"أحلام مصرية" بدرجة ماجستير ودكتوراه

عندما لا يجد "طالِب علم" مطلبه فى موطنه.. فلا نتائج أكيدة. قد يدور الكون دورته، فيكون هو عالم الفضاء المصري عصام حجي الذي حضر مؤخراً مؤتمر المناخ فى فرنسا ممثلاً لوكالة ناسا للفضاء إسوة برئيس دولته التي منعت أجهزة أمنها إقامة ندوة لذلك العالم نفسه على أرض وطنه بمكتبة الإسكندرية. وقد يحدث عكس ذلك تماماً، فيدفعه ضيق ظروف العيش وندرة فرص التحقق بالخارج للموت شنقًا على أرض بلده.. كما حصل
2016-01-07

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
حفل تخرج في جامعة خاصة (جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، كلية الإعلام، دفعة 2015)

عندما لا يجد "طالِب علم" مطلبه فى موطنه.. فلا نتائج أكيدة. قد يدور الكون دورته، فيكون هو عالم الفضاء المصري عصام حجي الذي حضر مؤخراً مؤتمر المناخ فى فرنسا ممثلاً لوكالة ناسا للفضاء إسوة برئيس دولته التي منعت أجهزة أمنها إقامة ندوة لذلك العالم نفسه على أرض وطنه بمكتبة الإسكندرية. وقد يحدث عكس ذلك تماماً، فيدفعه ضيق ظروف العيش وندرة فرص التحقق بالخارج للموت شنقًا على أرض بلده.. كما حصل لجمال محمد، أحد أعضاء رابطة حملة الماجستير والدكتوراه الذي لم يتمكن من الحصول على وظيفة  بالجهاز الإداري للدولة ـ  كما الوعود الحكومية ـ فشارك  فى سلسلة من الوقفات الاحتجاجية انتهت بفض الأمن لها فور وصولهم ميدان التحرير والقبض على عدد منهم. عاد جمال إلى قريته واتخذ قراراً بهجر العلم وحلم العمل، بل الحياة نفسها، لينضم إلى عبد الحميد شتا الذي نجح بعد نضال مع الدراسات العليا فى اجتياز اختبارات الخارجية المصرية للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، ليتم رفضه بالمرحلة الأخيرة ووصفه بـ "غير لائق اجتماعيا"، فربط  أبن حارس البناية جسده فى حبل قاسٍ وشد وثاقه حول رقبته  لترتفع قدمه فوق هذه الارض التي لفظته.
ما بين المشهدين تحتل "الرتابة" المرتبة الأولى، فتمتلئ أرفف المكتبات بالجامعات والمعاهد المصرية سنوياً بمئات الرسائل بالتخصصات العلمية والأدبية المختلفة، رسائل تحمل إسم أصحابها بينما لم تحمل حياتهم سمتها، لم يجدوا فرصة للتفرغ للعلم داخل بلدهم ولم يجدوا فرصة مناسبة للسفر للخارج بل أصبح الهم الشاغل لأغلبهم هو تحقيق وعد حكومي بتعيينهم فى وظائف رسمية بالدولة ليس بينها ما يتعلق بشغف البحث العلمي، فيتحول الباحث الى عبء تحاول الحكومة توزيع وطأته على الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة، ويتحول الوطن الى نظام يسعى الفرد الحصول على انتزاع حقه الفردي منه لضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة دون مساحة لرفاهية التفكير بالولاء والانتماء.

"إنهاء المعاناة"

.. هو الهدف الذي يدور حوله جميع الأطراف، ولكنهم بالتأكيد يختلفون في تعريفه. فبينما قرر جمال إنهاء المعاناة بإنهاء الحياة نفسها، تتذبذب الحكومة بين وجهتي نظر، الأولى ترى ضرورة طرح مسكنات بشكل دوري، توازن بين توجه الدولة للتحرر من أى إلتزامات اجتماعية تجاه المواطنين وعلى رأسها العمل بالجهاز الإداري وبين مراعاة الخلل الشديد بميزان العدالة الاجتماعية بما يجعل مشكلات مثل البطالة مفهوم عام يتخطي امكانات الفرد وطموحه.. ومن ثمّ كانت القرارات الاستثنائية الصادرة عن رئاسة مجلس وزاء ما بعد ثورة  25 يناير بتعيين أوائل الخريجين وحاملي الماجستير والدكتوراه حديثي التخرج (2002 ـ 2011) 
دارت إذاً عجلة التعيينات وسط غضب اتجاه اقتصادي يطالب بالالتفات للخطر المحدق بالميزان الاقتصادي للدولة الذي يثقله العجز، ولم يعد يحتمل مزيد من الالتزامات بل عليه العمل للتحرر من كثير منها، كما هو حال "الجهاز الإداري للدولة" الذي يضم ـ وفق تقديرات رسمية ـ ما يقارب 6 ملايين موظف حكومي. عقب فوز عبد الفتاح السيسي (ابن الدولة المصرية) بانتخابات الرئاسة، ففرضت وجهة النظر الثانية نفسها بقوة، فلم يعد هناك مجال للتحرج، بل يرى أصحابها انه من الواجب وقف سيل التعيينات وعدم الرضوخ لأى مظاهرات أو دعوات اجتماعية لا تراعي ـ من وجهة نظرهم ـ الظرف العام. وهكذا بدأت العجلة في البطء والتعطل، فمرت دفعات  2013 و2014 بشق الأنفس، ولم يجد أبناء دفعة 2015 غير النزول للشارع للمطالبة بما يروه حقًأ أصيلاً لهم.

"الحقوق".. وجهة نظر 

"لم تحصلوا على تعهد من الدولة بالتعيين فور حصولكم على درجات علمية ولا توجد أى دولة بالعالم، ذات اقتصادي قوي أو ضعيف يحاول أن يتعافي، تقبل بهكذا ضغط".. هذا هو المنطق الرسمي الذي عبر عنه أحد الإعلاميين المؤيدين لموقف الحكومة من القضية، وأضاف، دون أن يعطي مساحة للاختلاف وطرح وجهة النظر المخالفة، فى إداء هو أقرب لإطلاق الأحكام لا للإعلام: "إذا كنتم صفوة المجتمع كما تقولون، فلماذا لا تحترموا القانون الذي لا يسمح لكم بالتظاهر دون ترخيص، و اذا كنتم أكفاء كما تقولون فلما لا تتخاطفكم شركات القطاع الخاص؟". وجهة نظر لم يتم التعبير عنها بشكل رسمي عير المسئولين حتى الآن، ولكن تتبدى مع تضارب التصريحات والوعود، فبينما أكدت رئيسة جهاز التنظيم والإدارة في نيسان/ إبريل 2015 على أنه فور الانتهاء من توزيع دفعة العام الماضي على الهيئات المختلفة، سيتم فوراً إجراءات حصر الدفعة الجديدة، عادت، بعد نزول المتضررين الى الشوارع بالشهر الماضي وعقب واقعة فض تظاهرتهم بالقوة فى ميدان التحرير، لتقول على شاشة أحدى الفضائيات "لم نعط وعوداً لأحد، وعليهم انتظار المسابقات الرسمية حين يكون هناك حاجة إليها". وما بين التصريحين، يخرج بين الحين الآخر وزير العدل او وزيرة التضامن الاجتماعي لتعلن عن قرار منفرد بالاستعانة بعدد من هؤلاء في مهام بحثية داخل الوزارات.
إسلام عسيل، شاب يحمل درجة الماجستير فى "القانون العام"، لم يجد غير اتخاذ خطوة تجاه الدرجة العلمية لخلق درجة من الكفاءة والتميز عما يزيد عن 40 ألف من خريجي كليات الحقوق على مستوى الجمهورية فى العام الواحد ، منهم حوالي 4 آلاف من حملة الماجستير. وعلى أية حال، فمجمل الخريجين من كل الاختصاصات في 2014 لا يتجاوزون حوالي ال265 الفاً. يفند اسلام الاتهامات الموجهة له ولزملائه. فبالنسبة له، ليس من الإنصاف أن يُنكَر ضخامة وتخمة الجهاز الاداري للدولة، أو ألا يُعترف بأن حجم المطالبات أقوى من الإمكانات، أما الحق في العمل فهو مطلب لكل مواطن، سواء استطاع تحصيل أعلى درجات العلم أو لا. ولكن دائما ما تتوه الحقوق بسبب الفساد والمحسوبية وانعدام العدل، فإذا كان لا يوجد امكانية لتحمل مزيد من أعباء التعيينات فلماذا يستمر حتى الآن بأغلب الهيئات العمل على تعيين نسبة مئوية من أبناء العاملين، و من المسئول عن الفساد الذي يشوب المسابقات السنوية التي يتم إجراؤها بشكل "ديكوري" في أغلب المؤسسات، بينما تكون محجوزة مسبقاً، وفي سرية تامة، لأصحاب المحسوبيات والوساطات. ويقول إسلام: لا أطالب بالكثير، فقط المساواة فى الفرص، فقد تقدمت لعشرات المسابقات الرسمية بهيئات مختلفة، وفوجئت انا وزملائي بفوز من أن هم أدنى منّا فى الكفاءة، بل أدعو الدولة للاستفادة منا، فهذا الجهاز المتهالك الذي يشكو منه الجميع يمكننا نحن فقط إصلاحه بما لدينا من افكار علمية يفتقر إليها غيرنا.
أحلام إسلام كما عبر عنها تشبه غيرها، هي الحصول على وظيفة مراقب قانوني فى هيئات هامة كالجمارك أو الرقابة والمحاسبة، بما يمكنه من تحقيق نجاحات فى مواجهة الفساد الذي يحمله المسئولية الرئيسية فى توقف حياته العملية عند ختم النسر على شهادته العملية.

فساد أم توجه أم ضرورة 

"بعض من العدالة الاجتماعية يرحمكم الله"، هو التعبير الذي اختاره البرلماني السابق جمال أسعد، في حديثه الموجه للحكومة الحالية، وقدم تساؤلات حول الاهتمام الدائم بحل مشكلات المستثمرين وتعديل القوانين المعوقة لهم، بينما لا تلفتت للمطالبين بـ"الحق في العمل"، ورأى أن التعيين بالجهاز الإداري قد لا يكون هو الحل، لكن ماذا عن توفير البيئة المناسبة من خلال قوانين عمل منظمة تسمح باستيعاب تلك الكفاءات بالقطاع الخاص.
في المسافة الفاصلة بين الأطراف المختلفة، يقف "البحث العلمي" ككلمة تحتاج لإعادة تعريف حول الهدف من السماح بتسجيل كل تلك الدراسات و الرسائل العملية سنوياً، وعما إذا كان هناك إستراتيجية للاستفادة منها، وعن غياب سبل "النقاش المجتمعي" لمشكلات كبرى تحمل اسم "عاطل بدرجة ماجستير".

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...