مصر: مصير عام دراسي مضطرب

قرار مجلس الوزراء المصري بعودة الدراسة في المدارس والجامعات (ما عدا الأزهر الذي تم تأجيله أسبوعا أخر ومرشح للتأجيل مرة رابعة!) ما زال محل لغط شديد وتحيط به حالة من الشك والترقب، والتساؤل عن احتمالات إلغاء الفصل الثاني في نهاية المطاف.أسباب مشروعة للقلقأثار قرار وزارة التعليم فى أول أيام عودة الدراسة بتطبيق قرارها السابق باستمرار الأوضاع
2014-03-17

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
(من الانترنت)

قرار مجلس الوزراء المصري بعودة الدراسة في المدارس والجامعات (ما عدا الأزهر الذي تم تأجيله أسبوعا أخر ومرشح للتأجيل مرة رابعة!) ما زال محل لغط شديد وتحيط به حالة من الشك والترقب، والتساؤل عن احتمالات إلغاء الفصل الثاني في نهاية المطاف.

أسباب مشروعة للقلق

أثار قرار وزارة التعليم فى أول أيام عودة الدراسة بتطبيق قرارها السابق باستمرار الأوضاع على ما هي عليه ،وأيضا التأكيد على أنه لا تعديل على جداول الامتحانات وأنها ستتم فى مواعيدها في أيار/ مايو القادم ، الكثير من القلق والشك في اكتمال الدراسة. وما زاد من الحيرة هو أنه قبيل يوم عودة الدراسة، أصدرت المحكمة حكما بعودة الشرطة إلى داخل الجامعات. وهو ما وعد وزير التعليم العالي الجديد بدراسته، في حين رفضه وزير التعليم المستقيل (وباعتباره أستاذ قانون) وقال أنه حكم غير ملزم. التضارب في الآراء وفي الأحكام القضائية (خاصة أن أعلى محكمة إدارية كانت قد حكمت ببطلان وجود الشرطة داخل الجامعات التي خرجت بالفعل قبيل ثورة يناير ولم تعد حتى الآن)، أدى إلى تأجيج حالة الغضب والاحتجاج بين الطلاب، فقاموا بالتصعيد والتظاهر مع أول يوم لعودة الدراسة. الغضب لم يكن على مستوى طلاب الإخوان والمتعاطفين معهم، وهم من يثيرون الشغب منذ بداية العام الدراسي، وإنما أمتد إلى الاتحادات الطلابية التي لا تنتمي الى معارضة الحكم الحالي، ما أدى بوزير الداخلية إلى الدعوة لعقد اجتماع عاجل مع الاتحادات الطلابية، صرح خلاله أنه ليس مع عودة الشرطة إلى داخل الجامعة، وأنها ستظل خارج الأسوار "فقط" تحسبا لأى أعمال عنف أو أعتداء .وكانت الاستعدادات تجري على قدم وساق بالجامعات لوضع اللمسات الأخيرة لبداية "الترم" الثاني، بعد إجازة طويلة اقتربت من الشهرين أنهت فيها الجامعات وضع الخطة الأمنية لمواجهة حالات الاضطراب، وذلك من خلال تركيب كاميرات المراقبة والبوابات الالكترونية وبناء الأسوار المرتفعة، كما حدث في جامعة الأزهر، وبتكلفة اقتربت من 40 مليون جنيه مصري (أي أقل قليلا من 6 مليون دولار)، طبقا لتصريحات مسئولين في المجلس الأعلى للجامعات.

الفصل الثاني من أربعين يوما

جاء قرار التأجيل للجميع، مدارس وجامعات، ليضع وزارة التعليم المسئولة عن 18.5 مليون تلميذ وأسرهم (أي حوالي ما يقرب من 50 مليون مواطن يمثلون نصف تعداد الشعب المصري) في حالة ارتباك كبيرة، حيث أنه بحسبة بسيطة أكتشف المسئولون أن عدد أيام الدراسة الفعلية فيما تبقى من زمن العام الدراسي هي 40 يوما دراسيا فقط لا غير، وهي فترة لا تكفي على الإطلاق. وكان البديل الجاهز والفوري هو اختصار المناهج، وهو ما تقوم به حاليا اللجان الفنية بوزارة التعليم، والتي لم يتأثر عملها باستقالة الحكومة. وطبقا للمعلومات، فإن الاقتراحات انتهت إلى حذف نسبة 25 الى 30 في المئة من كل مقرر دراسي بما فيه شهادة البكالوريا!! مما يطرح هنا أسئلة عدة من مثل على أي قواعد تم الإلغاء، وما هي الفلسفة الحاكمة وراء الحذف، خاصة أنه من المفترض نظريا أن المنهج الدراسي يتسم بالتتابع والتكامل على مدار العام الدراسي. وفي هذا السياق نفت مديرة مركز المناهج امكانية تأجيل ما سيتم حذفه وترحيله للعام الدراسي القادم باعتبار أن كل صف دراسي مثقل بكتبه ومناهجه. وهنا أثار التربويون سؤالا هاما لوزارة التعليم (التى لم يتغير الوزير المسئول عنها): لما لم تطبق الوزارة شعار رئيس الحكومة الجديد بكونها "حكومة حرب" فتضع خططا بديلة لتعويض الطلاب عن توقف الدراسة، مثل زيادة عدد ساعات اليوم الدراسي، أو حتى إلغاء إجازة اليومين والاكتفاء بيوم واحد، بدلا من تطبيق شعار "لم يحدث أي شيء"، رغم أن الدراسة توقفت قرابة الشهرين؟

السوق الموازية

في مقابل مد الإجازة لشهر ونصف، نجد أن هناك فئات لم يطبق عليها قرار التأجيل، ولا هي نفذته، وهؤلاء هم تحديدا طلاب المدارس والنظم الأجنبية بكل أنواعها، من مدارس دولية انجليزية وأمريكية وفرنسية وألمانية، وكذلك الجامعات الأجنبية. فقد استمر طلابها في ذهابهم اليومي إلى مدارسهم وجامعاتهم، ولم يتأثروا بالأسباب والدواعي الأمنية .وعند سؤال وزير التربية والتعليم عن المغزى من استثناء هذه الفئة من المصريين، أجاب قائلا "أن هؤلاء الطلاب لديهم مناهج مرتبط تدريسها بخطة زمنية وتوقيت امتحانات مع الدول الأجنبية، لا يمكن التدخل فيها أو تعديل مواعيد الامتحانات، وإلاّ تم إلغاء السنة الدراسية نفسها".
لم تكن مفارقة التأجيل فقط بين المدارس الحكومية والمدارس بمصروفات، وإنما أيضا في استمرار الدروس الخصوصية في المنازل والمراكز التي توفر الفصول البديلة ("السنترز" كما تسمى هنا)، التي تمتلئ بالآلاف من الطلاب بعد أن زاد الطلب عليها بتوقف الدراسة، بل رفع بعضها الأسعار، ويرفض بعضها الآخر قبول طلاب جدد تحت لافتة "كامل العدد".
وكانت أخر دراسة اقتصادية أجراها مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء قبيل ثورة يناير قد رصدت حجم السوق الموازي وغير الرسمي في التعليم واستنتجت أنه يصل إلى 15 مليار جنيه.

الدراسة تحت حراسة الشرطة

حظي التأجيل المتتالي للدراسة بالآلاف من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وأغلبه تعليقات ساخرة يصاحبها دائما الكاريكاتير الذي جاء معبرا عن الأزمة في الشارع المصري، بل البعض أرسل الشكر للإخوان والقوى الإرهابية على توقف الدراسة، كما توسع البعض الآخر وبحث عن حالات مختلفة أو مماثلة لوقف الدراسة، فضربت الأمثال بفيتنام التي لم تلغ مدارسها أثناء حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها استمرت لسنوات.
أسئلة أخرى تنسل من هذه، منها علاقة الحلول المقدمة، وعلى رأسها خفض المقررات، على مستوى الطلاب المتدني أصلا نتيجة سوء المناهج وطرق تدريسها. وعما إذا كان التأثير مؤقتاً أم ممتداً ويطال من سيلي هؤلاء الطلبة، وعن نتائج شعور الطلاب والأسر المصرية بالامبالاة بالتعليم ودور المدرسة والجامعة في حياة الطلاب، وبالأخص ما يعنيه الإجراء المعتمد لجهة التأكيد على مفهوم أن التعليم هو من أجل الحصول على الشهادة... ولماذا لا يُمد العام الدراسي لما بعد رمضان؟ وما موقف الكليات التي تطبق نظام "الساعات الدراسية" وحصلت على الاعتماد الدولي، فهل تلغ شهادات خريجيها؟ ومتى يفض الاشتباك مع الشباب والطلاب ويحل محله الحوار المفتوح معهم؟ وهل سيضع التغيير الحكومي الأخير التعليم نفسه (وليس مجرد الحصول على شهادة) في أولوياته، مثلما يجري العمل المستمر على عودة السياحة؟ وأخيرا يبقى السؤال الأكثر إلحاحا الآن: هل قرار العودة سيستمر أم سيتم إلغاء الدراسة؟

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...