قانون سنة 1914 لتغليظ العقوبات بشدة بحيث تصل إلى 20 عاما أو إلى الحكم المؤبد في حالة حدوث أي تخريب لمنشآت أو مباني عامة. استمر هذا القانون ساريا فيما بعد، وأضيف إليه "قانون الطوارئ" الشهير في عهد مبارك. وكان هناك مشروع قانون للتظاهر في عهد مرسي، ولكنه لم يصدر.في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، صدر القانون الحالي للتظاهر، الرقم 107 بدعاوى تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. في المادة السابعة منه "يحظر على المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر"، بينما تشير المادة الثامنة إلى ضرورة إخطار مركز الشرطة الذي تتبع له الدائرة المقرر إقامة الاجتماع أو التظاهرة فيها ببيانات عن المكان والموعد والغرض والشعارات وبيانات المنظمين للمظاهرة أو الموكب أو الاجتماع. أما المادة العاشرة فتعطي الحق للداخلية في منع التظاهرة بقرار مسبب وعلى المخطر إن أراد التظلم اللجوء للقضاء. أما العقوبات في القانون فبعضها يصل إلى سبع سنوات في حال حيازة مفرقعات أو مواد نارية وغرامة تصل إلى 300 ألف جنيه، بينما تصل من عامين إلى خمسة أعوام وغرامة قد تصل إلى مائة ألف جنيه في حال عدم الالتزام بالمادة السابعة.خالد علي، المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق، يعلق على هذا القانون قائلا أنه صدر بدون أي تشاور مجتمعي لا سيما وأن السلطة الحالية جاءت على خلفية الثورة، ما كانت يَفترض التعامل مع التظاهر كحق وليس باعتباره جريمة. ويقول: "هي الذهنية القديمة نفسها التي تتيح للسلطة منع المظاهرة في أي وقت وجعلها غير مشروعة، كما أن العقوبات تمت المغالاة بها". أما لجهة تطبيق القانون فالداخلية لا تتبع إجراءات الفض القانونية ولا تلزم أفراد شرطة ارتداء الزي الرسمي، كما يجري الادعاء على أشخاص بأنهم تظاهروا دون أن يفعلوا ذلك، أو الادعاء عليهم بقطع الطريق حتى لو وقفوا على الرصيف. ويشيرالحقوقي إلى المادة السابعة التي تلغي حق الإضراب عن العمل وهو حق دستوري، بالإضافة إلى أن كل جملة في المادة المشار إليها سابقا تعد جريمة مستقلة بذاتها، بينما أركان هذه الجرائم غير محددة، ويرى أن المصطلحات والصياغات واسعة ومطاطة وبمثابة شباك لتصيّد الأخطاء ومنع الناس من ممارسة حقوقها، كما أنها تستخدم لأغراض سياسية.
المعتقلون "جابوا آخرهم"
وفقا لـ"ويكي ثورة"، وهو موقع مختص بتوثيق أحداث الثورة وشهدائها ومعتقليها، فإن عدد المعتقلين بموجب قانون التظاهر منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وحتى آذار/مارس 2014 وصل إلى 1578 معتقل. ووفقا لحملة "الحرية للجدعان"، فالقضية المعروفة ب"مجلس الشورى" هي من أبرز قضايا المعتقلين بموجب هذا القانون، وهؤلاء 25 شخصاً شاركوا في وقفة سلمية أمام مجلس الشورى في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي للمطالبة بإلغاء مادة المحاكمات العسكرية من الدستور، وصدر ضدهم حكما غيابياً بالسجن ل15 سنة، رغم محاولة ثلاثة منهم حضور الجلسة، وهم علاء عبد الفتاح وحمادة نوبي ووائل متولي. وهناك معتقلو قضية مظاهرة خالد سعيد التي نظمها نشطاء في 2 كانون الاول/ ديسمبر 2013 في الإسكندرية، أثناء محاكمة قتلة خالد سعيد، وقد حكم فيها على عمر حاذق ولؤي القهوجي وإسلام حسانين وماهينور المصري بالحبس عامين، ثم خفف الحكم على المصري ليصل إلى ستة شهور. وهناك القضية الشهيرة باسم "الاتحادية"، حيث اعتقل 23 شخصاً في حزيران/يونيو الماضي أثناء مسيرة للمطالبة بإسقاط قانون التظاهر والإفراج عن المعتقلين، من بينهم سناء سيف ويارا سلام .. ولم يسلم طلبة الجامعات من هذا القانون، وكذلك الصحافيين. شعار الحملة "# جِبنا آخرنا"، وقد أصدرت حركات سياسية وأحزاب بيانات تضامنية مع المضربين. ويرى خالد علي أن قضايا التظاهر هي قضايا رأي لا يجوز معها تغليظ العقوبات لأنه لم يتعرض شخص للأذى بسببها..
قانون غير دستوري
في أيار/مايو الماضي قام المحاميان خالد علي وطارق العوضي برفع دعوى قضائية بعدم دستورية مادتين من مواد قانون التظاهر. يقول علي: "قدم طارق العوضي إخطارا لطلب مظاهرة في 2 أيار/مايو احتفالا بعيد العمال واحتجاجا على غلاء الأسعار، وابلغ أنه سيكون بها مليون متظاهر وأنها ستمر بمنطقة حدائق القبة". رفضت الداخلية بداية استلام الإخطار ثم عادت فاستلمته. وفي الاول من أيار/مايو أخبرت الداخلية العوضي أن المظاهرة رفضت، فأخذ المحاميان هذا الإنذار وتوجها إلى محكمة القضاء الإداري ورفعا دعوى لإلزامها بتصريح التظاهر، ودفعا بعدم دستورية المادة 10 التي تجعل المواطن الذي رُفض طلبه بالتظاهر يلجأ للقضاء، لعدم دستورية ذلك فالمفترض بالداخلية أن تلجأ هي للقضاء لإثبات أسباب اعتراضها. كما طعنا بالمادة 8 التي تلزم المواطن باللجوء للداخلية للحصول على التصريح بينما بعض التظاهرات تكون ضد الداخلية أو تكون عبئا على الداخلية لأنها عليها تأمينها. ويضيف علي "حصلنا على تصريح برفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا في حزيران/يونيو الماضي. وأتوقع سنوات للوصول إلى نتيجة في هذه القضية، الأمر في حقيقته عبارة عن رسالة قضائية تدعم موقفنا السياسي لأن مجلس الدولة، وهو جهة قضائية، اقتنع بأن هذا القانون يشوبه بطلان وهذا قد يستخدم للضغط السياسي من أجل تعديل القانون".معركة طويلة إذاً، متعددة الجوانب والأدوات. ومنها إضراب المعتقلين عن الطعام الجاري اليوم.