أزمة الدروس الخصوصية ـ مثال مصر

42 في المئة من دخل الأسرة المصرية يوجّه إلى الدروس الخصوصية. هذا ما كشف عنه أحدث تقرير (عام 2014) للجهاز المركزي للإحصاء، وهو المؤسسة الرسمية للدولة. وترتفع هذه النسبة إلى 47 في المئة في الحضر مقابل 40 في المئة في الريف. ويبلغ متوسط إنفاق الاسرة المصرية على الدروس الخصوصية 3706 جنيهات مصرية سنويا، (أي ما يقرب من 550 دولارا)، وأشارت البيانات الصادرة عن الجهاز أيضا إلى أن حجم
2014-09-10

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
في احدى المدارس المصرية (من الانترنت)

42 في المئة من دخل الأسرة المصرية يوجّه إلى الدروس الخصوصية. هذا ما كشف عنه أحدث تقرير (عام 2014) للجهاز المركزي للإحصاء، وهو المؤسسة الرسمية للدولة. وترتفع هذه النسبة إلى 47 في المئة في الحضر مقابل 40 في المئة في الريف. ويبلغ متوسط إنفاق الاسرة المصرية على الدروس الخصوصية 3706 جنيهات مصرية سنويا، (أي ما يقرب من 550 دولارا)، وأشارت البيانات الصادرة عن الجهاز أيضا إلى أن حجم الإنفاق السنوي الكلي تجاوز حاجز الـ15 مليار جنيه مصري، أي ما يوازي 2 مليار دولار أميركي.
لم تكن لغة الأرقام فقط هي المفاجأة، وإنما أيضا نتائج البكالوريا المصرية لهذا العام. فقد أجمع الطلاب الـ55 الأوائل على أن السبب الرئيسي لتفوقهم هو الحرص على تلقي الدروس الخصوصية بشكل منتظم وفي جميع المواد الدراسية، مثلما أكدت الطالبة «ألاء»، الأولى على شعبة الرياضيات. وأشار بعضهم إلى أنه حضر الدروس من قَبل بداية العام الدراسي بشهر على الأقل. ولم يمنع إجماع الطلاب على حصولهم على الدروس الخصوصية من أن يوجه بعضهم النقد لهذه القضية، فأشار «أحمد أشرف» (الأول على شعبة العلمي) أنه كان يقضي يومه في تلقي الدروس الخصوصية ثم يوزع الوقت المتبقي على المذاكرة بالمنزل، وهو الوضع الذي وصفه بغير المريح والمرتبك، وأن سياسات التعليم الرسمية غير مستقرة وتنتج تعليما لا يتناسب مع الواقع، وقال إن «الغلاء رفع أسعار الدروس الخصوصية، التي أصبحت تتطلب الحجز المسبق والحصول على واسطة ليجد الطالب ما يناسبه كمكان وتوقيت».
لفتت ظاهرة طغيان الدروس الخصوصية في مصر أنظار المؤسسات الدولية، فأشارت دراسة للمعهد التربوي التابع لليونسكو أن نسبتها طالت 69 في المئة من الطلاب المصريين، وأضافت ان هذا الرقم يمكن أن يتجاوز نسبة 99 في المئة في الشهادات العامة مثل البكالوريا.

سوق موازية مزدهرة

الدروس الخصوصية ليست ظاهرة جديدة على التعليم المصري ولكنها توسعت مع بداية تطبيق الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات من القرن الماضي ثم أصبحت طاغية على التعليم منذ بداية الألفية الجديدة وحتى الآن. والظاهرة لها أكثر من بعد وسبب، بعضها تربوي وبعضها تعليمي مثل ارتفاع كثافة عدد التلامذة في الصفوف التي وصل في بعضها (كما في محافظة الجيزة) إلى أكثر من مئة طالب للفصل الواحد طبقا لأرقام وزير التربية والتعليم التى أعلنها مؤخرا، وكذلك انتشار نظام الدورتين في اليوم، أي أن تعمل المدرسة نفسها صباحا ومساء بنسبة تقترب من 20 في المئة من إجمالي المدارس على مستوى الجمهورية. وكذلك هناك أسباب تتعلق بالمناهج الدراسية نفسها وطرق التدريس، والأهم هو نظام الامتحانات الحالي الذي يعتمد على قياس قدرات الحفظ والتلقين واسترجاع المعلومة نصا. ويضاف إلى كل ذلك قلة الأماكن المتاحة بمؤسسات التعليم العالية والجامعات مما يشعل الصراع والتنافس للحصول حتى على نصف الدرجة للتقدم في الترتيب.
وفى المقابل، يُرجع خبراء التربية أحد أهم أسباب الانتشار الواسع للظاهرة الى مرتّبات المعلمين المنخفضة للغاية، بسبب تخلي الدولة عن دفع المرتبات العادلة للمعلمين، حتى أن أحد وزراء التعليم السابقين فسر الظاهرة بشكل ساخر: «كأن الدولة تظاهرت بأنها تعطي المدرس حقه، فتظاهر المدرس بأنه يدرِّس بالمدرسة وهو يعطي الدروس الخصوصية». ورغم أن الدولة أصدرت منذ أعوام قليلة كادراً للمعلمين ورفعت المرتبات بنسب اقتربت من 100 في المئة، إلا أن الاجور ما زالت متدنية للغاية، ولا يتجاوز مرتب المدرس حديث التعيين 180 دولارا شهرياً، وما زال أقل بكثير مما تطالب به نقابات وروابط التعليم. وهكذا تستمر الدروس الخصوصية لأنها سوق مربحة للغاية إذ يصل متوسط دخل المعلم منها الى 1500 دولار شهريا.
وهذه السوق المربحة خلقت من داخلها سوقا أخرى يُطلق عليها «السنترز» أو»المراكز التعليمية» التي انتشرت بدورها بشكل كبير يصعب حصره لأن أغلبها يعمل بدون تصريح. وهذه المراكز، على عكس الدروس المنزلية، تضم أعدادا كبيرة من الطلاب يتجاوزعددهم 30 طالبا فى الدرس الواحد، وأصبحت تلعب الدور البديل للمدرسة، ولها كشوف حضور وغياب ومتابعة للطالب، وتصل إلى حد طرده. وهي تنتشر (بل أصبحت الأساس الآن) في مرحلة البكالوريا، وبعضها بدأ الموسم الدراسي منذ الآن، والأولوية بالحجز المسبق والأسعار تتفاوت طبقا للمادة الدراسية ولاسم الأستاذ.

قانون للتجريم؟

لمواجهة هذه الحال، انتهت وزارة التعليم هذا الشهر من إعداد قانون جديد لتقديمه الى مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، يتضمن نصا عقابيا لأول مرة. النص الجديد يحظر إعطاء الدروس الخصوصية خارج المدرسة أو المجموعات الدراسية، ومن يثبت عليه ذلك، يوجه له إنذار في المرة الأولى، وفي حالة تكرار المخالفة يحال إلى المحكمة التأديبية، وذلك في مقابل رفع رواتب المعلمين بشكل متدرج.
هل سيلقى هذا التشريع الجديد قبولا من المعلمين ويقضي على الدروس الخصوصية أو يحجمها ويحد منها؟ روابط المعلمين لم ترحب كثيرا بالمشروع، خاصة أن المقابل المادي المطروح أقل بكثير من مطالبها أو حتى من الحد الأدنى الذي تقدمت به للوزارة حينما عقدت جلسات استماع لتلك الروابط بينما هي تعد القانون، وهو ما أدى بالعديد منهم للتحفظ والمطالبة بفتح حوار حول المشروع خاصة أن القانون بصورته النهائية لم يُعرَض للحوار المجتمعي. كذلك قلل عدد كبير من أساتذة التربية من احتمال أن إصدار تشريع بالحظر سوف يقضي على الدروس الخصوصية، لأن واقع الحال يقول إنها سلعة عليها طلب كبير وإن سوق الدروس الخصوصية لا يحتكره المدرسون فقط، بل يمارسه عدد كبير من أصحاب المهن الاخرى مثل الأطباء والمهندسين وحملة الشهادات من أصحاب «السنترز» وغيرهم. وكيف ستضبط الوزارة تهمة إعطاء الدروس المنزلية؟ ولو عالجت أجور المعلمين فكيف ستعالج سائر النواقص كالاكتظاظ في القاعات مثلا. لذا قلل الأساتذة من أهمية القانون وفعاليته على أرض الواقع، حيث أن القضاء على الدروس الخصوصية يحتاج الى حزمة إصلاحات تعليمية واقتصادية ومجتمعية أولا قبل تطبيق القانون.

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...