"في احتفال ضخم حضره جمع كبير من السياسيين من مختلف الأطياف الحزبية، وحضرته المنظمات النسائية والمواطنون، تمّ تكريم وزيرة التعليم التي تركت منصبها الوزاري بعد فوز حزبها بالانتخابات للمرة الثالثة، مفضلة الاكتفاء بثماني سنوات في موقعها ذاك، ولمدة دورتين كاملتين".
كان تعيين الوزيرة حدثاً هاماً، فقد جاء مواكباً للاحتفال بمرور مئتي عام على إنشاء "ديوان المدارس" في 1837، وكاستجابة لمطالبات القوى الوطنية بتطبيق نصوص الدستور الجديد بعدما ألغت الحكومة المنتخبة الدستور القديم وتعديلاته، التي بلغت ثلاثة تعديلات بعد ثورة 25 يناير 2011.
لم يأت اختيار الوزيرة للمنصب لمجرد أنها امرأة، وتحمل درجة الدكتوراه، وتعمل بالجامعة كما درجت على ذلك حكومات ما بعد ثورة 1952 عند التطبيق، وإنما لكونها خاضت معارك تطوير التعليم والبحث العلمي. فبعد قبولها في الجامعة بقسم الفلسفة العام 2011، اختارت موضوعاً لرسالتها أثار اللغط الشديد: "الفكر السلفي الذي يحكم مناهج البحث العلمي". ولم يكن الموضوع هو البحث في انتشار الفكر السلفي في الحياة السياسية والاجتماعية في مصر والوطن العربي، ووصول الأحزاب الدينية إلى المشاركة في السلطة وصنع القرار، وإنما كان خصوصاً يرصد منهج وآلية امتداد السلوك السلفي نفسه والاقتباس من الماضي إلى الجامعة. فالرسائل العلمية مكررة، والأساتذة يفرضون العناوين والموضوعات التي عملوا عليها ويحفظون مصادرها، ولجان الترقيات لا تجيز أي بحث أو ترقية ولا توافق عليهما إلا من خلال قواعد ومصادر تمّ إقرارها عند تأسيس الجامعة المصرية العام 1908. وهكذا أصبح المعيّنون الجدد نسخة وظلالاً من المعلم المشرف، مع تطوير بسيط: السماح باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة من كمبيوتر وخلافه في الكتابة!
بعد محاولات كثيرة ورفض مطلق، تحولت الرسالة إلى قضية علمية وقضية رأي عام محلي ودولي. وتمت مناقشتها تحت قبة البرلمان، وفي الجامعة التي أعيد بناؤها بعدما أحرقها طلاب الإخوان في غزوتهم لها العام 2013. وتمت الموافقة على رسالة الماجستير، وبعدها سافرت إلى فرنسا فى منحة قصيرة لأشهرعدة نالتها من الإتحاد الأوروبي للإطلاع على مناهج البحث العلمي في قضايا تطوير التعليم. وكان الهم الأول الذي شغل عقلها هو "سؤال التقدم والنهضة وعلاقته بالمجانية". فالغرب تقدم بوجود التعليم العام المجاني ونحن تراجعنا بعد التخلي عن المجانية والشروع في الخصخصة، عقب التحولات الكبرى في المنطقة العربية في أعقاب هزيمة يونيو 1967 ورحيل عبد الناصر. قبل سفرها، كتبت مقالاً بعنوان "فهلوة البحث العلمي"، ناقشت فيه قضية مثارة وقتها عن جهاز جديد قال عنه مخترعوه إنه يعالج كل الأمراض من الإيدز حتى الانفلونزا الموسمية. وأتاح لها السفر والإطلاع على التجارب الأخرى أن تنادي بضرورة وجود مجلس وطني للعلم والتعليم يتكون من غير المسؤولين والوزراء، وإنما من العلماء والمتخصصين والمفكرين والمثقفين، تكون مهمته ربط الجزر المنعزلة، وعلاج تشتت المسؤولية وتعددها بين الهيئات والوزارات التعليمية، مع تغيرها المستمر، مما يؤدي أيضاً إلى التغيير المستمر في منظومة التعليم. وأما معركة "المجانية"، فقد تحولت بمرور الوقت الى "قميص عثمان" يتمسك بها الكل ويتحدث عنها، وفي الوقت نفسه يطبقون خصخصة المؤسسات التعليمية بالقانون!
مرت عشر سنوات على تخرجها، بينما المحاولات مستمرة لإنشاء "المجلس القومي" ووضع استراتيجية بعيدة المدى للتعليم ومناهجه الحديثة. وكانت قد نشرت الفكرة عربياً ولاقت قبولاً كبيراً، في البداية لمواجهة هجرة الشباب والعقول للدراسة في الخارج. بل وتأسست لجنة متخصصة للمشروع الوليد، انبثقت عن "المنظمة العربية للثقافة والعلوم" التي كان مقرها العراق، ثم راحت تتنقل بين بلدان مختلفة بحسب اهتزاز الأوضاع السياسية... الى أن عرضت اليونسكو أخيراً استضافة اللجنة والمنظمة، بينما عرضت الأمم المتحدة استضافة "جامعة الدول العربية" ومراعاة شؤون التقسيم والتحكيم بين مكونات ما كان يطلق عليه الوطن العربي! وبعدها تراجعت الفكرة وقلّ الحماس، وقررت هي أن تعود بالمشروع الى البدايات الأولى في مصر، وبدأت المشوار من جديد حتى وصلت إلى منصب وزارة التعليم... وفي خطاب الاستقالة، قالت الوزيرة إنها في سبيلها إلى تأسيس مصلحة للأرصاد السياسية تعمل كما كل مصلحة أرصاد، وإنما في مجال السياسة، حتى لا نباغَت ولا نفاجأ".
كانت تلك آخر قصة خبرية أرسلها للجريدة قبل الخلود إلى الراحة. فقد شارفتُ بدوري على التسعين!
مواضيع
مصلحة الأرصاد السياسية
مقالات من مصر
المؤتمر العام السادس لنقابة الصحافيين في مصر: وصفة الخروج من عنق الزجاجة... فهل من مستجيب؟
جاءت نتائج استبيان أُجْرِيَ حول أوضاع الصحافيين، شارك فيه 1600 صحافي، صادمة. فقد أظهر أن 72 في المئة من المشاركين يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 6000 جنيه،...
ثمانون: من يقوى على ذلك؟
إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.
الباب المُقفل: معضلة تعليم الفلسطينيين في مصر
هناك إصرار متزايد في أوساط أطفال وشباب جيل النكبة الفلسطينية الجديدة على حقهم في التعليم، وتشكيل مستقبلهم بأيديهم من جديد، على الرغم من الظروف القاسية عليهم. إلا أن ذلك، بالمقابل،...
للكاتب نفسه
مصر: المندوب السامي التعليمي؟
مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.
المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء
وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...
فقراؤك يا وطن
قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...