بوكو حرام على الطريقة المصرية

لماذا يستهدف العنف مؤسسات التعليم  أكثر من سواها؟ إنها النتيجة الطبيعية لاختفاء الدور التربوي للمؤسسة التعليمية في المدرسة والجامعة. هكذا فسرت الأمر د. نادية جمال الدين العميد الأسبق لمعهد البحوث التربوية، وليس لأسباب سياسية ونضالية. وتضيف انه من المعروف أن الحركة الطلابية المصرية طوال تاريخها النضالي (سواء أيام الاحتلال الانجليزي أو في حقبة السبعينات) لم تكسر حتى كرسي واحد أو
2014-06-14

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
من الانترنت

لماذا يستهدف العنف مؤسسات التعليم  أكثر من سواها؟ إنها النتيجة الطبيعية لاختفاء الدور التربوي للمؤسسة التعليمية في المدرسة والجامعة. هكذا فسرت الأمر د. نادية جمال الدين العميد الأسبق لمعهد البحوث التربوية، وليس لأسباب سياسية ونضالية. وتضيف انه من المعروف أن الحركة الطلابية المصرية طوال تاريخها النضالي (سواء أيام الاحتلال الانجليزي أو في حقبة السبعينات) لم تكسر حتى كرسي واحد أو شباك، فما بالك بتحطيم معامل كاملة ومدرجات وفصول؟ هذه الأجيال، وجزء منها هؤلاء الطلاب، لم يعيشوا المناخ التعليمي داخل المؤسسة التعليمية. وهم انعكاس حقيقي لمدى تردي الحالة التعليمية بل غيابها تماما: غياب المدرسة لصالح الدروس الخصوصية أفقد اجيالا بأكملها معنى الانتماء إلى المكان. فالمدرسة ليست مبنى وأحجاراً فقط وإنما هي علاقات تربوية وإنسانية ونفسية واجتماعية تدور بين الطلاب ثم بينهم ومدرسيهم. مكمن العطب.

حينما أصبح دور المدرسة شكليا تماما، وصارت مكاناً للحصول على الشهادة المعتمدة فحسب، أصبح من السهل الاعتداء عليها بل وتحطيمها أيضا. وانتقل الأمر من المدرسة إلى الجامعة، حيث ساهمت الأعداد الضخمة من الطلاب وفقدان التواصل مع الاساتذة الى حالة من عدم الاكتراث المتبادل. فالتعليم نظري ولا يهم الحضور المنتظم والدكتور من جانبه أصبح لا يهتم كثيرا أو يدقق فى الحضور، وما يهم هو رواج كتبه وما تدره من دخل مادي. بل ان مرض الدروس الخصوصية استشرى أيضا في الجامعات، فوفق دراسة ميدانية أجراها العميد الأسبق لكلية طب القصر العيني منذ سنوات قليلة، كشف عن أن 93 في المئة من الطلاب يحصلون على دروس خصوصية، والبقية التي لا تستطيع تحمل الكلفة المالية للخصوصي تكتفي فقط بشراء شرح الدروس، وهو ما أصبح تجارة مربحة جدا، تقوم بها مكتبات متخصصة فى بيع الشرح والاسئلة المرفقة به.

التعليم الحديث حرام

ومن اللافت للنظر حالة الرفض الشديد للتعليم الحديث، الذي وصل إلى حد العداء المطلق والصريح كما في حالة بوكو حرام النيجيرية (وترجمتها "بوكو" من book  بالانجليزية). أما في الحالة المصرية، فيتمثل في رفض تحديث المناهج أو تطوير العملية التعليمية حتى لو لزم الامر الاستعانة بالخبرات الاجنبية، والرفض يتم تحت لافتة أن الثقافة والبيئة المصرية مختلفان!فهل تلك المقولة صحيحة؟ الاجابة بالطبع لا، وهو ما أكدته العديد من الدراسات التى أعدتها المراكز المتخصصة بكليات التربية التى أكدت أهمية التعليم الحديث لأنه يخاطب العقل ويعتمد على التفكير ويدعو الى إثارة الأسئلة الكثيرة، كخطوة أولى نحو الإبداع والتطوير والاختراع، وبالتالي فهو يمثل الضد الموضوعي لطرق التعليم التي تعتمد عليها التيارات الإسلامية المتشددة، في اعتمادها المطلق على الحفظ والتلقين والنقل الأعمى من المناهج القديمة، والتي وصلت إلى اقتباس كامل لكتب ومناهج الأقدمين كما وضعها أصحابها منذ قرون بعيدة، وخير مثال عليه التعليم الأزهري في مرحلتيه، ما قبل الجامعة أو الجامعة. وهو ما ارتد على المؤسسة نفسها، فنجد أن أكبر عدد من حالات العنف والقتل والتدمير كانت من نصيب جامعة الأزهر، وهي وصلت إلى تحطيم المبنى الرئيسي بالقاهرة بالكامل. أن حالة السلفية التعليمية الموجودة الآن لا يقتصر أمرها على التيارات الاسلامية المتطرفة وإنما تمتد وتتمسك بها أيضا المؤسسات التعليمية الحكومية الرسمية. فعلى مدار الأربعين عاما الأخيرة، كان هناك رفض فعلي لأي محاولات للتطوير الحقيقي الذي يقضى على ثلاثية التلقين والحفظ والاختبار القائم على استرجاع المعلومة، رغم مفارقة أن كل وزراء التعليم رفعوا شعاراً يقول أن أولويتهم تتمثل في القضاء على تلك الثلاثية. ولا يجب أن ننسى أن هذا الوضع يتعلق بالمدارس الرسمية، وأن المدارس الخاصة والجامعات باهظة الكلفة والمخصصة لأبناء الذوات، تفلت منه. مما يثير سؤال وظيفته الاجتماعية بما يتجاوز المعضلة التعليمية نفسها، إلى تعزيز الفوارق بين نخبة حديثة ومتعلمة بشكل متين وجموع مجهّلة.

الإصلاح مؤجل

بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، ينتظر الجميع البرامج وخطط المستقبل. جاءت المفاجأة بعدم وجود برامج تفصيلية تخص التعليم، كما بدا من مداخلات المرشح المشير عبد الفتاح السيسي الذي أصبح اليوم رئيس الجمهورية. لم نر أي من الأسماء اللامعة في التعليم أو المتخصصة به ضمن حملته الانتخابية للرئاسة، ولا كلام عن التعليم إطلاقا، اللهم إلا بعض الإشارات إلى ضرورة الاهتمام المعنوي والأدبي بالمعلم المصري.. من دون مزيد، مما يشير إلى أن حالة بوكو حرام وبيئتها مستمرة، في الأجل المنظور على الأقل.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...