"ندرس أن نطبق نظاماً جديداً للمجانية مع بداية العام الدراسي المقبل"، هذا ما أعلنه رئيس "المجلس الرئاسي التخصصي للتعليم" وهو مجلس حديث للغاية، صدر قرار جمهوري من الرئيس السيسي بتشكيله ليكون أول مجلس استشاري يعاون الرئيس بما يخصّ قضايا التعليم والبحث العلمي. ويتكوّن المجلس من 11 عضواً كلهم من أساتذة الجامعات وما يقرب من نصف عددهم (5 أعضاء) من أساتذة الجامعة الأميركية بالقاهرة والباقي من أساتذة اللغات بالجامعات الحكومية ومراكز البحوث الحكومية.
المقترح الجديد يخصّ التعليم الجامعي تحديداً، ويتضمّن أن يكون نظام القبول بالجامعات الحكومية، وعددها 20 جامعة، بنظام المنح الدراسية بما يضمن توفير المجانية الكاملة للطالب المتفوّق طالما يحقق درجات مرتفعة من تقدير جيّد كحد أدنى في العام الدراسي. وإذا لم يحقق درجات جيدة يدفع جزءاً من المصروفات، أما الطالب الراسب فعليه تحمل المصروفات الدراسية. وأضاف أن نظام المنح سيوفر مبالغ مالية كبيرة للدولة يمكن إعادة استثمارها من خلال ضخها بالجامعات مرة أخرى وذلك لشراء المعامل والأجهزة الحديثة.
أزمة تمويل
لم يكتف المجلس الاستشاري الذي تشكل قبل ثلاثة أشهر فقط، بعرض المقترح وإنما قدم دراسة جدوى أولية تشرح تفاصيل الحد من المجانية (إن جاز التعبير). وتشير الدراسة إلى أن الطالب الذي يحصل على أعلى من نسبة 70 في المئة يحصل على المجانية الكاملة، وتقترح أن يقوم الطالب الحاصل على نسبة تتراوح ما بين 60 إلى 70 في المئة بدفع نسبة من المصروفات (لم تحدّدها الدراسة بدقة حتى الآن) .أما مَن يحصل على نسبة ما بين 50 إلى 60 في المئة فيقوم بدفع نسبة أعلى من المصروفات (لم تحددها الدراسة أيضاً). بينما يقوم الطالب الراسب بدفع مصروفاته كاملة.
تمّ عرض هذه الاقتراحات على الرئاسة، ولكن لم يعرف بعد ما إذا كانت قد أخذت الضوء الأخضر، مع العلم بأن تصريحات رئيس المجلس الرئاسي الاستشاري وضعت موعداً مبدئياً للتطبيق مع بداية العام الدراسي المقبل، وهو ما أثار لغطاً شديداً داخل الوسط الجامعي.
وأشارت مصادر جامعية إلى أن أزمة التمويل وموازنات الجامعات المصرية والتي تقل عن نسبة 2 في المئة من الناتج الإجمالي لمصر هي السبب الرئيس لإطلاق مثل هذه الأفكار، حيث تشكو الجامعات الحكومية من قلة المخصّصات المالية، بخاصة أن ما يقرب من 85 في المئة من هذه المخصصات تذهب للأجور والمرتبات، أما الباقي فيوزّع ما بين تكاليف العملية التعليمية للطلاب وما بين الأبحاث العلمية التي يجريها الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس. والمعروف أن المصروفات الدراسية التي يدفعها الطالب لا تتجاوز مئتي جنيه مصري (أي ما يوازي 25 دولاراً سنوياً)، في حين يقترب أعداد الطلاب بالجامعات الحكومية من 2 مليون طالب.
مجالس عليا وتعليم يحتضر
كان المجلس الاستشاري قد عقد ندوة عامة وحيدة له بعنوان "ثلاثة حلول عاجلة لأزمة التعليم المصري"، ومثَّل هذا العنوان الجذّاب فرصة لتلبية الدعوة من الكثيرين وذلك في مقر الجامعة الأميركية بالقاهرة، بخاصة أنها المرة الأولى التي يظهر عدد من أعضاء المجلس الاستشاري الرئاسي ويتعرّف عليهم الجمهور، سواء المتخصّص أو العادي. تحدّث أعضاء المجلس عن رؤيتهم لأوضاع التعليم في مصر، من الحضانة أي رياض الأطفال حتى مرحلة الدكتوراه أي البحث العلمي، وتميّزت أحاديثهم بالشفافية، خاصة فيما يتعلّق بالمشاكل التي يعاني منها التعليم المصري، ولكن من دون أن يقدموا "الحلول الثلاثة الذكية" التي هي عنوان الحوار والندوة. كشف حوار الساعات الثلاث عن استمرار العلاج بالمسكنات لعوارض المرض، وتناول النقاش ضرورة إعادة هيكلة مجانية التعليم الجامعي، وهي رسالة أثارت القلق بسبب غياب الشفافية. فالأفكار تناقش في الغرف المغلقة ثم يفاجأ بها الرأي العام، كما يكمن أن يفاجأ بتطبيقها الفوري.
هل من حق المجلس الرئاسي التخصصي اتخاذ قرارات تنفيذية، وهل الدستور والقانون يسمحان بالبدء في التراجع عن المجانية؟ كانت هذه هي التساؤلات التي طرحتها على رئيس جامعة القاهرة وأستاذ القانون الدستوري والذي أجاب قائلاً إن الجامعات مستقلة طبقاً للدستور والقانون، وبالتالي لا يمكن تطبيق شيء بدون أن تعرّفه وتناقشه مجالس جامعاتها وتوافق عليه، وليس من حق أحد أن يحدد قرارات وسياسات ومواعيد من دون أن تعرض على المجالس الجامعية. وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع المقترحات المطروحة، فإنه ما زال هناك غموض في ما يخصّ العلاقة مع المجلس التخصّصي الرئاسي والآليات التنفيذية لتلك المقترحات.
وفور صدور المقترح عبر وسائل الإعلام، بدأ عدد من رؤساء الجامعات الحكومية الحديث غير الرسمي عنه أيضاً لوسائل الإعلام. فأعلن رئيس جامعة حلوان أن تطبيق المقترح على العموم له مشاكل والأفضل محاسبة الطالب على أساس المادة الواحدة، بمعنى أن يدفع الطالب الراسب فقط مصاريف المادة التي رسب فيها. فإذا كانت تكلفة الطالب سنوياً تبلغ 8 آلاف جنيها (حوالى 1200 دولار) ويدرس 10 مواد دراسية، تصبح بالتالي تكلفة المادة الواحدة 120 دولاراً سنوياً. وهكذا يمكن توفير مبلغ سنوي لكل جامعة يصل إلى حوالي 25 مليون دولار، على اعتبار أن نسبة الراسبين سنوياً لا تتجاوز 15 في المئة من الطلاب. هذا بينما اقترح رئيس جامعة عين شمس ضرورة إجراء تعديل تشريعي لتمرير هذا المقترح وانتظار مجلس الشعب المقبل لمناقشة الموضوع والأفضل المحاسبة على المادة الواحدة وذلك في حدود 75 دولاراً كتكلفة سنوية.
ومن المعروف أن مجانية التعليم الجامعي بدأ تطبيقها منذ خمسينيات القرن الماضي فى عهد الرئيس عبد الناصر، وتمّ إقرارها بعد ذلك في كل الدساتير المتعاقبة، حتى الدستور الأخير للعام 2014. ولكن الاقتراح الأخير، رغم ما يثيره من أسئلة قانونية وسياسية متعددة، فإنه يثير أيضاً أسئلة تتعلق بمشاكل التطبيق، خاصة أنه يوجد بالفعل جزء كبير من الطلاب يقوم بدفع مصروفات دراسية مثل برامج اللغات الأجنبية والانتساب؟ فهل قضايا الإصلاح الجامعي تبدأ بمراجعة المجانية أو ما يُسمّى ضرورة "ترشيدها"، وهو فعلياً التفاف عليها يعني تغييراً في النظرة إلى الحقوق الاجتماعية العامة كما هي معتمَدة.. حتى الآن.