"يجمد العمل بالقرار الوزاري الخاص بإضافة عشر درجات للمجموع، والخاص بطلاب شهادة الثانوية العامة هذا العام".. كان هذا هو نص البيان الذي أرسله مكتب رئيس الوزراء إلى كافة وسائل الإعلام منذ أيام. وكان وزير التربية والتعليم قبل صدور هذا البيان بساعة واحدة، قد أعلن أن تفاصيل تطبيق قرار العشر درجات سوف يطال أيضا المدارس الخاصة، ومن لا يلتزم منها سيتم "تأميمه"، أي وضعه تحت الإشراف المالي والإداري للدولة. بل هو ظهر فى وسائل الإعلام يعلن عدم تراجع الحكومة عن التطبيق، في الوقت نفسه الذي كان شريط الأخبار العاجلة أسفل الشاشة يعلن تجميد القرار مؤقتا من قبل رئيس الوزراء.
القصة
أواخر تموز/يوليو الماضي، أعلن وزير التعليم السابق عن نيته إصدار قرار بتخصيص وإضافة عشر درجات كاملة خارج الامتحان التحريري الموحد لمجموع الطالب في الثانوية العامة، تتعلق بالمواظبة على الحضور خلال العام الى المدارس وبسلوك الطالب.. السابقة هي الأولى من نوعها فى تاريخ الشهادات العامة، فالمعروف أن البكالوريا هي الشهادة المؤهِلة للقبول بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي. وكان الكلام يجري عقب تصريحات الأوائل في الثانوية العامة بأنهم لم يذهبوا للمدارس إطلاقا وأنهم كانوا مواظبين على الحضور فى مراكز الدروس الخصوصية. بل قام رئيس الوزراء السابق برئاسة اجتماعين مع مسؤولي التعليم لحل أزمة المدارس الرسمية التي لا يذهب إليها أحد. وتم الاتفاق شفويا على تخصيص درجات للحضور والمواظبة، في إطار خطة لجعل تلك المدارس هي نفسها أماكن للدروس الخصوصية تحت اسم "مجموعات التقوية"، تشبهاً بالمراكز الخاصة المعروفة باسم "السنتر". ولكن بعدها بأيام، تمّ تغيير رئيس الوزراء ووزير التعليم الذي لم يكن قد مضى على تعيينه إلا أشهر قليلة، وتولى المنصب وزير غير معروف ولكنه كان يشغل منصب عميد كلية تربية سابق، واشتهر بوزير "الأخطاء الإملائية". وعلى الرغم من هذه البداية التي استقبله بها الرأي العام، إلا أنه أصر على وضع اللائحة التنفيذية لتطبيق القرار ووضع نسبة 7 درجات من العشرة للحضور إلى المدرسة و3 درجات للسلوك. وأخذ على عاتقه مهمة زيارة المدارس يوميا للتأكد من إجراء حصر الحضور والغياب، وحاول طمأنة الطلاب وأولياء الأمور بأن درجات الغياب لن يضعها المعلمون، وإنما لجنة من المدرسة، وأنه سوف يفعّل في المرحلة القادمة التوقيع الالكتروني في الحضور، كما سيسمح بإتاحة حق التظلم أمام الطلاب من كشوف الحضور والغياب. أما السلوك فصدرت به لائحة اسمها "الانضباط المدرسي"..
بالمقابل، وفور صدور القرار رفضه طلاب الثانوية العامة، وأصدر إتحاد طلاب الجمهورية بيانا أول يرفض فيه القرار الوزاري واجتمع الوزير بممثليه بلا طائل. وأعقب ذلك بيان يوضح إصرار إتحاد الطلاب على المطالبة بالإلغاء الكامل للقرار. وأمام إصرار الوزارة على التنفيذ الفوري، ومع تصاعد الاحتجاجات لتشمل نسبة كبيرة من طلاب الثانوية العامة في كل المحافظات، التي تحولت في الأسبوع الماضي لشبه إضراب يومي للطلاب عن الذهاب للمدارس والحضور أمام الوزارة بالقاهرة والمحافظات. وانضم عدد من أولياء الأمور لبناتهم وأبنائهم في المظاهرات الاحتجاجية، وأوضح رئيس إتحاد الطلاب "أنهم ليسوا ضد الحضور للمدرسة شريطة أن يحضر إليها المعلمون أولا، والأهم أن يقوموا بالتدريس الفعلي داخل الفصول... بجانب أن نسبة من الكتب المقررة لم تتسلمها المدارس بعد"، وطالبوا بالعودة لقانون التعليم الذي يسمح بنسبة غياب 15 في المئة طوال العام الدراسي (أي 30 يوما) بدون الاقتران بشرط الدرجات نهائيا، والاعتماد على الامتحان العام الموحد ومجموع درجاته للالتحاق بالجامعات، وهو العدل والمساوة بين الجميع بدون تدخل من أحد في توزيع الدرجات. أما القرار الجديد فهو يسمح بتسعة أيام غياب فقط ويربطها بالدرجات مما يسمح بباب جديد للفساد والابتزاز، بل وحتى للفتنة الدينية على حد وصف الطلاب الرافضين للقرار. الخوف من انتهاء آخر معقل للمساواة في التعليم أي الامتحان العام الموحد، خاصة من جانب الفقراء الذين وصفوا القرار بأنه سيزيد العبء عليهم، لانه تضمن أيضا رفع رسوم القيد من 10 جنيهات (دولار وربع) إلى ألف جنيه ( ما يوازي 125 دولارا) .
وفى إطار اشتعال الاحتجاجات، رفع الطلاب شعارات ضد نظام التعليم بأكمله وطالبوا بتغييره أولا، قبل الحديث عن نظام الإجبار أو "بالقوة والعافية"، كما جاء على لسان رئيس إتحاد الطلاب، وأن هذا أسلوب عفا عليه الزمن ورفعوا شعار "الثانوية في انهيار".
التخبط
وأمام تزايد حالات الاحتجاج وانتقالها إلى الشارع، في الوقت الذي تنشغل فيه البلاد بالانتخابات التشريعية لبرلمان جديد، ووجود قرار ضمني من المؤسسة الأمنية والشرطية بعدم التدخل العنيف ضد الطلاب، وتطبيق قانون منع التظاهر عليهم، ولمنع تصاعد "فتنة العشر درجات" كما أطلق عليها، أصدر رئيس الوزراء قراره بتجميد قرار وزير التعليم للعام الحالي. وفي أول رد فعل لوزير التعليم على القرار قال للصحافيين: "لم يتم الإلغاء ولكن فقط تجميد العمل به هذا العام، والعودة لتطبيق قانون التعليم الذي يسمح بنسبة غياب لا تتجاوز 15 في المئة" وهو مطلب الطلاب. وأضاف "أن الأمر قد تم بعد التشاور معه، وأن التجميد للقرار جاء لصالح الطلاب والعملية التعليمية بأكملها، بل لصالح الوطن في ظل الظروف التي يمر بها"، ولكنه لم يشأ الإجابة على سؤال عن "أين كانت مصلحة الطلاب والعملية التعليمية ومصالح الوطن عند إصداره منذ شهر واحد فقط ؟".
ما حدث خلال الأيام الماضية في قضية البكالوريا المصرية جعل المتخصصين يطالبون بضرورة إضافة كلمات خاصة في القسم أثناء حلف اليمين الدستورية عند تولي منصب وزارة التعليم تحديدا هي "أقسم بالله العظيم ألا أقترب من ملف الثانوية العامة إلا بعد العودة للشعب والمتخصصين"، وذلك تعليقا على أن كل وزير للتعليم منذ حقبة السبعينات (وحتى الآن) يصل فيقترح إدخال تغييرات على الثانوية العامة لتحمل "توقيعه"، وقد شهدت الثانوية العامة ما يقرب من 10 تغيرات خلال هذه الفترة مع أن مئات المؤتمرات عقدت لتطويرها، ويحضرها الوزراء، ولكنهم يصدرون قرارات عكس ما تمت مناقشته تماما، وكان آخرها مؤتمر استمرت جلساته ثلاث سنوات لوضع تصور متكامل للتطوير، وعندما ذهب الوزير الذي جرت الأبحاث في عهده، ذهب المشروع إلى الأدراج. القضية واضحة تماما: هناك نقص في الإمكانيات والاعتمادات المالية لإحداث تطوير حقيقي للتعليم وإنشاء جامعات حكومية جديدة للقضاء على الاقتتال والصراع في البكالوريا المصرية. وما زالت الحكاية مستمرة، إلى عام جديد أو وزير آخر.. أيهما أقرب؟