مصر.. يا "صيف" المساكين

حار جاف صيفاً تدعمه شواطئ ممتدة شمالا وشرقاً ونسمة رقيقة تهب قبيل الغروب مع رقرقة المياه فوق سطح النيل. هكذا هي الصورة الحالمة التي لم يفقدها فصل الصيف في مصر، برغم كل ما يحيط به من مسببات للإرهاق والجهد والملل، سوى أن سحابة غير رحيمة ذات لون أصفر فاقع تحضر في باقي المشهد. أزمات الصيف.. والبشر يأتي صيف وراء آخر مصحوباً بانقطاع التيار
2015-06-02

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك

حار جاف صيفاً تدعمه شواطئ ممتدة شمالا وشرقاً ونسمة رقيقة تهب قبيل الغروب مع رقرقة المياه فوق سطح النيل. هكذا هي الصورة الحالمة التي لم يفقدها فصل الصيف في مصر، برغم كل ما يحيط به من مسببات للإرهاق والجهد والملل، سوى أن سحابة غير رحيمة ذات لون أصفر فاقع تحضر في باقي المشهد.

أزمات الصيف.. والبشر

يأتي صيف وراء آخر مصحوباً بانقطاع التيار الكهربائي يومياً لعدة ساعات على كل النواحي المصرية ـ عدا تلك التي تقبع فوقها قصور الحكم ـ وهو التقنين المعروف طوال السنوات الماضية بـ "خطة تخفيف الأحمال" لمعالجة الفارق بين حجمي الإنتاج والاستهلاك. ما يرتبط بدوره بسياسة إنتاج وتوزيع المحروقات من غاز طبيعي ومازوت على المحطات الكهربائية.
الازدحام وقلة التهوية مشهد آخر يأتي من تحت الأرض، داخل عربات مترو الأنفاق في شهور الصيف، يزيده وعود حكومية متكررة لا تتحقق عن فتح محطات كبرى تم إغلاقها قبل عامين "لدواعٍ أمنية"، وهو ما تسبب به الصيف الماضي لعدد كبير يومياً من حالات الإغماء والاختناق. المشهد مرشح للتكرار في الأيام المقبلة، فإذا لم تُصب بضربة شمس فوق الأرض بسبب الازدحام الشديد وصعوبة المواصلات فسوف تصاب أسفلها بالاختناق.
ومن العاصمة الى الريف الذي يعاني من مشكلات غير محدودة تتعلق بالمياه. فقد رصدت الهيئة العامة للمياه والمصرف الصحي ـ جهة حكومية ـ انقطاع المياه فى فترة الصيف عن 33 قرية بدلتا مصر العام الماضي ـ 2014 ـ ما أعاد إنتاج مشهد كان أحد اهم محركات الثورة المصرية في 2011، بخروج السيدات والأطفال بالأواني الفارغة الى النهر بحثاً عن المياه التي لا تصل الى بيوت الدلتا.

الارتفاع ليس فقط بدرجات الحرارة

جهات حكومية أشارت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية، وكذلك أسعار الوقود والكهرباء ضمن خطة رفع الدعم وخفض عجز الموازنة العامة في تموز/يوليو المقبل. تذمر واستغاثات خرجت الى السطح بالفعل بسبب استمرار ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه مع بدء موسم الصيف، والتي تخضع لآليات السوق وحده من دون أي تدخل من السلطات لضبطه، مما جعل تكلفة وجبة الغذاء لأسرة يصل عددها الى 5 أفراد من دون لحوم تصل الى 50 جنيهاً، بينما لا يزيد دخل ما لا يقل عن 65 في المئة من الأسر المصرية شهرياً على 1500 جنيه.
الارتفاع فى أسعار الخضروات والفواكه وصل الى 3 أضعاف، احياناً مقارنة بمتوسط السعر في العام الماضي. ولم تملك السلطة امام هذا المشهد إلا الاعلان عن توفير السلع الأساسية داخل المجمعات الاستهلاكية الحكومية بأسعار مخفضة حتى يتم ضبط أسعار السوق على ان يتحمل الفارق "الشركة القابضة للمواد الغذائية" التي تعاني بدورها من أزمات مالية وسيناريوهات خصخصة نتيجة الخسارة المستمرة، وهو ما أشار إليه رئيسها بالقول حين يتم بيع كيلو الطماطم بـ 5 بدلاً من 8 فهذا يعني إغلاق الشركة على المدى البعيد.
المشكلة التي تكشفها أزمة ارتفاع أسعار الخضروات أن الأمر لا يتعلق بأزمة زراعية ولكن بالتوزيع وسياسات البيع. فوزير المالية قال بكل وضوح إن أسباب الارتفاع هي نتيجة الفاقد في السلع الغذائية الذي يتراوح بين 30 و40 في المئة أثناء عمليات التداول وعدم وجود شبكة خدمات لوجستية تسهل عمليات النقل والحفظ.. ولكن ذلك لم يتصاحب بخطط لتغيير المشهد الحالي المرشح للتصاعد خلال فترة الصيف لتقاطعها مع شهر الصوم.

صيف.. اللا دعم

حلم حل مشكلات النقل بما يسمح بخفض أسعار السلع ليس فقط بعيد المنال وسط تعقد شبكة الطرق والزحام فى مصر، بل هو أمر شبه مستحيل الآن مع إعلان الحكومة عن موجة ارتفاع جديدة فى أسعار الوقود بكل أشكاله، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة النقل لكل المواد الغذائية والبناء وغيرها وموجة غلاء جديدة، بينما معدلات التضخم لم تقل عن 12 في المئة على مدى السنوات الخمس الماضية، والانخفاض الفعلي في الدخول مع استمرار العمل بمنظومة قوانين لا تحمي من الفصل والبطالة والإحالة الى المعاش المبكر، وما زال الحد الأدنى للأجور المعلن عنه هو 1200 جنيه بينما الزيادات الجديدة بأسعار الوقود ـ وفق تصريحات حكومية ـ تتراوح ما بين 30 ـ 40 في المئة.
شرائح استهلاك الكهرباء ساحة عناء أخرى، فمع شهر تموز/يوليو الماضي، وفي اطار خطة حكومية لإلغاء الدعم كاملاً خلال خمس سنوات، اشار البيان الحكومي الى المواطنين بالهدوء وتحمل المسؤولية بالنظر الى فارق السعر الذي تتكبده الموازنة، حيث أن تكلفة إنتاج الكيلووات تبلغ 47 قرشاً ويباع طبقاً للزيادة الجديدة بـ 9 قروش فقط، أما السعر المتوقع الوصول إليه خلال خمس سنوات فهو 50 قرشاً للكيلووات الواحد. هذه الأرقام ستترجم في فواتير الاستهلاك ابتداءً من تموز/يوليو المقبل إذاً.
يتبادل المصريون فى كل المواصلات الحديث عن هذه الزيادات مع التندر حول البدء الفعلي لانقطاع التيار الكهربائي والذي يتم تبادل المسؤولية عنه بين الدولة والجماعات الإرهابية، حيث يقتنع البعض ان الانقطاع سببه التفجيرات المتتالية لأبراج الكهرباء.
تقول التصريحات الرسمية إن زيادة الأسعار لا تشمل فقط تقليل حجم الإنفاق على الدعم ولكن أيضاً زيادة حجم إنتاج الكهرباء بما يسمح خلال السنوات الخمس نفسها من الانتهاء تماماً من ظاهرة انقطاع الكهرباء، خاصة بعد مشاريع الاستثمار بمجال الطاقة والكهرباء التي اعلن عنها في "المؤتمر الاقتصادي الدولي لدعم الاقتصاد المصري".

 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...