"علمونا صح" هو العنوان الذي دشنت به مجموعة من طلاب الثانوي في مصر موقعا الكترونيا و"هاشتاغ" للاعتراض على العملية التعليمية التى تقدم للطلاب. وهم دعوا للتجمع أمام وزارة التعليم بعد انتهاء امتحانات شهادة البكالوريا التي يبدو أنها تجري بسبب استشراء حالات الغش الالكتروني وكذلك لعدم مراعاة مستوى الغالبية العظمى من الطلاب، مثلما حدث في امتحان اللغة الانجليزية الذي جاء لمصلحة طلاب المدارس الخاصة الذين يدرسون موادهم باللغات الأجنبية، على عكس 90 في المئة من طلاب المدارس الحكومية الذين يدرسون باللغة العربية.
11 مطلبا للطلاب
الطالب مصطفى، أحد المؤسسسين للموقع، حدد 11 سؤالا ومطلبا من الحكومة ووزارة التعليم المختصة. أول هذه المطالب هو تغيير المناهج الحالية ووضع مناهج حديثة تواكب التطورالعلمي الحادث فى المناهج العالمية، مع ضرورة تغيير شكل الكتاب المدرسي لتسهيل استيعاب الطالب للمادة العلمية دون الحاجة الى الكتب الخارجية، ومع ضرورة وقف ومنع إعطاء أي تصريحات من وزارة التعليم لطباعة كتب خارجية جديدة. ومن المعروف أن سوق الكتب الخارجية فى مصر رائجة ومربحة للغاية، ويتجاوز حجمها ربع مليار دولار سنويا، وذلك بجانب إعادة تأهيل المعلمين على التدريس، خاصة المتعلق منه بتطبيق الطرق الحديثة في التعليم التي تقوم على الحوار والمناقشة. والأهم، ضرورة وضع قوانين واضحة وصريحة تبين حقوق وواجبات كل من الطالب والمعلم، مع ضرورة توفير الرواتب المجزية للمدرسين، وذلك للحد من اضطرارهم لإعطاء الدروس الخصوصية.
لم يغفل الطلاب أزمة البنية التحتية لمؤسسات التعليم، فطلبوا من الدولة توفير الكهرباء للمدارس بصفة مستمرة، وذلك بعدما لوحظت زيادة الشكاوى من انقطاعها أثناء اليوم الدراسي، بالإضافة إلى تجهيز الفصول والمعامل. ثم أخيرا أضاف الطلاب مطلباً لافتا للنظر يتعلق بضرورة المنع النهائي لمن يجبر الطلاب على أسلوب معين للاجابات في الامتحانات مع توقيع العقاب على المدرس او الإدارة أو حتى وزير التعليم نفسه أذا طبقوا مبدأ الحل الواحد والوحيد للنجاح.
الاخوان الشياطين
وكالعادة مؤخرا تعلّق أسباب كل ما يحدث على شماعة الأخوان، مثل تبرير وزير التعليم استشراء حالات الغش الالكتروني في امتحانات البكالوريا بقوله إن صفحات الإخوان الالكترونية وراء ذلك ، مع أن الغش الالكتروني ظهر في عام 2011، والصفحات الالكترونية بدأت مع حكم الإخوان ولكنها لم تتوقف. وهذا هروب من البحث عن حلول حقيقية لما يحدث. لذا فالدعوة نفسها: "علمونا صح"، تجذب الآلاف لها منذ إطلاقها قبل شهرين، وتجد صدى متعاطفاً في أوساط اجتماعية كثيرة. حتى أن وزير التعليم - الذى لم يتغير فى التشكيل الوزاري الجديد - اتصل بالطلاب وطلب اللقاء بهم بعد الامتحانات، ولا نعرف هل تمت الدعوة وجرى حوار مع الطلاب أم اكتفى الوزير بأنه أتصل بهم على اعتبار نظرية أن هناك أيادي تعبث بالمنظومة وانتهى الأمر.
كشف إطلاق دعوة "علمونا صح" عن ارتفاع مستوى وعي الأجيال الجديدة من الطلاب، وأن أمر منظومة التعليم لم يعد قضية تخص النخبة أو المتخصصين من أساتذة الجامعات. وكذلك يمثل الارتفاع الدائم في الأعداد التي تجذبها الدعوة، إذ تجذب الشرائح الأكبر سنا، سواء من طلاب الجامعات أم من المتخرجين.
ومن اللافت للنظر أن الأغلبية المهتمة تأتي من المدارس الحكومية. وكما فسر أحد خبراء التربية فإن المطالب واضحة ومباشرة وبدون تعقيد، وبعضها يمكن تنفيذه بدون التحجج بشماعة "نقص الإمكانيات" "وأجيب منين" التي تستخدمها الحكومات المتعاقبة، مثل قضية "الكتب الخارجية" و"الإجابة النموذجية". وهذه النقطة تحديدا، بجانب انها تكشف عن وعي طلابي بمساوئ نظام الحفظ والتلقين، فأنها من الجهة الأخرى تكشف عن أن الأجيال الجديدة أصبحت تكره نظام السمع والطاعة الذي يكرسه هذا النظام التعليمي، وترفض النظام الأبوي التراتبي في مؤسسة التعليم، القائم على الطاعة من أسفل لأعلى...
حركة أحتجاج
لفت تدشين الحركة الأنظار الى ظهور حركة احتجاجية اجتماعية جديدة على الساحة المصرية تستطيع أن تجذب ليس الآلاف فقط بل يمكن أن تجذب الملايين لأهداف الحركة وتجمعهم لإحداث قوة ضغط حقيقية من أصحاب المصلحة فى تغيير التعليم لإيجاد فرص أفضل فى الحياة والحصول على وظيفة محترمة خاصة أن كل الدراسات الاكاديمية والميدانية تربط جميعها بين ارتفاع نسب البطالة وبين تدني مستوى التعليم. إذًا دخول أصحاب المصلحة على أرضية المطالبة بالتغيير الجذري لمضمون العملية التعليمية يمثل متغيرا جديدا على الساحة بعيدا عن حالة الاستقطاب السياسي الحاد ويفتح آفاقا لقضايا حقيقية للمناقشة الجادة، بل ربط البعض بين ظهورالمطالب الطلابية المصرية وبين الحركة الطلابية الفرنسية عام 1968 التي تركزت أغلب مطالب شبابها على ضرورة الاصلاح التعليمي، وهو ما أجبر القيادات السياسية الحاكمة هناك على وضع خطة ملموسة لتطوير التعليم الذي أسفرعن دخول الجامعات الفرنسية الى حلبة المنافسة العالمية بل والفوز بالجوائز الكبرى مثل نوبل.