مشروع قانون الأحوال الشخصية في مصر: للخلف در

تريدون تجسيداً لمآثر النظام الذكوري الظالم للنساء؟ هاكم مواد مشروع قانون الاحوال الشخصية المصري "الجديد" – وهو ليس بجديد - وبعض الأمثلة من الواقع، تلك التي تخص النفقة والحضانة والولاية التعليمية والمسكن وتقاسم الثروة...
2021-04-04

إيمان عوف

صحافية من مصر


شارك
إحدى محاكم الأسرة في مصر

أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي تقدمت به الحكومة المصرية للبرلمان مطلع شهر آذار/ مارس الجاري، جدلاً لم يهدأ، إذ انقسمت الآراء بين فريق يرى أن القانون يكرس أزمة قانون الأسرة الحالي رقم 1 لسنة 2000، وأن هناك ضرورةً لإجراء حوار مجتمعي، والأخذ بالاعتبار مطالب النساء، والتغييرات التي طرأت على دور المرأة في المجتمع المصري، بينما يرى فريق آخر أن هناك ضرورةً لأن يكون للشرع والأزهر الكلمة العليا في مثل تلك النوعية من القوانين.

ومما زاد الجدل حول مشروع القانون، تصريحات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أثناء الاحتفال بعيد الأم في 21 آذار/ مارس، التي أعلن فيها عن ترحيبه بإعداد الإمام الأكبر، شيخ الأزهر د.أحمد الطيب، مشروع قانون للأحوال الشخصية. اعتبرت منظمات المجتمع المدني تلك التصريحات "ردة" في حقوق المرأة، لا سيما وأن شيخ الأزهر سبق أن تقدم للبرلمان في نهاية عام 2018 بمشروع قانون للأحوال الشخصية، يتشابه كثيراً مع مشروع القانون الحالي المقدم من الحكومة للبرلمان.

الأحكام المنظمة للأحوال الشخصية في مصر

انتشرت منذ ما يقرب من قرن من الزمن الآن، الأفكار الداعية إلى مراجعة الأحكام المنظمة للأحوال الشخصية في مصر. وقد ظلت مسائل الأحوال الشخصية دون قوانين تحكمها حتى العام 1917، إلى أن أصدرت الدولة العثمانية قانوناً لأحكام الزواج والفرقة للمسلمين والمسيحيين، كل بحسب شرائعه وتقاليده، وأسمته قانون "حقوق العائلة"، وكان من أهم أسباب صدور هذا القانون إلغاء المحاكم الروحية التي لا تخضع لرقابة الدولة، والتي كانت تسيطر عليها الهيئات الدينية.

ثم صدرت قوانين في العام 1920، و1929، و1946 قامت بمناقشة وتنظيم العديد من القضايا، مثل أموال المواريث. بعد ذلك صدر القانون رقم 180 لسنة 1952 مع تغيير النظام السياسي، الذي أدخلت عليه تعديلات (القانون رقم 100 لعام 1985)، ليأتي أخيراً القانون رقم 1 لعام 2000 الذي أدخل التعديلات الخاصة بالخلع وعرف إعلامياً باسم "قانون الخلع".

وعلى الرغم من أن القانون رقم 1 لعام 2000 جاء بتأثير من سوزان مبارك، زوجة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وسيطرت على كتابته "لجنة المرأة" في "الحزب الوطني"، إلا أنه حظي وقتها بتأييد النواب المعارضين في البرلمان، المنتمين إلى أحزاب "التجمع" و"الناصري"، بينما رفضه الإسلاميون بقوة، وأطلقوا حملات ضده، لوجود بعض المواد فيه التي تمنح المرأة حق الخلع، بينما تجاهلوا أن عدة مواد من القانون المقترح تناهض حقوق النساء، وأن من بين مواده ما يتطابق مع مشروع قانون الأزهر الذي تمّ تقديمه للبرلمان عام 2018، وأنه من المقرر أن تدرسه اللجنة التشريعية في البرلمان، وتوازن بينه وبين قانون الأزهر ذاك، وفقاً لتوجهات رئيس الجمهورية.

من أبرز المواد التي تتطابق بين قانون الأزهر ومشروع الحكومة "الجديد" والقانون الراهن، تجاهل القانون، بل الإصرار على عدم إقرار المواد الخاصة باقتسام الثروة بين الزوجين، إضافةً لعدم توفير مسكن ملائم للمرأة إذا حدث الطلاق وهي ليست حاضنة.

أمثلة

تقول منار محمود، ربة منزل: إنه، وفقاً للمادة 18 مكرر من قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000، فإن شروط حصول المطلقة على مسكن للزوجية، أن يكون لديها صغار في سن الحضانة، حتى إن القانون يسحب هذه الميزة النسبية من النساء المطلقات، حالما تنتهي فترة الحضانة، ويصل الطفل الذكر إلى سن عشر السنوات، والطفلة الأنثى إلى سن 12 عاماً.

تقول منار إنها تزوجت لأكثر من 25 عاماً، لكنها لم تنجب أطفالًا، لعيب لدى الزوج، وهي وافقت على تلك الظروف، وقضت أكثر من نصف حياتها تعمل معه صباحاً في مشروع أسسه بغاية زيادة دخل الأسرة لتوفير كلفة إجراء عملية تتيح الإنجاب، وكانت تقوم بأعمال المنزل ليلًا. ولكنها فوجئت بأن زوجها متزوج من أخرى قبل عامين، فطلبت الطلاق ووافق هو بسهولة، ولكنها أصبحت في الشارع لا تعويضاً عن عملها معه في مشروعه الخاص، ولا مسكناً يحميها، والسبب هو الشروط المجحفة في قانون الأحوال الشخصية.

مشروع قانون الأزهر الذي قدّم عام 2018، ولاقى رفضاً شديداً من منظمات المجتمع المدني والعديد من النواب بحيث أن البرلمان لم يقره ووضعه جانبا، ومشروع قانون الحكومة المقدم للبرلمان مؤخراً، كلاهما لم يعالج مأزق منار، ومثلها آلاف النساء، في موضوع اقتسام الثروة مع الزوج. بل رفض المشرع الموافقة على نسخة لمشروع أعدته الحركات النسوية، فيه بعض المواد التي تطالب باقتسام الثروة بين الزوج والزوجة إذا حدث طلاق، وحق الزوجة غير الحاضنة في توفير مسكن لها لحين توفيق أوضاعها، أو تعويضها مادياً عن غياب المسكن.

ومن ضمن النقاط الخلافية التي تضمنها مشروع قانون الأزهر ومشروع الحكومة الحالي أيضاً ما يتعلق بالنفقة، التي تمثل مشكلتها، وفقاً لإحصائية أعلن عنها المجلس القومى للمرأة عام 2018، 70 في المئة من إجمالي الدعاوى المقدمة أمام محاكم الأسرة على مستوى البلاد.

منار متزوجة لأكثر من 25 عاماً، ولم تنجب أطفالاً لعيب لدى الزوج، وهي قضت أكثر من نصف حياتها تعمل معه صباحاً في مشروعه بغاية توفير كلفة إجراء عملية تتيح الإنجاب، وكانت تقوم بأعمال المنزل ليلًا. فوجئت بأن زوجها متزوج من أخرى، فطلبت الطلاق ووافق هو بسهولة، ولكنها أصبحت في الشارع بلا تعويض عن عملها معه في مشروعه الخاص، ولا مسكناً يحميها..

تروي عبير صالح، وهي موظفة، ما تعانيه منذ سنوات بسبب النفقة. تقول إن خلافات شديدة وقعت بينها وبين زوجها، وأنها طلبت الطلاق للضرر، لأنه كان دائم الاعتداء عليها. وبعد معاناة شديدة في المحاكم، حدث الطلاق، ولكن بقيت المعاناة الأكبر، في الحصول على نفقتها ونفقة الأبناء من طليقها. وينظم قانون الأحوال الشخصية الحالي النفقة، ويحددها بـ 25 في المئة من قيمة راتب الزوج أو دخله، وللمحكمة حق تقدير الوضع وفقاً لعدد الأطفال وسنهم واحتياجاتهم، ويمكنها أن تزيد أو تقل عن ذلك الحد.

تشير صالح إلى أن الأزمة ليست في نص القانون، بقدر ما ترتبط بوجود العديد من الثغرات التي تساعد بعض الأزواج على التهرب من مسؤوليتهم المادية عن أبنائهم. تدلل على ذلك بأن زوجها يعمل في شركة قطاع خاص، ويتخطى راتبه الـ 8 آلاف جنيه شهرياً، وعلى الرغم من ذلك، فعندما طلبت المحكمة تحريات عن الراتب، وطلبت من الشركة التي يعمل بها إقراراً بقيمته، اتفق مع مديره وضلّلوا المحكمة ومنحوها ورقةً بنصف راتبه، فما كان من المحكمة إلا الالتزام بالقانون، وصدر لها قرار بنفقة 1000 جنيه، لأربعة من الأبناء يتعلمون ويأكلون ويشربون. بل والأسوأ من ذلك هو عدم الانتظام في دفع النفقة بصورة شهرية، ما دفعها لإقامة دعاوى تأخير تستغرق شهوراً وأحياناً سنوات.

يؤكد هذه النواحي والوقائع المحامي ياسر سعد، الذي لفت إلى أنه في حالة عدم أداء النفقة وتراكمها على الزوج، أعطى القانون لصاحبة الحكم – الزوجة - الحق في إقامة دعوى حبس على قيمة النفقة المتأخرة. إلا أن المحاكم تقوم بتأجيل تلك الدعاوى إذا ما قام الزوج بدفع مبلغ، بغض النظر عن قيمته ونسبته إلى إجمالي دين النفقة.

وفي ردها على قانون الأزهر الذي رحب به رئيس الجمهورية، قالت "مؤسسة قضايا المرأة" في بيان لها - وهي إحدى المؤسسات التي تهتم بشؤون المرأة، وتسعى للاشتراك في صياغة القوانين - إن مقترح الأزهر للأحوال الشخصية المقدم منذ عام 2018 يعود بالنساء مئة عام للوراء، حيث إن مشروع القانون لم يراعِ نصوص الدستور المصري، والاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها مصر والمعنية بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص.

جدير بالذكر أن هناك دراسة أجريت عام 1989 من قبل "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" (مؤسسة رسمية) أكدت على أن 33 في المئة من الأسر في المجتمع المصري تعيلها النساء، وفي عام 2017 أكد الجهاز المركزي أن هناك ما يقرب من 3.3 مليون أسرة ترأسها السيدات.

لفتت المؤسسة في بيانها إلى أن مقترح قانون الأزهر يناقض نفسه في بعض مواده. فعلى سبيل المثال، نجد في المادة رقم (6) الفقرة (ب) نصاً يقول إنه لا يحق للولي منع تزويج المرأة برجل كفء ترضاه، إذا لم يكن للمنع سبب مقبول، وللقاضي إذا رُفع إليه أمرها أن يزوجها.

ثم تأتي الفقرة (ج) من المادة نفسها لتناقض الفقرة (ب) حيث جاء فيها أنه للولي الحق في المطالبة قضاءً بفسخ النكاح قبل الدخول إذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء.

تقول المحامية عزيزة الطويل، إن قانون الأسرة والأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 لطالما تعامل مع النساء من منطلق لا يتماشى على وجه الإطلاق مع تطور دور المرأة في المجتمع. وتدلل على ذلك بأن القانون على سبيل المثال لم يمنح الأم أيَّ حقوق فيما يتعلق بالولاية القانونية، بل إنه في حالة غياب الأب فليس للأم الولاية التعليمية، وتكون لأي من الذكور من أسرة الأب، الأقرب كالجد، أو العم.

الدراسة التي أجريت عام 1989 من قبل "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" (مؤسسة رسمية)، أكدت على أن 33 في المئة من الأسر في المجتمع المصري تعيلها النساء، وفي عام 2017 أكد الجهاز المركزي أن هناك ما يقرب من 3.3 مليون أسرة ترأسها سيدات.

في حالة عدم أداء النفقة وتراكمها على الزوج، أعطى القانون لصاحبة الحكم – الزوجة - الحق في إقامة دعوى حبس على قيمة النفقة المتأخرة. إلا أن المحاكم تقوم بتأجيل تلك الدعاوى إذا ما قام الزوج بدفع مبلغ، بغض النظر عن قيمته ونسبته إلى إجمالي دين النفقة!

ويقصد بالولاية التعليمية وفقاً لقانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 "حق إدارة شؤون الطفل التعليمية قبل بلوغه 15 عاماً، وهذه الولاية تثبت للولي الطبيعي، وهو الأب عند عدم وجود خلافات زوجية".

تدلل الطويل على أزمة القانون الحالي، ومشاريع القوانين المعروضة على البرلمان بقضية لسيدة اختفى زوجها لفترة عام ونصف العام، وكانت الزوجة لا ترغب في الطلاق، لكنها واجهت الكثير من الأزمات بما يتعلق بتعليم أبنائها، حيث رفضت كل الجهات التعامل مع الأم على اعتبار أنه ليس لها أي دور في تحديد مصير أبنائها التعليمي، وأصرت تلك الجهات على وجود الأب، واضطرت الأم للجوء لأهل الزوج أي والده وأشقائه ليتولوا هم الولاية القانونية، وهو ما يؤكد على إصرار القانون على التعامل من منطلق أن "النساء ناقصات عقل ودين"، وأن الولاية التعليمية والقانونية قد تذهب للجد أو العم أو أي من الذكور في العائلة عدا.. الأم! 

مقالات من مصر

للكاتب نفسه