لعنة البكالوريا المصرية

لم تنتهك شهادة على مر تاريخ التعليم المصري مثلما انتهكت البكالوريا أو "الثانوية العامة". فعلى مدار الأربعين عاما الماضية، لا يكاد يجلس وزير تعليم على مقعده إلا ويكون تعديل نظام البكالوريا أول تصريحاته وآخر انجازاته أيضا فى الوزارة. وما يلبث أن يغادر موقعه حتى يأتي من يليه ليغير هو أيضا من نظام البكالوريا، حتى تجاوز عدد التعديلات التسعة، والعاشر في الطريق الآن طبقا لتصريحات أخيرة لوزارة
2014-01-15

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
مصر(من الانترنت)

لم تنتهك شهادة على مر تاريخ التعليم المصري مثلما انتهكت البكالوريا أو "الثانوية العامة". فعلى مدار الأربعين عاما الماضية، لا يكاد يجلس وزير تعليم على مقعده إلا ويكون تعديل نظام البكالوريا أول تصريحاته وآخر انجازاته أيضا فى الوزارة. وما يلبث أن يغادر موقعه حتى يأتي من يليه ليغير هو أيضا من نظام البكالوريا، حتى تجاوز عدد التعديلات التسعة، والعاشر في الطريق الآن طبقا لتصريحات أخيرة لوزارة التعليم الحالي.

نظرة تاريخية
لمدة مئة عام أو يزيد قليلا، ظلت شهادة البكالوريا ثابتة الشكل إلا بتعديلات طفيفة منذ أن دخل التعليم النظامي مصر قبل 200 عام، وكانت عبارة عن قسمين بعد الابتدائية، أحدهما يسمى شهادة الثقافة، ثم سنة أخرى تسمى البكالوريا، والتى يحق للحاصل عليها التقدم للالتحاق بالجامعة. بل كان المتفوق فيها يحصل على مكافأة شهرية، ويمنح المجانية حيث كان التعليم الجامعى بمصروفات. إلى أن جاء عبد الناصر وقرر مدّ مجانية التعليم لتشمل الجامعة، وكان الدكتور طه حسين قد مد المجانية الى التعليم الثانوي منذ بداية الخمسينات.
وجاء قرار عبد الناصر ليفتح الباب واسعا أمام الفقراء والطبقة المتوسطة للالتحاق بالجامعة بعد أن كانت قاصرة على الميسورين. وظل النظام التعليمي محتفظا بمضمونه وبجودته أيضا، وهو ما عبر عنه الدكتور زويل صاحب نوبل في الكيمياء، بأنه حصل على التعليم الجيد جدا فى المدرسة الثانوية، وكان يدخل المعمل ويذهب الى المكتبة ويحضر حصص الموسيقى والألعاب الرياضية، وهي التى تكاد تصبح عملة نادرة الآن فى كافة المدارس الثانوية.
وفى منتصف السبعينات، وبعد تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، دخلت لأول مرة الشهادات الأجنبية، وتحديدا الثانوية الانجليزية، كمنافس للشهادة الوطنية وكباب خلفي أيضا للقادرين والأغنياء للالتحاق بالجامعات الحكومية بعد تجاوز شروط الثانوية العامة الرسمية.
ومع التوسع فى منح التراخيص للمدارس الخاصة وزيادة عددها حدثت فجوة فى تكافؤ الفرص فى الالتحاق بالجامعة واتسعت لصالح تلامذة التعليم الخاص من القادرين ماديا (وليس بالضرورة علميا)، بل خصصت حكومات السادات وحسني مبارك نسبة محفوظة لهم للالتحاق بالجامعة بلغت 5 في المئة من الأعداد المقبولة سنويا، وما زالت مستمرة حتى الان.

استيراد الشهادة والنموذج الانجليزي
ومع أوائل التسعينات وقدوم وزير ذي خلفية ناصرية وهو د.حسين كامل (وكان رئيس منظمة الشباب في عهد عبد الناصر)، قرر تطبيق النموذج الانجليزي فى البكالوريا المصرية، فقسم الشهادة على عامين دراسيين بدلا من عام واحد، وتم السماح للطلاب أيضا بتعدد فرص دخول الامتحان، وكان الهدف من ذلك هو القضاء على رعب امتحان البكالوريا. ويروى عن الرئيس المعزول حسني مبارك أنه عانى الأمرين مع نجله الاكبر في البكالوريا فقرر إدخال الأصغر الشهادة الانجليزية. وبحجج واهية تم إلغاء نظام تعدد الفرص لدخول الامتحان، والسبب الرئيسي انه في صالح الفقراء لفتحه الباب أمامهم للالتحاق بالجامعات.
واستمر الأمر هكذا حتى طرحت الوزارات المحسوبة على جمال مبارك ومجموعته تعديلا جذريا لنظام البكالوريا، الهدف منه هو تقليل أعداد المقبولين بالجامعات، مع وضع أعباء مالية مقابل امتحانات القبول بالجامعة. ونتيجة المعارضة الشعبية والظروف السياسية في مصر، تأجل تطبيق المشروع.
وقامت ثورة 25 يناير وتولى الإخوان المسلمون الحكم ليكون القرار الوحيد الذي وافق عليه البرلمان المصري حينذاك هو إلغاء البكالوريا على عامين، لتعود عاما واحدا وفرصة واحدة أيضا. وكان السبب سياسيا أيضا وراء هذا القرار، وهو كسب الأصوات الانتخابية، بحجة أن البكالوريا على عامين تزيد من أعباء مصروفات الدروس الخصوصية على الأسر المصرية، وهم يريدون تخفيف الأعباء المالية على الشعب باعتبار ان الدروس الخصوصية هي الأصل في التعليم الآن، والدليل أن جميع الطلاب يتابعونها!!

البحث في الأدراج
وخلال الأشهر الأخيرة، مارس مسؤولو التعليم هوايتهم في الحديث عن تعديل جديد للبكالوريا، وبحثوا في الأدراج والملفات، واستخرجوا المشروع الأخير لحكومة حسني مبارك، وتتلخص فكرته في اعتبار مرحلة الثانوي واحدة متصلة لمدة ثلاث سنوات، يحصل الطالب في نهايتها على شهادة البكالوريا، واعتبارها مؤهلة مباشرة لسوق العمل. أما إذا قرر الطالب الالتحاق بالجامعة فيتم ذلك من خلال امتحان تعقده هذه الاخيرة. هذا المشروع (القديم/ الجديد) له بعض الايجابيات والتي يأتي على رأسها عودة الطلاب الى المدرسة بعد أن هجروها تماما.
وثانيا محاولة رد الاعتبار للتعليم الفني وتوحيد بعض مناهجه مع الثانوي العام وفتح الباب أمام طلابه للالتحاق بالجامعة طالما استوفوا الشروط. ويضاف الى ذلك توحيد مسمى الشهادة لجميع الطلاب. ولكن يظل للمشروع أيضا سلبيات كثيرة أهمها أن اعتبار شهادة البكالوريا منتهية بذاتها ومؤهلة للعمل معناه إضافة ما يقرب من ربع مليون شخص لسوق العمل سنويا في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة البطالة إلى مستويات الخطر في المجتمع المصري بنسبة تقدر بحوالي 26 في المئة من السكان القادرين على العمل.
هذا بجانب عدم تأهيل طلاب الثانوي لما يتطلبه سوق العمل. ومن المعروف علميا أنه كلما ارتفع عدد سنوات التعلم والمدة التى يقضيها الطالب في مؤسسات التعليم، كلما كان يسهل إعادة تدريبه على إيجاد وظائف وفرص عمل. إلا أن أخطر ما في المشروع هو اعتماد فلسفته الاساسية على عنصر التصفية والاستبعاد، حيث تجرى تصفية أولى تمهيدية في الامتحان القومي، ثم تصفية ثانية من خلال اختبارات القبول. وفي ظل انتشار متأصل لظاهرة المحسوبية والواسطة في مصر، يصبح هذا الاقتراح بمثابة الباب الملكي للفساد، والقضاء على تكافؤ الفرص والمساواة، وهو ما كان يوفره مكتب التنسيق عند الالتحاق بالجامعة المرشح للإلغاء في المشروع المقترح .

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...