قانون الولاية في اليمن سيفٌ مسلط على رقاب النساء

على الرغم من عدم إنصاف القانون للنساء، فإنَّ المحاكم اليمنية باتت تشهد مؤخراً تزايداً ملحوظاً في قضايا كثيرة ترفعها النساء لاسترداد بعض حقوقهنَّ، وهو الأمر الذي يُبرز رغبة النساء ووعيهنَّ بحقوقهنَّ بالشكل الذي لا يمكن تجاهله.
2021-04-06

سهير السمّان

صحافية من اليمن


شارك
عنان العليان - السعودية

تبين نظرة على التشريعات اليمنية التي تمس النساء، أوجه المكانة المنتقصة للمرأة، ومن ذلك تقدير ديتها بنصف دية الرجل، وعدم تساوي نصاب شهادتها مقابل شهادة الرجل.. وهذه يفترض أنها تستند إلى أحكام الشرع الإسلامي أو تأويلاته السائدة. ولكن، وعلاوةً على ذلك، فهناك أوجه تخص اليمن، وهي تتحول على يد القانون والقضاء والتقاليد المتبعة، إلى كارثة بحق النساء، وإلى أمثلة تكاد غرابتها أن تلامس الهزل. ومن ذلك رد كفالتها إلى وليها الذكر الذي يحدد مصيرها في أدق أمور حياتها، وعلى رأسها الزواج الذي يتحكم فيه "الولي" بدون رقيب أو حسيب.

وعلى الرغم من عدم إنصاف القانون للنساء، فإنَّ المحاكم اليمنية باتت تشهد مؤخراً تزايداً ملحوظاً في قضايا كثيرة ترفعها النساء لاسترداد بعض حقوقهنَّ، وهو الأمر الذي يُبرز رغبة النساء ووعيهنَّ بحقوقهنَّ بالشكل الذي لا يمكن تجاهله.

يلغي قانون الولاية حق تزويج المرأة نفسها بمن تختاره زوجاً لها. وقد أصبحت المحاكم اليمنية تكتظ بدعاوى "عضل الولي" وهو لجوء المرأة إلى القاضي لتزويجها عند امتناع وليها عن ذلك. وهي الدعاوى التي لا تخلو جلسات محاكم الأحوال الشخصية منها بشكل يومي. يعرّف الفقهاء مصطلح الولاية في هذا السياق، بأنها سلطة شرعية تعطي صاحبها حق إنشاء العقود والتصرف تصرفاً نافذاً من غير توقف على إجازة أحد. وتنقسم الولاية إلى الولاية على المال، والولاية على النفس، وهي القدرة على إنشاء عقد الزواج إنشاءً نافذاً من غير حاجة إلى إجازة أحد.

تنص المادة 16 أن "ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب.." ويوسع الدائرة من الأب حتى أعمام الأب ثم أبناؤهم. وهي في سياقها لا تعتبر الرضا شرطاً، مستخفة بأهلية النساء وإرادتهنَّ، وترهن مصائرهنَّ بمزاج ورغبات أقربائهنَّ الذكور.

تقول الأستاذة فيروز الجرادي، وهي محامية بالنقض، وعضو اتحاد المحامين العرب، ومدربة حقوقية وقانونية: "على الرغم من أن القانون اليمني جعل للمرأة الأحقية في رفع دعوى عضل الولي في حال امتناع وليها عن العقد لها على رجل كفء، فإن النساء يدفعن أثماناً باهظة جراء رفع هذه الدعاوى أمام المحاكم، حيث يواجهن أسرهنَّ ونظرة المجتمع لهنَّ، الذي رغم ثبات هذا الحق في القانون، يرى في الإقدام على هكذا خطوة ضرباً من الانحراف والجنون وليس مطلباً قانونياً يُرجى منه العفة، وحق الزواج الذي كفلته كافة الأديان السماوية".

قُتلت داخل المحكمة

ولا تزال الجرائم التي أعقبت تلك الدعاوى شاهدةً على الظلم اللاحق بالمرأة. فالكثيرات من هؤلاء النساء تم الاعتداء عليهنَّ بالضرب والحبس والتزويج غصباً من رجال يفرضهم الأولياء دون رضا النساء، بل إن بعضهنَّ قُتلن بدافع التخلص منهنَّ. وما زال دم سميحة الأسدي شاهداً على هذا، حيث عمد أخوها إلى ذبحها بمشرط أمام القاضي في إحدى قاعات محكمة غرب الأمانة في صنعاء بتاريخ 9/4/2018، وجاءت جريمة قتلها كرد فعل على رفعها دعوى عضل ولي. وعلى الرغم من مرور عامين على الواقعة، فإن حق سميحة لا يزال مهدوراً دون إنصاف لها أو عقوبة لقاتلها، بل إن القضاء قام بتعديل الحكم الاستئنافي بحق أخيها وإلغاء الحكم بالإعدام تعزيراً، وبالتالي أسقط الحق العام، واكتفى بالقصاص، مع العلم بأن أولياء الدم في القانون هم أصحاب الحق الشخصي في المطالبة بالقصاص أو إسقاطه بالعفو. وكانت قد تزامنت فترة نظر القضاء في قضية قتل سميحة مع عدد من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي نظمتها أسرتها وقبيلتها للمطالبة بالإفراج عن قاتلها وللضغط على القضاء بهدف إلغاء الحكم بالإعدام والاكتفاء بالقصاص، وهو ما حدث بالفعل لاحقاً. سميحة ليست النموذج الأول أو الأخير، إلا أن قتلها داخل قاعة المحكمة هو ما تسبب بضجة شغلت الرأي العام - لفترة بسيطة ما لبثت أن خفتت - خاصة بعد عفو أولياء دم المغدورة عن ابنهم، الذين رأوا في جريمته انتصاراً لشرفهم وسمعتهم، وهكذا لم يعد الحكم مجدياً لسقوطه بالعفو.

يلغي قانون الولاية حق تزويج المرأة نفسها بمن تختاره زوجاً لها. وقد أصبحت المحاكم اليمنية تكتظ بدعاوى "عضل الولي" وهو لجوء المرأة إلى القاضي لتزويجها عند امتناع وليها عن ذلك. يعرّف الفقهاء مصطلح الولاية في هذا السياق بأنها سلطة شرعية تعطي صاحبها حق إنشاء العقود والتصرف تصرفاً نافذاً من غير توقف على إجازة أحد.

وتضيف الأستاذة فيروز: لا يستطيع أي محامٍ مهما بلغت خبرته وقدرته، أو أي قاضٍ مهما بلغت عدالته أن يحيد عن النصوص القانونية كالمواد 15 إلى 23 تحت الفصل الثاني والمعنية بالولاية في الزواج، والتي تنظم في القرار الجمهوري الخاص بالقانون رقم 20 لسنة 1992، بشأن الأحوال الشخصية. لذا نلجأ في الغالب إلى ما يمكننا تحقيقه من إنصاف للنساء عبر الحلول السلمية لإيجاد أكبر قدر من التوافق بين كافة أطراف الدعوى. ومن هنا، فالقوانين تشكل عقبات لا يمكن تجاوزها. أتذكر في بداية عملي كمحامية في عام 2004 قضية امرأة في بداية الثلاثينات من عمرها كانت تشرح دعواها لقاضي الأحوال الشخصية، وهي في أوج غضبها، حيث إن أخويها لأبيها قاما بعقد قرانها دون علمها، وقاما باستلام المهر عنها بينما كانت تقيم، بعيداً عنهما، مع والدتها بعد وفاة والدها. أخواها من الأب اللذان لم تكن تعرف عنهما شيئاً، ولم يتحملا أية مسؤولية مالية أو معنوية تجاهها طيلة حياتها، ظهرا فجأة كلٌ على حدة يطالبانها بإتمام الزفاف ليتفاجأ كل من الأخوين أن كل واحد منهما عقد لها على رجل مختلف في عقدين منفصلين! وكونها لا ترغب في أي من العقدين، لجأت إلى المحكمة لتطالب بفسخهما. وعلى الرغم من أن الموضوع يبدو وكأنه حكاية لا تُصدّق، إلا أنني عند رجوعي لقانون الأحوال الشخصية في محاولة مني لحل تلك المعضلة، وجدت أن القانون قد وضع معالجات مؤقتة عوضاً عن استئصال المشكلة من جذورها.

الولاية وفق القانون

يقول نص المادة 16: "ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب: الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم الإخوة ثم أبناؤهم ثم الأعمام ثم أبناؤهم ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم كذلك، ويُقدم من تكون قرابته لأب وأم، وإذا تعدد من هم من درجة واحدة كانت الولاية لكل منهم، ويصح عقد من سبق منهم مع رضاها به، ويبطل عقد من تأخر، وإذا عقدوا لأكثر من شخص واحد في وقت، وإذا أشكل ذلك، بطل العقد، إلا إذا ارتضت أحد هذه العقود صح وبطل غيره".

جاءت جريمة قتل سميحة الاسدي على يد شقيقها ذبحاً بمشرط داخل قاعة المحكمة، كرد فعل على رفعها دعوى عضل ولي. وعلى الرغم من مرور عامين على الواقعة، فإن حق سميحة لا يزال مهدوراً دون إنصاف لها أو عقوبة لقاتلها.

وهكذا تجيز المادة عقد الأسبق لأن كلاً من أخويها في المرتبة ذاتها، ولأنها لا تستطيع إثبات عدم الرضا للقاضي لصعوبة أن تحضر شهوداً للشهادة في القضية ضد أخويها، أو لعدم رغبتها من الأساس في ذلك خوفاً من العواقب، فاضطرت لقبول عقد الأسبق لها بالزواج.

مادة كهذه هي مادة عجيبة غريبة لا تعفي المشرع من عواقبها، كونه أوجد الحلول للآثار دون أن يعالج المشكلة الحقيقية من حيث مسبباتها ودواعيها، والتي حلها يكمن في أن تعقد البالغة العاقلة لنفسها، كمثيلاتها في العديد من الدول العربية والإسلامية، بدل أن يعقد لها أخوها أو ابنها الذي قامت برعايته وتربيته بيدها ليصبح في نهاية المطاف رجلاً يتحكم بحقها في الزواج تحت ذريعة الولاية. أضيف إلى كل ما سبق أن نص المادة في سياقها لا يعتبر الرضا شرطاً، وهو ما يستخف بأهلية النساء وإرادتهنَّ، ويرهن مصائرهنَّ بمزاج ورغبات أقربائهنَّ الذكور.

أمثلة من الواقع

في أحد الأمثلة من حديث الأستاذة فيروز الجرادي تقول: توليتُ قضية امرأة كانت تطالب بحقها في حضانة ونفقة طفلتها التي كانت تبلغ من العمر عشرة أعوام. وبالفعل حكمت المحكمة للأم بحضانة طفلتها وفقاً للقانون الذي ينصف نصه في هذه الجزئية النساء ويمنحهن حق حضانة صغارهنَّ. ما حدث بعد ذلك هو قيام الأب بالعقد لابنته القاصر على ابن أخيه، وتمكن بذلك من إسقاط الحضانة حين انتهز إحدى الزيارات التي يسمح له فيها برؤية ابنته لأخذها لمنزل من أصبح زوجها. وبذلك قام بتعطيل حكم الحضانة، لأن ولاية الطفلة انتقلت لزوجها، وهكذا أغلق ملف تنفيذ حكم الحضانة لاستحالته، ولأنه لا عقوبة إلا بنص، فبالتالي عقد الصغيرة القاصر لا يستوجب العقاب في بلدنا.

"لا يستطيع أي محامٍ مهما بلغت خبرته، أو أي قاضٍ مهما بلغت عدالته، أن يحيد عن النصوص القانونية، كالمواد 15 إلى 23 تحت الفصل الثاني والمعنية بالولاية في الزواج، والتي تنظم في القانون رقم 20 لسنة 1992، بشأن الأحوال الشخصية. لذا يلجأ المحامون في الغالب إلى ما يمكن تحقيقه سلمياً لإيجاد أكبر قدر من التوافق بين كافة أطراف الدعوى".

وفي حالة أخرى لامرأة متزوجة، قام أخوها باستدعائها لمنزله ليبلغها أنه اكتشف أن زوجها ليس ذا نسب مشرف له، لذا فإن عليها أن تتطلق منه. وعندما رفضت قام أخوها بربطها بالسلاسل وأخذ ذهبها عنوة لإعادته كمهر للزوج الذي استدعاه الأخ وأخبره كذباً أن زوجته ترغب في الطلاق. حاول الزوج مراراً مقابلة زوجته كشرط لتطليقها، وللتأكد من ادعاء أخيها الذي لم يمكّنه من لقائها بحجة أنها لا تريد مقابلته، وأنها مصرة على الطلاق الذي تم بالفعل في نهاية المطاف. 

وبعد أقل من شهر من طلاقها استطاعت المرأة أن تفر من منزل أخيها مستنجدة بزوجها لتبلغه بأن ما حدث لم يكن برضاها، وقام كلاهما بالاستنجاد بالقضاء، ورفع دعوى "عضل ولي" ليتمكنا من عقد قرانهما من جديد. وحين توليت هذه القضية بعد صدور الحكم الابتدائي في نهاية 2015 الذي حكم برفض دعوى العضل لعدم كفاءة الزوج، قمتُ باستئناف الحكم مستندة على القانون الذي حصر كفاءة الزوج في الخُلق والدين فقط، ولم يشر إلى التصنيفات والتراتبيات المجتمعية القبيحة لأنساب الناس وأصولهم. وعلى الرغم من أني بنيت مرافعاتي على هذه النقطة من القانون، إلا أن القانون لم يكن كافياً أمام المحكمة، وبذل الزوج جهداً مضاعفاً لاستخراج شهادات تثبت أصالة وجودة حسبه ونسبه أمام الشعبة التي تنظر القضية. وعلى الرغم من صعوبة القضية وكافة الضغوطات التي تخللتها، إلا أنها حلت عبر أحد قضاة الشعبة المعروفين بالنزاهة والعدل، والذي أصدر حكمه عام 2016 بقبول الاستئناف، وإتمام عقد الزواج من قبل رئيس المحكمة باعتباره ولياً للمرأة بعد رفض كل إخوتها إجراء العقد! 

مقالات من اليمن