"مهلة ثلاثة شهور، وتشكيل لجنة قومية لهذا الغرض، والهدف من تشكيل اللجنة محدد، وهو النظر في قضية تطوير المناهج في مرحلة التعليم قبل الجامعي". هذه كانت كلمات الرئيس السيسي الشهر الماضي. وخلال الأيام الماضية، شكلت وزارة التربية والتعليم لجاناً لبحث التكليف الرئاسي، وتم الاتفاق على أن يتم التطوير على مرحلتين بدءاً بالأولى وتكون خاصة بالنظر في مناهج المواد العلمية والتطبيقية، وتحديداً مواد العلوم والرياضيات. وهو ما تم بالفعل خلال الأيام الماضية فعقدت ورش عمل متواصلة في المدينة العلمية لوزارة التعليم بضواحي القاهرة، انقسمت إلى ثلاث مجموعات بعدد المراحل التعليمية وفي كل تخصص، وكل مجموعة تتكون من 15 عضوا أغلبيتهم من أساتذة التخصص الدقيق بمختلف الجامعات المصرية.
ثلاثة بدائل...
كان هناك العديد من البدائل والاختيارات المطروحة على اللجنة: الإبقاء على المناهج كما هي، أو إجراء تعديلات على المناهج الحالية، أو التغيير الشامل للمناهج الحالية. وبعد الدراسة اتفقت اللجنة بإجماع الآراء على ضرورة التغيير الشامل للمناهج الحالية، لاسيما في المرحلة الابتدائية. وعن حيثيات القرار تقول رئيسة لجنة الرياضيات: "وجدنا أننا جربنا التأليف المباشر للطلاب، وجربنا أيضاً إضافة أجزاء محددة مع التأليف للكتب من جانب المتخصصين المصريين، ولكننا بعد أن اطلعنا على المناهج الحالية وجدنا أنها لا ترقى إلى المستوى المنشود ولا تواكب التطورات العالمية في الرياضيات وطرق تدريسها، ومن هنا كان الإتفاق على أخذ منهج أجنبي متكامل من الخارج مع تمصيره". وأضافت "عرضت علينا المناهج الدراسية لدول سنغافورة وانجلترا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وفنلندا، ولكن استقر الرأي على تفضيل المنهج السنغافوري لأنه يعتمد على التشويق وطريقة العرض السلسة للموضوعات وتسلسلها، وحتى الصور التي تعرض مع المنهج مبهجة على عكس الموجود لدينا. ولذلك كانت التوصية بأخذ المنهج السنغافوري لاسيما في المرحلة الابتدائية".
وبالنسبة إلى لجان تطوير مواد العلوم فقد أشار رئيس اللجنة إلى أنها اكتشفت أن المناهج المصرية عبارة عن رسائل تلغراف فقط بدون مضمون وشرح وافٍ بالمقارنة مع مناهج دول ألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة وفنلندا وكندا. وقد رأينا أن المنهج السنغافوري يعد جيدا ولكن بعض اللجان أيضا أقرت المنهج الإنجليزي.
ومن جانبه أكد وزير التربية والتعليم أن ورشة العمل استهدفت مراجعة المناهج المصرية مقارنة بمناهج الدول الأجنبية المتقدمة وذلك بحضور 150 متخصصا من مختلف الجامعات الحكومية، وأن النتائج التي تم التوصل إليها انتهت إلى أن هناك اتفاقا كبيرا فى المفاهيم الأساسية بين محتوى المناهج الأجنبية والمصرية، ولكن المناهج المصرية تحتاج بدورها إلى أساليب مختلفة في العرض، وأن التوصية من أغلب المشاركين كانت بتبنّي أساليب المنهج السنغافوري خاصة في الرياضيات. بينما أوصت لجنة العلوم بالمنهج الإنجليزي (منهج أكسفورد) خاصة لمرحلة التعليم الأساسي حتى مرحلة الإعدادية، وفى الثانوي اقترحوا المنهج السنغافوري. وأضاف الوزير "أن الأمر الآن معروض على اللجنة الوزارية لحسم الأمر واتخاذ القرار النهائي، واللجنة مكونة من خمس وزارات وهم وزراء التعليم العالي والثقافة والشباب ورئيس المجلس الرئاسي التخصصي للتعليم".
الاستيراد هو الحل إذاً
القرار الرئاسي فتح المجال العام للمتخصصين والعاملين بالتعليم للإدلاء برأيهم في ما يحدث عن طريق وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وذلك بعد تحفظ وزارة التعليم على فكرة عقد مؤتمر وطني عام للتعليم بحجة وجود "عشرات الدراسات عن المؤتمرات السابقة، والنتيجة هي حال المناهج التي وصلنا إليها". وعلى الرغم من وجاهة الحجة التي تواجه بها الوزارة المتخصصين في التعليم، إلا أن هناك سؤالا رئيسيا مطروحا: إذا كان الجميع يعترف بقصور المناهج الحالية وأنه لا مفر من استيراد مناهج الدول المتقدمة، فما هي المعايير والأسس التي ستحكم عملية الاستيراد هذه حتى بعد تمصيرها؟ وعلى أي أساس سيتم اختيار الدولة (أو الدول) المصدِّرة للمناهج؟ الاستيراد من سنغافورة في مرحلة دراسية محددة ومن إنجلترا في مراحل أخرى أو فنلندا هو ما أطلق عليه بعض الخبراء (سمك لبن تمر هندي) في وصفهم لنتائج ورش العمل المتخصصة. ويثار السؤال: لماذا لم يتم الإتفاق على منهج متكامل من دولة واحدة لكل المراحل الدراسية من الابتدائي وحتى البكالوريا؟ حيث أن هذه الدول، عندما صممت البرامج والمناهج الدراسية، وضعتها كمنظومة متكاملة وليس بشكل مجزأ، والمناهج يجب أن تكون مسلسلة ومتكاملة، وليس بشراء قطع مختلفة من ماركات عالمية مختلفة ثم نصنع منها رداء نقرره على الجميع. ويضيف العديد من الخبراء التربويين أنهم ليسوا ضد استيراد المناهج وتمصيرها، بل يراه أغلبهم الحل ألافضل الآن لتطوير التعليم خاصة في المواد العلمية، ولكن لا بد أن نضع في الاعتبار الظروف الاجتماعية والسياسية، لأن الوضع الآن مفكك للغاية ويوجد تعدد لنظم التعليم الأجنبية والدولية في مصر وهناك انتقاء من مختلف دول العالم، من بريطاني إلى فرنسي وأمريكي وكندي وتركي (والآن يضاف السنغافوري والفنلندي!). وذلك يعني استمرار تعدد المحتوى العلمي واختلافه بين التعليم الرسمي والخاص والدولي. فلماذا لا يتم الاتفاق على منهج دولة محددة للجميع ويكون معيار الاختيار هو ما يتم بالفعل تدريس مناهجه في أكبر عدد من المدارس في مصر، يعني محاولة وضع الخطوة الاولى في المساواة وتحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع في المدارس الحكومية والرسمية والدولية. كما يسهل الأمر بعد ذلك قضية الامتحانات ومنع تعدد أشكالها وأسمائها، خاصة أن الجميع في النهاية يلتحقون بالجامعات، فيتحقق معيار التكافؤ عند التقديم لمكتب تنسيق القبول بالجامعات بدلاً من ظاهرة الاستثناءات التي تحكمه الآن. ويقترح الخبراء اختيار النموذج الإنجليزي باعتباره متوطنا في البيئة التعليمية المصرية ومدارسه الدولية هي الأكثر عدداً وطلاباً، كما سوف يسهل هذا الاقتباس أيضا عملية ملاءمة وضع برامج تدريب المعلمين لأنه النموذج المطبق بالفعل. ومن هنا يقترح العديد من الخبراء ضرورة تشكيل لجنة وطنية ليس من المتخصصين العلميين فقط ولكن من علماء الفكر والسياسة والمثقفين، لأن التعليم قضية سياسية واجتماعية في المقام الأول والأخير..