"الحرب ضد الإرهاب" و"الحرب ضد الانقلاب" هي الشعارات التي يروج لها طرفا الصراع الجاري في مصر، ويرتكبان باسمها الكثير من الانتهاكات والتجاوزات وحتى الجرائم. ووسط الارتباك السياسي، يحاول الحقوقيون حماية المبادئ والحقوق للجميع بغض النظر عن الانتماءات، فلا يسلمون من الاتهامات: " طابور خامس"، "عملاء"، "خونة"... وهي ليست جديدة على من يعمل بالمجال الحقوقي في مصر، فهي تتكرر منذ زمن مبارك وحتى الآن، لكن عمل الحقوقيين بات أكثر صعوبة، خاصة بسبب الضغوط عليهم لدفعهم إلى الانحياز لواحد من الطرفين، بل مطالبتهم بذلك علنا.
مسؤولية السلطة بالأساس
عماد مبارك، مؤسس ومدير "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، عمل كحقوقي لما يزيد على 13 عاما. وهو يشير إلى أن العمل الحقوقي يستدعي بالتعريف الضغط على الدولة للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وحماية المواطنين من أي انتهاكات لها. وهذا يستدعي ألا ترتكب السلطة نفسها انتهاكات ضد المواطنين، وأن تحميهم من أي انتهاكات قد تمارس ضدهم من قبل أفراد أو مجموعات. عماد يقف ضد طرفي الصراع من منطلق سياسي وحقوقي على السواء، لطالما يرتكبان جرائم ضد المواطن المصري. وهو يشير إلى أن حركة حقوق الإنسان هي اليوم في أضعف حالاتها منذ نشأتها في مصر: "الموضوع واضح، فبالنسبة لنا كل من ارتكب جرائم وهو في السلطة يجب محاسبته ومساءلته بغض النظر عن هويته. المشكلة الأخرى التي تزيد من تعقيد الأمور هي أن هناك بعض منظمات حقوق الإنسان انحازت لجانب السلطة، ما أربك الخطاب الحقوقي وهدد مصداقيته".
ويستشهد عماد بحادثة مقتل الطالب محمد رضا داخل الحرم الجامعي على ايدي قوات الأمن
Normal
0
false
false
false
EN-US
X-NONE
AR-SA
MicrosoftInternetExplorer4
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt;
mso-para-margin:0in;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:"Calibri","sans-serif";
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:"Times New Roman";
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;}
، والتي دفعت بمن كانوا يريدون عودة الحرس الجامعي إلى التراجع عن هذا الموقف لحماية استقلال الجامعة من تدخل الأمن. يشير عماد أيضا إلى أن صعوبة ممارسة الحيادية المهنية بالنسبة للحقوقي يعززها ما خلفته جماعة الأخوان المسلمين من كراهية لها بين القوى السياسية وداخل المجتمع، ما يبرر بنظر البعض الانتهاكات الممارسة ضدها. ويضيف " شعار الحرب على الإرهاب لا يبرر جرائم السلطة وقتلها لمواطنين، لأن ذلك يعبر أولا وببساطة عن فشل الأجهزة الأمنية في تطبيق القانون، وثانيا عن أن همَّ تلك الأجهزة ليس حماية المواطن بل حماية السلطة". في النهاية يشير إلى أن العمل الحقوقي في مصر مرهق: "ليس من السهل التعامل اليومي مع مثل هذا العنف، فحين أرى كيفية قتل الأشخاص، وأرى عنف الدولة وقمعها والقبول الشعبي له، وفي الوقت ذاته عليّ مواجهة ذلك ومحاولة حله كحقوقي، يؤدي الأمر إلى أيام من الأرق وكثير من الأدوية المضادة للاكتئاب. وبعد وقت أكتشف أن الحياة الشخصية اختفت بالتدريج، وحتى لم يعد هناك مساحة للعمل السياسي أو البحثي".
زيارة المشرحة
ربما يكون الأمر أصعب على شخص يتطلب أغلب عمله زيارات المشرحة والمستشفيات لتوثيق انتهاكات القتل والتعذيب والإصابات وجمع الشهادات. منار كامل حقوقية في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وعملها يرتبط بالرصد والتوثيق بالأساس. تعمل منار منذ سبع سنوات في المجال الحقوقي، وترى أن الأمر المربك بالنسبة لها الآن هو أن من كان في السلطة بالأمس ويرتكب جرائم ضد حقوق الإنسان، أصبح ضحية جرائم السلطة الحالية.
وهي ترى أن الحقوق تشمل تلك الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والشخصية، وأنه حتى في ظل أحداث العنف الأهلي، فالمسؤولية تقع على الدولة لعدم حمايتها حياة الأشخاص، أو منع السلاح، فكيف حين تلجأ أجهزتها هي نفسها للعنف والعقاب الجماعي ولا تلتزم بتطبيق القانون.
وتقول "من الصعب سؤال أهل قتيل عن شهادتهم عما حدث، ففيهم ما يكفيهم من حزن، لكن بالرغم من ذلك، تساعد شهادتهم على توثيق ومن ثم ضبط صحة تقارير الطب الشرعي والإجراءات القانونية التالية". وهذا ما حاولت عمله عند فض اعتصام رابعة مثلا، فأرقام القتلى التي أعلنت في إعلام الأخوان وإعلام السلطة كانت مضللة، وكان عليها التأكد بنفسها في المشرحة.
تقول منار "لا أرى أي التباس في الدفاع عن ضحية تعذيب للإخوان كي يحصل على حقه، والدفاع عن الاخوان أنفسهم إن حدثت ضدهم تجاوزات وانتهاكات، الحل في تطبيق العدالة الجنائية بشكل قانوني. أنا ضد مرسي وجماعته سياسيا وعملت ضدهم في إطار المنظمة على خلفية انتهاكهم حقوق الإنسان حين كانوا في السلطة، لكن هذا ببساطة لا يتعارض مع حق أي مواطن في التعبير عن رأيه من دون التعرض لقتل أو اعتقال أو تعذيب حتى لو اختلفت مع مطالبه". وهي ترى أنه في ظل الهستيريا السياسية الحالية في مصر يصعب إقناع الناس بالخطاب البديهي القائل بأن القتل لا يمكن تبريره بأي حال.
الثورة هي البوصلة
محمود بلال محام في "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، وعضو مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية"، عمل كحقوقي منذ الثورة في 25 يناير 2011، ويقول عن موقفه مما يحدث الآن في مصر: " لقد شاركت في الثورة وحملت جثث أصدقاء ورفاق وتعاملت مع ذويهم، وكان علي رغم حزني أن أطمئن الأهالي برجوع حق أولادهم.
أنا أعمل على قضايا الشهداء والمصابين والمعتقلين بدافع شخصي في المقام الأول، ثم سياسي وحقوقي ومهني، لأن الكثير من الضحايا أصدقائي وزملائي ويحملون نفس مطالبي، ولأنهم قتلوا وأصيبوا واعتقلوا على بعد خطوات مني. وأشعر بسعادة بالغة حين أنجح في استرجاع حق شهيد أو مصاب أو تبرئة متظاهر".
يرى محمود أن المؤسسة العسكرية ارتكبت ما اسماه "مَقاتل" ضد الإخوان في أحداث الحرس الجمهوري والمنصة وفض اعتصامي رابعة والنهضة وصولا إلى أحداث جامع الفتح وغيرها، وهو ضد هذه الأفعال ويرى أن على السلطة الالتزام بحقوق الإنسان في أحلك الظروف، لكنه يشير أيضا إلى أنه ضد اعتصامات وتظاهرات الإخوان، ويستطرد: "قد أكون ضد السلطة التي ترتكب العنف، لكني لن أدافع عن أخواني يطالب بعودة مرسي الذي هو في الأصل ضد حقوق الإنسان"، مشيرا إلى الخلاف داخل الحركة الحقوقية بين وجهتي نظر، واحدة ترفض الدفاع عن الأخوان، وهؤلاء هم خصوصا ممن عملوا على قضايا التعذيب التي ارتكبت في عهد مرسي ونائبه العام طلعت عبد الله، وأخرى ترى ضرورة الدفاع عن الكل.
"في الحقيقة ان ما يحكمني في الأمر هو الثورة، فأنا سأدافع عن أي شخص وأي قضية ما دامت مع الثورة حتى لو كان الأشخاص ينتمون لمعسكر آخر، أما إذا كانت قضية أو شخص ضد الثورة فلن أتطوع للدفاع عنه. فمثلا في ما يخص قانون التظاهر، ربما أدافع عن إخواني لأن هذا الفعل يجب أن يظل مباحا، فحق التظاهر السلمي تحصّل بدماء الشهداء ولا يمكن التنازل عنه".
في القضية الأخيرة الخاصة بأحداث مجلس الشورى، تولى محمود بلال الدفاع عن المتظاهرين، يقول عن ذلك "سعادة أصحاب الحق عند استردادهم حقوقهم أو حريتهم، وفرحتي بالاطمئنان على أصدقائي، يعوضان التعب الجسدي والنفسي، ربما في بعض الأوقات لا يكون عددنا كافيا كمحامين في جبهة الدفاع عن متظاهرين لتغطية كل القضايا، لكننا نبذل أقصى ما في وسعنا، نتعلم ونكتسب خبرات، وفي نهاية اليوم يكون ضميري مستريحا لأن ربما ما أفعله اليوم قد يحسن حالة حقوق الإنسان في مصر ولو بعد ثلاثين عاما".
عمرو إمام محام في "مركز هشام مبارك" وعضو أيضا بمجموعة "لا للمحاكمات العسكرية"، عمل في المجال الحقوقي منذ 2001 وحتى 2005 وتوقف ثم عاد إلى العمل الحقوقي بعد الثورة: "حين أتعامل مع الحقوق أتجرد تماما من أيديولوجيتي السياسية، ويصبح همي هو الإنسان وحقوقه بصرف النظر عن انتماءاته، أنا كنت ضد الإخوان وشاركت في التظاهرات ضدهم وهم في السلطة، لكني يوم ما يسمى بتفويض الجيش أدركت أن الدولة السابقة ستعود للحكم. حين بدأت الانتهاكات ضد الاخوان من قبل السلطة عرضت على البعض، ممن ليسوا من القيادات الاخوانية، أن أدافع عنهم لكنهم رفضوا قائلين مش عايزين حقوقيين"، يستطرد عمرو أن الدفاع عن المختلفين معه أيديولوجيا أهم من الدفاع عن أبناء معسكره لأن ذلك يعد انتصارا حقيقيا للمبادئ التي يجب تطبيقها على الجميع. دافع عمرو عن "الجهادي" أحمد عرفة بسبب تعسف إجراءات اعتقاله وعدم قانونيتها، ولم يهتم بأي هجوم عليه لأنه كان يدافع عن مبدئه. يضيف عمرو "العمل الحقوقي بالنسبة لي هو عمل شخصي فأنا من خلاله أحافظ على إنسانيتي وأفكاري، وأصبح سعيدا جدا إذا تمكنت من إدخال بطانية لمعتقل، أو أنقذت شخصا من الموت أو مكنت أبا أو أما من زيارة ابن في المعتقل. الأمور واضحة بالنسبة لي الآن تماما، كنت أهاجم الإخوان حين كانوا في السلطة، وحين خرجوا منها وارتكبت ضدهم انتهاكات أصبحت أنا أيضا في مواجهة السلطة الحالية. أنا لا أدافع عمن يحمل سلاحا ويرهب الناس ويهاجمهم، لكني أدافع عن حق الجميع بلا استثناء في التعبير عن رأيهم".
مسؤولية المجتمع: مقاربة نسوية
إذا كان ما سبق، وما هو متعارف عليه من الخطاب الحقوقي، يلقي بالمسؤولية كلها على الدولة، ويلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إلا ان هناك خطابا آخر ينتقد التناول الدولي لمفاهيم حقوق الإنسان، وتحديدا في ما يخص قضايا المرأة. نحن نتحدث هنا عن الخطاب النسوي، تقول مزن حسن مديرة ومؤسسة "مركز نظرة للدراسات النسوية": نحن مجموعة نسوية تهدف إلى إنشاء حركة سياسية ولا نهدف بالأساس للاشتباك مع الدولة بل مع المجتمع. نضطر للاشتباك مع الدولة فقط حين تضيق علينا مساحة العمل، فنحن نرى أن هناك طرفا ثالثا، وهو المجتمع، يقوم بالتمييز ضد المرأة ويمارس العنف ضدها ولا يطبق القانون".
وتضيف أنه منذ 2011 انفتح المجال العام للجميع، وللمرأة بالتبعية. لكن علاقة المرأة بالمجال العام أكثر تعقيدا، فالانفلات الأمني على سبيل المثال يهدد وجودها في المجال العام، ففي كثير من المدن لا تستطيع أي امرأة النزول إلى الشارع بعد الساعة السابعة مساء، وإن فعلت فسيراها المجتمع كـ"عاهرة" ويبرر ممارسة العنف ضدها وحتى اغتصابها، في حين أنها ربما تكون قد تأخرت نتيجة ارتباطها بعمل سياسي.
والقوى السياسية التي تدعو لمظاهرات بميدان التحرير مثلا لا تتحمل مسؤولية تأمين المتظاهرات، فيصبحن معرضات لتحرشات جماعية بالميدان. وعلى الجانب الآخر، فإن حوادث مثل كشوف العذرية أو سحل فتاة مجلس الوزراء تصبح هي الخطاب الوحيد الحقوقي النسوي، لأن الدولة هي التي مارست العنف، أما حالات العنف الذي يمارسه المجتمع فلا تجد لها الصدى المندد بها.
وعن الارتباك السياسي الحالي وانعكاسه على الحركة النسوية، تقول مزن "هوجمنا كثيرا كنسويات من القيادات النسائية، لأننا أصدرنا تقريرا بعد فض اعتصام رابعة عما تعرضت له السيدات من عنف، وذلك من منطلق حماية المجال العام للجميع. فالأصل هو إتاحة المجال العام للنساء من جميع الخلفيات، كأخوات مسلمات وفلول ويساريات وليبراليات، ويكون العراك سياسيا بعد تثبيت هذا الحق، ولكنه لا يدور على حقهن في الوجود بالمجال العام.
لكن كيف نتحدث عن المجال العام والفتيات والسيدات يعانين مشكلات مع ذويهن للسماح لهم للنزول إلى الشارع والمشاركة، ويعانين انعدام أمنهن الشخصي في الشارع". تستطرد أن العنف الموجه ضد المرأة الآن ليس جديدا ولكنه تحول في ظل هذا الارتباك وزادت حدته إلى عنف على الهوية: "فالمنقبة إخوان وغير المحجبة مسيحية وبالتالي تدعم العسكر، ويمارس ضد كل واحدة منهن عنف ينبع من صور ذهنية خلقها هذا الاستقطاب السياسي".