على مدار الأيام الأخيرة٬ وفي سياق إحالة رئيس البرلمان لمقترح حكومي لقانون الأحوال الشخصية للجنة برلمانية مشتركة بالبرلمان لمناقشته أواخر الشهر الماضي٬ نشرت المئات من النساء عن تجاربهن مع غياب ولايتهن على أنفسهن وأبنائهن في مصر.
تابعنا ما نُشر على هاشتاج #الولاية_حقي، وفاجأنا عمق الأزمة وتعقيدها. تحدثنا مع ثلاثة محامين حقوقيين، استخلصنا معهم حدود ولاية النساء وفقًا للقانون المصري. ما وجدناه يكشف غياب ولاية النساء في الأبنية القانونية، وامتداد سلطة القهر إلى خارجها، حيث عالم الأعراف بأنماطها المختلفة.
الولاية على النفس
صعوبات تواجه نساء في تزويج أنفسهن دون ولي:
وفقًا للقانون، يمكن للمرأة إذا تجاوزت سن الرشد (21 عامًا) أن تزوج نفسها بدون ولي، ولكن بعض المأذونين يتعنتون في إتمام الزواج إلا بحضور أي ذكر من العائلة بحجة عدم شرعية العقد بدون ولي إلا في مذهب الإمام أبوحنيفة النعمان وهو المذهب الذي استند إليه هذا القانون. وفي حالة عدم توافر شخص، يمكن الاستعانة بجار لها، حسبما قال مأذون منطقة إمبابة، عبدالله السعيد. هذا الرفض يأتي مدفوعًا بتعليمات شفهية من وزارة العدل تحظر اتمام زواج النساء دون ولي كما قال عدد من المأذونين للمحامية عزة سليمان.
تواجه النساء صعوبات في إجراء عمليات جراحية لأنفسهن بالجهاز التناسلي والرحم، وهو ما قد يستدعي موافقة الزوج.
لا تملك المرأة حق تنفيذ إجهاض أو عمليات بالرحم أو أي عمليات جراحية قد تهدد إمكانية حملها مستقبلًا إلا بموافقة الزوج، وأحيانًا الأخ أو الابن، إلا في حالات الطوارئ التي قد تهدد حياتها. وفقًا لأطباء، لا يوجد قانون يلزم بذلك، وهو ما يؤكده محامونا الثلاثة، سليمان وأحمد راغب وهدى نصر الله. ولكن يلتزم الأطباء بهذه السياسة خوفًا من المشاكل التي قد تنتج جراء ذلك من الزوج أو العائلة في حال إتمام العملية بدون علمهم.
الولاية على الأبناء
الأب هو الولي الطبيعي على الأبناء القصر دونًا عن الأم وفقًا لأحكام الولاية بالقانون المصري، كما يقول المحامون الثلاثة. أما الأم فتظهر في القوانين دومًا كـ«وصي» على أبنائها القصر لا «ولي» عليهم. هذا الفارق في المسمى يعود إلى أن القانون يرى في «الولي» ممارسًا طبيعيًا لمفهوم الولاية، في حين أن الوصي هو شخص قد يظهر ليمارس هذا الدور على نحو استثنائي، كما يوضح أحمد راغب.
وبهذا يتمتع الأب بحق تمثيل القاصر أمام القانون دون الأم، كما يقول راغب، موضحًا أن فلسفة هذا القانون مستمدة من الشريعة، إذ أعطت للذكور حق الولاية وهو ما يخص حق اتخاذ القرارات والولاية على النفس، فيما أعطت للمرأة حق الحضانة وهو ما يتطلب الرعاية والتربية، لذا تذهب الحضانة للأم أولًا ثم الجدة.
ويترتب عليه عدم أحقية المرأة في رفع الدعاوى القضائية أو توقيع العقود باسم الأبناء والموافقة على إجراء بعض العمليات الجراحية للأبناء، بحسب راغب.
عدم تمكن النساء من تسجيل ميلاد أبنائهن
لا تستطيع الأم أيضًا تسجيل أطفالها في مكاتب الصحة عقب الولادة، إلا في حالة وجود الأب، أو قريب للأب من الدرجة الأولى، رغم أن المادة رقم 15 من قانون الطفل تنص على أن الأم تلي الأب في الحق بتسجيل أطفالهم بشرط إثبات الزواج. وفقًا لموظف بمكتب صحة مركز بلقاس فضل عدم ذكر اسمه، يشترط الموظفون أن يقوم الأب أو والده بالتسجيل للتأكد من النسب للأب، وهو ما كان يضطر بعض الأمهات في حالة عدم وجود الأب لسفره أو لعدم اعترافه بالطفل إلى رفع قضية إثبات نسب والتي بدورها تمكنهم من تسجيل الطفل، وحاليًا يلجأن إلى عمل محضر إثبات حالة بعدم وجود الأب لتسجيل الطفل، وفقًا للمحامية لمياء لطفي.
عدم تمكن النساء من إجراء معاملات مالية تتعلق بالأبناء القصر من قبيل فتح حساب بنكي بأسمائهم والتعامل عليه.
لا تستطيع المرأة فتح حساب بنكي لأبنائها، أو دفتر توفير في مكاتب البريد، إلا في حالة حصولها على توكيل من الأب أو حكم محكمة بالوصاية على الأموال. ولتنفيذ حكم الوصاية لا بد من موافقة الشؤون القانونية بالبنك كجزء من سياسات البنوك. ولا تستطيع المرأة التصرف في أموال أطفالها حتى إن كانت هي مصدر الأموال، وذلك لأنه وفقًا للمادة الأولى في أحكام الولاية على المال فإن الولاية المالية للقصر تكون للأب ثم للجد.
في حال وفاة الأب، لا تنتقل الولاية للأم بل للجد -والد الأب- ولا يمكن للأم الحصول عليها إلا بتنازل الجد بموافقته وإذنه، باعتبار أن الولاية «الطبيعية» انتقلت من الأب للجد. وفقًا للقانون رقم 119 لسنة 1952. «المشرع اعتبر الأم مجرد وعاء للأبناء»، بحسب تعبير سليمان.
في حال وفاة الأم، وانتقال ثروتها لأبنائها القصر، يمارس الأب ولايته على أبنائه بما في ذلك التصرف في أموالهم. يحدث ذلك في ظل قيود «مخففة نسبيًا»، بالمقارنة مع القيود الصارمة التي توُضع على الأم في نفس الوضع، بناءً على قانون الولاية المالية. يشير راغب إلى أن القانون ينص على عدم مساءلة الأب إلا في الأخطاء الجسيمة المتعلقة بإدارة ثروة أبناءه. ووفقًا للقانون، يتمتع الأب حصرًا بهذا الحق، أي أنه لا يسري على غيره، كما يوضح راغب.
رفض المدارس السماح للأمهات اتخاذ الكثير من الإجراءات المرتبطة بالتعليم، وصولًا حتى لحقها في استلام جهاز «التابلت».
لا تستطيع المرأة المتزوجة إدخال أطفالها إلى المدرسة، أو نقلهم إلى مدرسة أخرى إلا بالحصول على الولاية التعليمية من خلال حكم محكمة، إذ أن الأصل في حق الولاية في القانون المصري للأب. أما المرأة المطلقة فتنتقل لها الولاية التعليمية بدون حكم وفقًا للمادة 54 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 باعتبارها حاضن، ولكن إدارات المدارس غالبًا ما تطلب حكم من المحكمة بالوصاية التعليمية كشرط لقبول الأطفال بالمدارس، بالمخالفة للقانون. «يمثل رفض الكثير من المدارس ممارسة النساء -في حال الطلاق- للولاية التعليمية، انتهاكًا للقانون» كما يضيف راغب. لكن طالما استمر الزواج، فيحق للأب دون غيره ممارسة الولاية التعليمية على أبنائه كجزء من الولاية الطبيعية، كما يوضح.
ويحق للأب الطعن على أي من قرارات طليقته بشأن تعليم الأبناء عبر دعوى قضائية، كما يقول راغب.